< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/03/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التسليم في الصَّلاة(13)

قول الماتن: (فإذا تلفَّظ بالسَّلام عليكم أومأ الإمام بها عن يمينه بصفحة وجهه؛ والمنفرد: بمؤخَّر عينه؛ والمأموم: يسلم مرتين عن جانبَيْه؛ وإن لم يكن على يساره أحد، ولا حائط، اجتزأ بيمينه، وفي رواية عليّ بن جعفر، عن أخيه عليهما السَّلام: التسليم على الجانبين مرتين مطلقاً)

يقع الكلام في ثلاثة مباحث:

الأوَّل: في المنفرد.

الثاني: في الإمام.

الثالث: في المأموم.

أمَّا الأمر الأوَّل: فيقع الكلام فيه من جهتين:

الأُولى: هل يستحبّ للمنفرد أن يأتي بصيغة (السَّلام عليكم) مرتين، أم لا؟

الثانية: هل يستحبّ له أيضاً أن يومِئ إذا تلفَّظ بـ (السَّلام عليكم) بمؤخَّر عينه إلى يمينه ، أم لا؟

وأمَّا الجهة الأُولى: فالمعروف بين الأعلام أنَّه يستحبّ له تسليمةً واحدة، وفي الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه... )، وفي الذِّكرى: (فالمنفرد يسلِّم واحدةً، بصيغة (السَّلام عليكم)، وهو مستقبل القبلة، ويومِئ بمؤخَّر عينه عن يمينه...).

وفي المقابل قال العلَّامة رحمه الله في المنتهى: (لا ريب في ندبيَّة التعدّد...).

ثمَّ إنَّه قدِ استُدلّ للقول الأوّل -وهو استحباب تسليمة واحدة للمنفرد، مستقبل القبلة- بصحيحة عبد الحميد بن عوَّاض عن أبي عبد الله عليه السَّلام (قال: إن كنت تؤمّ مأموماً أجزأك تسليمةً واحدة عن يمينك، وإن كنت مع إمام فتسلمتين، وإن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة)([1] ).

وبرواية أبي بصير (قال أبو عبد الله عليه السَّلام: إذا كنت وحدك فسلِّم تسليمةً واحدةً عن يمينك)([2] )، والشَّاهد قوله: (تسليمةً واحدةً).

وأمَّا قوله: (عن يمينك )، فسيأتي الكلام عنه الجهة الثانية.

ولكنَّ الرِّواية ضعيفة بالإرسال، إذ لم يذكر المحقِّق رحمه الله في المعتبر طريقه إلى عبد الكريم، وأيضاً ضعيفة بجهالة عبد الكريم.

وقد يستدلّ لما ذهب إليه العلّامة رحمه الله في المنتهى -من ندبيَّة التعدُّد- بصحيحة عليّ بن جعفر (قال: رأيتُ إخوتي موسى وإسحاق ومحمَّداً، بني جعفر عليه السَّلام ، يسلِّمون في الصَّلاة عن اليمين والشِّمال: السَّلام عليكم ورحمة الله، السَّلام عليكم ورحمة الله)([3] ).

قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى -بعد أن ذكر هذه الصَّحيحة-: (ويبعد أن تختصَّ الرُّؤية بهم مأمومين لا غير، بل الظَّاهر الإطلاق، وخصوصاً وفيهم الإمام عليه السَّلام، ففيه دلالة على استحباب التسليمتَيْن للإمام والمنفرد أيضاً، غير أنَّ الأشهر الواحدة فيهما).

وفيه: أنَّه حكاية فِعْلٍ، وهو مجمل، لا عموم فيه، ولا إطلاق، والقدر المتيقَّن منه هو كونهم مأمومين، لمدوامتهم على الصَّلاة خلف أئمة ذلك الزمان؛ ومنه يشتمّ منه رائحة التقيَّة.

وقد يستدلّ أيضاً: بمرسلة دعائم الإسلام عن جعفر بن محمَّد عليه السَّلام (قال: فَإِذَا قَضَيْتَ التَّشَهُّدَ فَسَلِّمْ عَنْ يَمِينِكَ وَ عَنْ شِمَالِكَ، تَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ)([4] )، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.

والخلاصة إلى هنا: أنَّ الأقوى هو العمل بما دلَّ عليه صحيحة عبد الحميد بن عوَّاض، من استحباب التسليم للمنفرد مرةً واحدةً، والله العالم.

____________

(4) دعائم الإسلام: ج1/ ص165، ط: آل البيت (ع).

 

الجهة الثانية -وهو استحباب الإيماء بمؤخَّر عينيه إلى يمينه-: قال في الجواهر: (فقد ذكره الحلبي في إشارته، والشَّيخ قبل المصنِّف في المحكي عن نهايته ومصباحه، والقاضي عن مهذّبه، وتبعهم المصنِّف وغيره، بل قيل: إنَّه المشهور، بل في الرِّوضة: أنَّه لا رادّ له...).

أقول: لا يوجد في الرِّوايات أصلاً أنَّه يومئ بموخَّر عينيه إلى يمينه، ولو في خبر ضعيف.

نعم، قد يكون المستند في ذلك هو الجمع بين ما دلّ على أنَّه يسلِّم إلى القبلة، كصحيح عبد الحميد بن عوَّاض([5] )، وبين رواية أبي بصير المتقدِّمة (إذا كنتَ وحدك فسلِّم تسليمةً واحدةً عن يمينك)([6] )، بحمل هذه الرِّواية على إرادة الإيماء إلى اليمين بمؤخَّر العين، بحيث لا ينافي استقبال القبلة.

وفيه -مع قطع النَّظر عن ضعف هذه الرِّواية، كما عرفت-: أنَّ الجمع بينهما لا ينحصر بالإيماء بمؤخَّر العين، بل الإيماء بوجهه قليلاً، بحيث لا ينافي استقبال القبلة، أقرب إلى حقيقته، فإنَّ المتبادر من هذه الألفاظ المذكورة في الرِّوايات هو التوجّه بالوجه قليلاً نحو اليمين، فإنَّ العرف قاضٍ بأنَّ من قَصَد خطاب شخص توجَّه إليه بوجهه.

وممَّا يؤيِّد ما ذكرناه: هو أنَّهم قالوا في الإمام -كما سيأتي- يُؤمِئ بصفحة الوجه، مع أنَّه كما ورد هنا -أي المنفرد- الأمر بالاستقبال تارةً، وإلى اليمين أخرى، كذلك ورد فيه، مع أنَّهم حملوا التسليم إلى اليمين في الإمام على الإيماء بصفحة الوجه.

وما هذا إلَّا لأنَّ الإيماء لا ينحصر بمؤخَّر العين.

وفي خبر المفضَّل بن عمر، المروي في العِلل، ما يدلّ على استحباب الإيماء بالأنف للمنفرد (قال: سألتُ أبا عبد الله عليه ‌السَّلام: لأيّ علّة يسلَّم على اليمين، ولا يسلَّم على اليسار؟ قال : لأنّ الملك الموكّل (الذي خ ل) يكتب الحسنات على اليمين، والذي يكتب السِّيئات على اليسار، والصَّلاة حسنات ليس فيها سيّئات، فلهذا يسلّم على اليمين دون اليسار؛ قلتُ : فلِمَ لا يُقال: السَّلام عليك، والملك على اليمين واحد، ولكن يُقال: السَّلام عليكم؟ قال : ليكونَ قد سلَّم عليه، وعلى مَنْ على اليسار، وفُضِّل صاحب اليمين عليه بالإيماء إليه؛ قلتُ: فلِمَ لا يكون الإيماء في التسليم بالوجه كلّه، ولكن كان بالأنف لمن يصلّي وحده، وبالعين لمن يصلّي بقوم؟ قال: لأنّ مقعد الملكين من ابن آدم الشّدقين، فصاحب اليمين على الشّدق الأيمن، وتسليم المصلّي عليه، ليثبت له صلاته في صحيفته ؛ قلتُ : فلِمَ يسلّم المأموم ثلاثاً؟ قال: تكون واحدة ردّاً على الإمام، وتكون عليه وعلى ملكَيْه، وتكون الثانية على مَنْ على يمينه، والملكين الموكّلين به، وتكون الثالثة على مَنْ على يساره وملكَيْه الموكّلين به، ومَنْ لم يكن على يساره أحد لم يسلّم على يساره، إلاّ أن تكون يمينه إلى الحائط ويساره إلى مَنْ صلّى معه خلف الإمام فيسلّم على يساره، قلتُ: فتسليم الإمام على من يقع؟ قال: على ملكَيْه والمأمومين، يقول لملكَيْه: اكتبا سلامة صلاتي ممّا يفسدها، ويقول لمن خلفه: سلمتم وأمنتم من عذاب الله عزّ وجلّ)([7] ).

____________

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo