< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/07/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ المعفو عنه
 كان الكلام فيما سبق في حسنة ابن مسلم
 ومنها: حسنة محمَّد بن مسلم المتقدِّمة ( قال: قلت له: الدم يكون في الثوب عليَّ ، وأنا في الصَّلاة ، قال: إن رأيت ، وعليك ثوب غيره ، فاطرحه ، وصلِّ في غيره ، وإن لم يكن عليك ثوب غيره فامضِ في صلاتك ، ولا إعادة عليك ، ما لم يزد على مقدار الدرهم ، وما كان أقلَّ من ذلك فليس بشيء ، رأيته قبل ، أو لم تره ، وإذا كنت قد رأيته ، وهو أكثر من مقدار الدرهم ، فضيعت غَسْله ، وصلَّيت فيه صلاة كثيرة ، فأعِدْ ما صلَّيت فيه ) [1]
 وقد عرفت أنَّ مضمرات ابن مسلم: مقبولة .
 ورواها: الشيخ الصدوق بإسناده عن محمَّد بن مسلم عن أبي جعفر ع .
 ولكنَّنا ذكرنا - سابقاً -: أنَّ إسناد الشيخ الصدوق إلى محمَّد بن مسلم ضعيف ، إذ في الطريق عليّ بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، وهما غير مذكورين .
 وظاهر هذه الحسنة: أنَّه كان جاهلًا بالنجاسة ، وإنَّما رآها في الأثناء فيُستفاد منها أنَّه إن أمكنه إزالة النجاسة ، مع بقائه مستور العورة ، وجب عليه ذلك ، وإن لم يمكنه الإزالة يمضي على صلاته ، إن كان الدم أقلَّ من الدرهم الذي عفي عنه في الصلاة ، وإلَّا فلا يمضي ، بل يعيدها .
 ولكن الإنصاف: إن كان مورد الشرطيتَيْن الدم القليل المعفو عنه في الصَّلاة ، بحيث يكون قوله ع: " ما لم يزد على مقدار الدرهم" راجعاً إلى الشرطيتَيْن - أعني قوله: "إن رأيته ، وعليك ثوب غيره فاطرحه ، وصلِّ في غيره" ، وقوله: "إن لم يكن عليك ثوب غيره فامضِ في صلاتك ... " - فلا بدَّ حينئذٍ من حمل الأمر بطرح الثوب في الشرطيَّة الأُولى على مجرد الاستحباب ، بقرينة ما ورد في عدم بطلان الصلاة في الدم الأقلّ من الدرهم .
 وبناء عليه تكون الرواية أجنبيَّة عن المقام ، لأنَّ الكلام إنَّما هو في العلم بالنجاسة المانعة عن الصَّلاة .
 وأمَّا إن كان مورد الشرطيَّة الأُولى: الدم الكثير غير المعفو عنه في الصَّلاة ، ومورد الشرطيَّة الثانية: مطلق الدم الأعمّ من القليل والكثير ، ويكون قوله ع : "ما لم يزد على مقدار الدرهم" قيدًا للشرطيَّة الثانية فقط ، فتكون حينئذٍ دالَّة على مسلك المشهور ، من وجوب إزالة النجاسة ، أو طرح الثوب وتبديله بآخر ، مع الإمكان ، وإتمام الصلاة .
 وفيه
 أوَّلًا: أنَّه يُحتمل أن يكون حدوث النجاسة في الأثناء ، لا أنَّها كانت قبلَ الدخولِ في الصَّلاة وبالجملة ، فهي مطلقة من هذه الجهة ، فتقيَّد بالأخبار المتقدِّمة الدَّالة على بطلان الصَّلاة في النجاسة السابقة عليها ، ويُحمل على الدم الحادث في الأثناء .
 وثانياً: أنَّ إرجاعَ القيدِ - وهو قوله ع: "ما لم يزد ... " - على خصوص الشرطيَّة الثانية ، خلافُ الظاهرِ ، فإنَّ الظاهر كون الشرطيَّة الثانية تصريحاً بمفهوم الأُولى ، والقيد راجع إليهما معاً .
 وعليه ، فيكون مورد الشرطيتَيْن: الدم القليل المعفو عنه في الصَّلاة ، وبذلك تكون حسنة بن مسلم أجنبيةً عن المقام ، هذا كلّه بناءً على رواية الكليني ، كما هو الصحيح .
 وأمَّا على رواية الشيخ لها عن الكليني - بزيادة الواو فيها ، قبل قوله ع: "ما لم يزد ..." ، وبإسقاط قوله ع: "وكان أقلَّ من ذلك" - فيكون حينئذٍ قوله ع: "وما لم يرد ..." كلاماً مستقلًا ، وما قبله من الشرطيتَيْن موضوعهما الدم الكثير ، وحينئذٍ ، وإن كان يمكن تقييد الشرطيَّة الأُولى بما إذا حدثت النجاسة في الأثناء ، ولا محذور أصلًا ، إلَّا أنَّه لا يمكن العمل بالشرطيَّة الثانية ، حيث إنَّها ظاهرة بوجوب المضيِّ في الصَّلاة مع النجاسة ، ولم يقل أحد : بذلك .
 ولكنِ الذي يهوِّن الخطب: أنَّ نسخة الكليني هي المعتمدة ، مع عدم الوثوق بنسخة "التهذيب" ، وقد ذكرنا سابقاً : السرَّ في ذلك ، فلا حاجة للإعادة .
 وقد ظهر لك أنَّ الأقوى بطلان الصَّلاة ووجوب استئنافها ، فيما لو علم بسبق النجاسة على الصَّلاة ، وذلك للروايات المتقدِّمة ، والتي عمدتها صحيحة زرارة .
 هذا تمام الكلام ، فيما لو كان في سعة الوقت .
 وأمَّا مع ضيق الوقت ، فالمعروف بين الأعلام: أنَّه إن أمكن التطهير ، أو التبديل - وهو في الصَّلاة ، من غير لزوم المنافي - فعل ذلك ، وأتمَّ ، وكانت صلاته صحيحة ، وإن لم يمكن أتمَّها ، وكانت صحيحة ، كما صرَّح بذلك المصنِّف في "الذكرى" و"البيان" ، والمحقِّق الكركي في "جامع المقاصد" ، بل في "الجواهر": ( لا أجد فيه خلافاً يُعتدُّ به ، للقطع بسقوط شرطيِّتها عند الضِيق ...) ، وفي "الحدائق" : ( لا ريب أنَّ وجوب الصَّلاة في الأوقات المعيَّنة لها شرعاً أمر قطعي ، كتاباً ، وسنَّة ، وإجماعاً من كافَّة الأمَّة ، غاية الأمر أنَّ صحَّتها مشروطة بشروط : منها : استقبال القبلة ، ومنها : ستر العورة ، ومنها : طهارة الساتر ؛ وقد صرَّحوا - من غير خلافٍ يُعرف - بأنَّ شروط الصِّحة إنَّما تعتبر مع الإمكان ، فلو تعذَّر شيء منها لم يوجب سقوط الصلاة ، ولا تأخيرها عن وقتها ، إلى أن يحصل الشرط ، ثمَّ يأتي بها قضاءً ، ولا ريب أنَّ ما نحن فيه من هذا القبيل ...) .
 أقول: قد ثبت عندنا "أنَّ الصَّلاة لا تسقط بحال" ، وهذه الجملة ، وإن لم ترد في نصٍّ خاصٍّ ، كما اعترف بذلك السيد محسن الحكيم ، في مسألة: "إذا ترك التعلَّم في سِعة الوقت حتَّى ضاق ..." ، في المجلد السادس من "المستمسك" ، حيث قال: ( لكنَّ الإشكال في ثبوت الحديث المذكور - لا تسقط الصلاة بحال - إذ لم أعثر عليه في كتب الحديث ، لا مسنداً ، ولا مرسلًا ، وإنَّما هو مذكور في كلام بعض المتأخرين من الفقهاء ...).
 وفيه: أنَّ هذا الحديث مستفاد من صحيح زرارة الوارد بشأن المستحاضة ، حيث ورد في الذَيْل: "أنَّها لا تَدَعِ الصَّلاة بحالٍ" ، وقدِ استنبط منه الفقهاء أنَّه لا خصوصيَّة للمستحاضة ، وهو استنباط حَسَن ، كما لا يخفى .
 وعليه ، فإذا تعذَّر شَرْط ، أو جُزْء من الصَّلاة ، فيسقط هذا الشرط ، أو الجُزء ، ويبقى وجوب الصَّلاة ، إلَّا في مسألة فاقد الطَهُورَيْن ، حيث إنَّ الطهارة الحدثيَّة شرط واقعي .
 ومع ذلك ، فالأحوط أن يأتي بها ، بدون الطهارة الحدثيَّة ، في حال التعذُّر ، ثمَّ يقضيها .
 وبالجملة ، ما ذكرناه ، من عدم سقوط الصَّلاة في حال تعذُّر أيّ شرط منها ، أو جُزء - غير الطهارة الحدثيَّة - مسلَّم به عند جميع الأعلام قديماً ، وحديثاً ، وفي جميع الأعصار والأمصار ، بل لعلَّه من البديهيَّات ، وذلك لأهمية الصَّلاة ، بحيث لا يزاحمها شيء ممَّا ذُكِر .
 وأمَّا الروايات المتقدِّمة الدَّالة على بطلان الصَّلاة الواقعة في النجاسة السابقة عليها ، وأنَّه لا بدَّ منَ استئنافها ، فهي منصرفة قطعاً إلى صورة التمكُّن من إعادتها في وقتها ، مع طهارة الثوب أو البدن ، وأمَّا مع العجز عن ذلك ، لضيق الوقت ، فلا , والله العالم .


[1] - وسائل الشيعة، الحر العاملي، باب20 من أبواب النجاسات ح6

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo