< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/05/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الأذان والإقامة (2)

 

وفي المدارك : (هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفاً ) ، وفي الذكرى نسبته إلى عَمْل الأصحاب ، وفي التذكرة والمحكي عن نهاية الأحكام نسبته إلى علمائنا .

ويدلُّ عليه الأخبار الكثيرة :

منها : معتبرة أبي بكر الحضرمي ، وكُلَيْب الأسدي جميعاً ، عن أبي عبد الله عليه السلام (أنَّه حكى لهما الأَذان ، فقال : الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر ، أشهد أنْ لا إله إلَّا الله أشهد أنْ لا إله إلَّا الله ، أشهد أنَّ محمَّداً رسول الله أشهد أنَّ محمَّداً رسول الله ، حيَّ على الصَّلاة حيَّ على الصَّلاة ، حيَّ على الفلاح حيَّ على الفلاح ، حيَّ على خير العمل حيَّ على خير العمل ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلَّا الله لا إله إلَّا الله ، والإقامة كذلك)[1] .

والرِّواية معتبرة ، فإنَّ أبا بكر الحضرمي وكُلَيْب الأسدي ممدوحان مدحاً معتدّاً به ، وهي واضحة جدّاً ، إلَّا أنَّ ذَيْلها - وهو قوله : (والإقامة كذلك) - لا يخلو من تشويش ، لأنَّ من مقوِّمات الإقامة قَوْل : قد قامت الصَّلاة مرتَيْن .

ومن هنا يحتمل أن تكون هذه الفقرة من كلام الرَّاوي معطوفاً على الأَذان ، فمعناه أنَّه عليه السلام حكى الإقامة أيضاً كالأذان مفصَّلاً ، ولكنَّ الرَّاوي لم يتعرَّض لوضوحه عندهم .

ولكنَّ سَوْق العبارة يشهد بأنَّه من كلام الإمام عليه السلام ، ولكنَّه لم يتعرَّض لقَوْل : قد قامت الصلاة ، تعويلاً على وضوحه ، فعلى هذا يكون فصول الإقامة عشرين أكثر من الأذان بفصلَيْن ، وهما قد قامت الصَّلاة مرتَيْن ، وهو مخالف لإجماع الأعلام .

ولكنَّ هذا لا يضرُّ بصحَّة الاستدلال بالرِّواية ، لِمَا عرفت من إمكان التفكيك بين عبارات الرِّواية ، وقد تقدَّم نظير ذلك .

ومنها : موثَّقة إسماعيل الجُعْفِي (قال : سمعتُ أبا جعفر عليه السلام يقول : الأَذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفاً ، فعدَّ ذلك بيده واحداً واحداً : الأَذان ثمانية عشر حرفاً ، والإقامة سبعة عشر حرفاً) [2] .

والظَّاهر أنَّ المراد من إسماعيل الجعفي هو ابن جابر بقرينة قول النجاشي رحمه الله : (إسماعيل بن جابر روى حديث الأَذان ، له كتاب ... ) ، وقد وثَّقه الشَّيخ رحمه الله في رجاله .

نعم ، هذه الموثَّقة ليست واضحةً من حيث الكيفيَّة ، إلَّا أنَّ هذا لا يقدح في الاستدلال بها بعد معروفيَّة كيفيَّة الأَذان والإقامة عند المؤمنين من كون الأَذان أوَّله التكبير أربعاً والباقي مثنى مثنى ، والإقامة كلّها مثنى مثنى إلَّا التهليل مرَّة ، مع إضافة قد قامت الصَّلاة مرتَيْن بعد حيَّ على خير العمل .

ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (قال : قال : يا زرارة ! تفتح الأَذان بأربع تكبيرات وتختمه بتكبيرتين وتهليلتين) [3] ، وهي صحيحة بطريق الشَّيخ رحمه الله ، وإن كانت ضعيفة بطريق الكليني ، لأنَّ محمَّد بن إسماعيل الذي يروي عنه الكُلَيْني هو البندقي النيشابوري المجهول .

ومنها : رواية المعلَّى بن خُنَيْس ، وهي مثل معتبرة أبي بكر الحضرمي ، وكُلَيْب الأسدي ، إلَّا أنَّه لا يوجد في ذَيْلها (والإقامة كذلك) [4] ، ولكنَّها ضعيفة بالمعلَّى بن خُنَيْس .

نعم ، قد ينافي هذه الأخبار جملة من الرِّوايات دلَّت على أنَّ الأَذان كلّه مثنى مثنى ، فيكون ستة عشر فصلاً :

منها : صحيحة صفوان الجمَّال (قال : سمعتُ أبا عبد الله عليه السلام يقول : الأَذان مثنى مثنى ، والإقامة مثنى مثنى) [5] .

ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن الأَذان ، فقال : تقول : الله أكبر الله أكبر ، أشهد أنْ لا إله إلَّا الله أشهد أنْ لا إله إلَّا الله ، أشهد أنَّ محمَّداً رسول الله أشهد أنَّ محمداً رسول الله ، حيَّ على الصَّلاة حيَّ على الصَّلاة ، حيَّ على الفلاح حيَّ على الفلاح ، حيَّ على خير العمل حيَّ على خير العمل ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله لا إله إلا الله ) [6] .

ومنها : رواية زرارة والفُضَيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام (قال : لمَّا أُسْري برسول الله (صلى الله عليه وآله) فَبَلغ البيت المعمور حضور الصَّلاة فأَذَّن جبرائيل ، وأقام ، فتقدَّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وصفَّ الملائكة والنبيِّون خَلْف رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : فقلنا له : كيف أَذَّن ؟ فقال : الله أكبر الله أكبر ، أشهد - إلى أنْ قال : - والإقامة مثلها إلَّا أنَّ فيها قد قامت الصَّلاة ، قد قامت الصَّلاة بين حيَّ على خير العمل وبين الله أكبر ، فَأَمَر بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بلالاً ، فلم يَزْل يؤذَّن بها حتَّى قبض الله رسوله (صلى الله عليه وآله) ) [7] ، ولكنَّها ضعيفة ، لأنَّ عليَّ بن السِّندي غير موثَّق .

ومنها : صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : الأَذان مثنى مثنى والإقامة ، واحدة واحدة) [8] .

أقول : سيأتي - إن شاء الله تعالى - أنَّه يمكن حمل الإقامة واحدة واحدة على الاستعجال ، أو التقيَّة .

والجمع العرفي : يقتضي حَمْل ما دلَّ على الأقلّ على الإجزاء ، وما دلّ على الأكثر - أيّ : التكبير أربع مرات أوَّل الأذن - على الأفضليَّة .

وربما يؤيِّده : ما عن الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله بإسناده عن الفضل بن شاذان - فيما ذكره من العلل - عن الرِّضا عليه السلام (أنَّه قال : إنَّما أمر النَّاس بالأَذان لِعِلل كثيرة ، منها أن يكون تذكيراً للسَّاهي ، وتنبيهاً للغافِل وتعريفاً لِمَنْ جهل الوقت واشتغل عنه ، ويكون المؤذِّن بذلك داعياً إلى عبادةِ الخالق ، ومرغِّباً فيها ، ومقرِاً له بالتوحيد ، مجاهِراً بالإيمان ، معلِناً بالإسلام - إلى أن قال : - وجَعَل التكبير في أوَّل الأَذان أربعاً ، لأنَّ أوَّل الأَذان إنَّما يبدو غفلةً ، وليس قبله كلام ينبِّه المستمع له ، فَجَعل الأوَّل تنبيهاً للمستمعِين لِمَا بعده من الأَذان ... ) [9] ، وقول : (جعل الأوَّل) أي : التكبير مرتَيْن أوَّل الأَذان .

ولكنَّها ضعيفة ، لأنَّ في السَّند عدَّة أشخاص ضعفاء .

هذا ، وفي بعض الأخبار زيادة الفصول عن الثمانية عشر ، كما في مرسلة النهاية (قال : وقد رُوي اثنان وأربعون فصلاً ، يضيف إلى ذلك التكبير في آخر الأَذان مرتَيْن ، وفي آخر الإقامة مرتَيْن) [10] .

وفي مرسلة الشَّيخ رحمه الله في المصباح (قال : ورُوي : اثنان وأربعون فصلاً ، فيكون التكبير أربع مرات في أوَّل الأذان وآخره ، وأوَّل الإقامة وآخرها ، والتهليل مرتَيْن فيهما ) [11] ، ولكنَّهما ضعيفتان بالإرسال .

والخلاصة : أنَّ مقتضى الجمع العرفي حَمْل ما دلَّ على أنَّه مثنى منثى على الإجزاء ، وما دلَّ على الأكثر على الأفضليَّة .

لكنَّ الإنصاف : أنَّه لولا تسالم الأصحاب ، وعمل الشيعة في الأعصار والأمصار في اللّيل والنَّهار ، في الجامع والجوامع ، ورؤوس المآذن ، على العدد المزبور ، لكان القول : بأنَّ الأذان مثنى مثنى ، متِّجهاً ، مع كون الأكثر هو الأفضل ، والله العالم .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo