< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/12/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : النية في الصلاة(5)

تابع ..

ومن هنا لا يمكن صدور العمل بناءً على ذلك إلَّا بعد تلك التصوُّرات ، وأمَّا بناءً على كون النيَّة هي الداعي كما ذكرناه سابقاً ، فيمكن حينئذٍ تقدُّم النيَّة ، كما إذا تصوَّر الفِعْل والغاية منه في زمان سابق عليه ، وصار ذلك داعياً وباعثاً على صدور العمل في هذا الزمان ، وهذا هو الملاك في صحَّة العبادة إذ المدار في صحتها صدورها عن قصدٍ وإرادة ، وهذا حاصل ، وأمَّا الإرادة التفصيليَّة فلا دليل على اعتبارها حين الشروع في الفعل .

*** *** ***

قوله : (ثمَّ إلى آخر الصَّلاة حكماً)[1]

لا إشكال بين الأعلام في وجوب استدامة النيَّة حكماً إلى آخر العمل ، وإنَّما الخلاف في تفسيرها ، فالمشهور بينهم أنَّها بمعنى أنْ لا ينوي نيَّة تنافي النيَّة الأُولى .

وعليه ، فالاستدامة الحكميَّة من الأمور العدميَّة ، لأنَّها عدم الإتيان بنيَّة تنافي النيَّة الأُولى .

وقد يُستدلّ : بأنَّ استدامة النيَّة الفعليَّة - والتي هي عبارة عن تصوُّر الفِعْل والغاية مع الحالة الباعثة للنفس على الاشتغال - لمَّا كانت متعذَّرةً في الأعمال الطويلة ومتعسِّرةً في الأعمال القصيرة اقتُصر حينئذٍ على الاستدامة الحكميَّة ، بل ذكر بعض الأعلام أنَّ استدامة النيَّة الفعليَّة متعذرة دائماً ، سواء في الأعمال الطويلة أو القصيرة ، بدليل أنَّ لازم ذلك أنْ يكون للإنسان قلبان يتوجَّه بأحدهما إلى تصوُّر الفِعْل ومقدماته وغايته المعبَّر عنه بالصَّورة المُخْطرة بالبال ، ويتوجَّه بالآخر إلى الإتيان بأجزاء الفعل ، وبما أنَّه لم يجعل الله لرجلٍ من قلبين في جوفه ، فلذا كان ذلك متعذِّراً .

والإنصاف : أنَّ الدليل على وجوب الاستدامة الحكميَّة بالمعنى المشهور هو توقُّف صدق كون العمل منويّاً عليها ، كما هو الحال في كلِّ عملٍ مركب ، فإنَّ المكلف ينوي العمل أوَّلاً حين الابتداء به ، ثمَّ يبقى مستمرًّا على ذلك ، أي لا ينوي نيَّةً تخالف النيَّة الأُولى .

وعليه ، فيكون العمل منسوباً إليه ومقصوراً له وإن ذهل في الأثناء ، ومَنْ أراد معرفة باقي المعاني للاستدامة الحكميَّة فَلْيرجع إلى ما ذكرناه في مبحث نيَّة الوضوء ، فقد ذكرنا ذلك بالتفصيل غير المملّ .

بقي شيء في المقام ، وهو أنَّه لو نوى المصلِّي الخلاف في الأثناء ، أو تردد ، ثمَّ رجع إلى نيَّته ، فتارةً يرجع إلى نيَّته بعد الإتيان ببعض الأجزاء بنيَّة الخلاف أو بلا نيَّة ، وأخرى يعود قبل الإتيان بشيء .

أمَّا الصورة الأُولى فالظَّاهر عدم صحَّة رجوعه ولا بدَّ من الاستئناف ، لأنَّ ما أتى به من الأعمال مع نيَّة الخلاف أو بلا نيَّة يكون زيادةً في الصَّلاة والزيادة العمديَّة مبطلة .

وأمَّا إذا رجع إلى نيَّة الصَّلاة قبل الإتيان بأيِّ شيءٍ من الأعمال المنافية ، فإن قلنا كما هو الصحيح وسيأتي - إن شاء الله قريباً - أنَّ الأكوان المتخلِّ، لة ليست من الأجزاء فلا يضرّه ذلك .

وأمَّا إن قلنا : إنَّها من الأجزاء، فيكون حينئذٍ قد أتى ببعض الأجزاء بنيَّة مخالفة أو بلا نية، فيبطل العمل، ويجب الاستئناف، وسيأتي المزيد من التفصيل - إن شاء الله تعالى - قريباً عند قوله : (الثالث : لو نوى الخروج من الصَّلاة ... ) .

*** *** ***

قوله : (فإنْ عسر استدامته فعلاً إلى آخر التكبير كفى في أوَّله)

قد عرفت ما هو الصَّحيح في المسألة .

*** *** ***

قوله : (ولا يُشترط تعيين الأفعال مفصَّلةً ، ولا عدد الرَّكعات إلَّا في مواضع التخيير على الأقرب .نعم ، يجب التعيين في صورة اشتباه القصر بالتمام إذا أراد قضاءه)[2]

قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (لا يشترط تعيين عدد الرّكعات ، ولا تفاصيل الأفعال ، بل يكفي الإجمال في إحضار ذات الصَّلاة، ولو تعرَّض للعدد لم يضر، ولو أخطأ في العدد فالأقرب البطلان، إلَّا أن يكون الخطأ في التلفُّظ، فلا عبرة به ، ولو تخيَّر المسافر بين التمام والقصر - كما في أحد الأماكن العامَّة، إلى أن قال : - جزم كثير من الأصحاب بأنَّه لا يشترط التعيين، بل يكفي القصد إلى مطلق الصَّلاة، ولهذا يجوز عدول المسافر إلى التمام لو نوى في أثناء الصَّلاة الإقامة؛ ويحتمل وجوبه لأنَّ الفرضين مختلفان فلا يتخصّص أحدهما إلَّا بالنية ... ) .

وفي المدارك : (وقد قطع الأصحاب بأنَّه لا يعتبر في النيَّة قصد القصر أو الإتمام وإن كان المكلَّف مخيَّراً بينهما، كما في أماكن التخيير، وهو كذلك، أمَّا مع لزوم أحد الأمرين فظاهر متعيِّن الفرض ، وأمَّا مع التخيير فلِأنَّه لا يتعيَّن أحدهما بالنيَّة ، بل يجوز للمكلَّف مع نيَّة القصر الاقتصار على الركعتين والإتمام، كما نصَّ عليه في المعتبر، فلا حاجة إلى التعيين) .

أقول : يظهر من أدلَّة القصر والإتمام أنَّهما ماهية واحدة، وليس الفرق بينهما إلَّا الفرق بين الشَّيء بشرط شيء والشَّيء بشرط لا، فالقصر ركعتان بلا زيادة، والتمام أربع ركعات .

وعليه ، فلا يجب تعيينهما بالقصد، إذ لا يحتاج إليه، بل له في مواضع التخيير الدخول في الصَّلاة من غير تعيين لأحدهما، إذ التخيير بينهما يكون من قبيل التخيير بين الركعتين بشرط لا والركعتين مع ركعتين أخريين، فلا مانع من الأخذ بإطلاق دليل التخيير الشَّامل للابتدائي والاستمراري، فكما يكون المكلَّف مخيَّراً بين القصر والتمام قبل الدخول في الصَّلاة يكون مخيَّراً بعده .

والخلاصة : أنَّه لا إشكال في عدم اعتبار نيَّة القصر والإتمام مع عدم التعدُّد في الذّمَّة والتخيير، بل قد عرفت أنَّه لا يعتبر التعيين حتَّى مع التخيير .

وأمَّا مع التعدُّد في الذّمَّة، كما لو كان عليه قضاء قصراً وتمام وأراد قضاءه ، فإنِ احتاج امتثال التكليف إلى التعيين فيجب قصده، وإلَّا فلا، والله العالم .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo