الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
34/06/21
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ المعفو عنه
كان الكلام في تفصيل الشيخ بين الاعادة والقضاء لو صلى بالنجاسة جاهلا وعلم في الوقت بعد الانتهاء فيعيد وخارج الوقت لا يعيد ، فقد يُستَدل له بروايتَيْن :
الأُولى: صحيحة بن وهب بن عبد ربِّه عن أبي عبد الله ع ( في الجناية تصيب الثوب ، ولا يعلم به صاحبه ، فيصلِّي فيه ، ثمَّ يعلم بعد ذلك ، قال : يعيد إذا لم يكن علم )
[1]
الثانية: موثَّقة أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال: ( سألته عن رجل صلَّى ، وفي ثوبه بول ، أو جنابة ، فقال : علم به ، أو لم يعلم ، فعليه إعادة للصلاة إذا علم )
[2]
والرواية: موثَّقة ، فإنَّ وهيب بن حفص الوارد في السند هو الجريري الثقة ، المتحد مع النخَّاس ، وليس النخاس شخصاً آخر حتَّى يُقال: إنَّه مجهول الحال ، فتكون الرواية حينئذٍ ضعيفة لتردُّد وهيب بن الجريري الثقة ، وبين النخَّاس المجهول .
والإنصاف: أنَّهما متحدان
ووجه الاستدلال بهاتين الروايتَيْن: أنَّ مقتضى الجمع بينهما ، وبين الروايات المتقدّمة ، هو حمل الروايات المتقدِّمة على عدم الإعادة خارج الوقت ، وحمل هاتين الروايتَيْن على الإعادة داخل الوقت .
وفيه
أوَّلًا: أنَّ هذا التصرف بظاهر الدليلَيْن لا يوجد له شاهد عرفي ، بل هو جمع تبرعي ، ومجرد الاتفاق على نفي القضاء لا يكون شاهداً للجمع المذكور .
وثانياً: أنَّ كثيراً من الروايات المتقدِّمة آبية عن حملها على خصوص نفي القضاء:
منها: صحيحة أبي بصير ، حيث سأل أبا عبد الله ع ( عن رجل يصلِّي ، وفي ثوبه جنابة ، أو دم ، حتَّى فرغ من صلاته ، ثمَّ علم ) فإنَّه ظاهر جدًّا في علمه بعد الفراغ في الوقت ، بل لعلَّها صريحة في ذلك ، بمقتضى المقابلة فيما لو علم بها في أثناء الصلاة ، حيث سأله في صدر الرواية : ( عن رجل صلَّى في ثوب فيه جنابة ركعتين ، ثمَّ علم به ) .
وعليه ، فكيف يمكن حمل هذه الصحيحة على ما لو علم بها بعد الوقت ؟! .
ومنها: صحيحة زرارة قال: ( قلت له : أصاب ثوبي دمُ رُعَاف - إلى أن قال : - قلت : فإن لم أكن رأيت موضعه وعلمت أنَّه أصابه ، فطلبته ، فلم أقدر عليه ، فلمَّا أن صليت وجدته ، قال : تغسله ، وتعيد الصلاة ، قلت : فإن ظننت أنَّه قد أصابه ، ولم أتيقن ذلك ، فنظرت ، فلم أرَ فيه شيئاً ، ثمَّ صلَّيت ، فرأيت فيه ، قال : تغسله ، ولا تعيد الصلاة ، قلت : لِمَ ذاك ؟ قال : لأنَّك كنتَ على يقين من طهارتك ، ثمَّ شككتَ ، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكِّ أبداً ... )
[3]
فإنَّ ما فيها من تعليل نفي الإعادة ، بأنّه كان حال الصلاة مكلَّفا باستصحاب الطهارة ، يجعلها نصًّا في عدم الإعادة في الوقت وفي خارجه ، فلو كان عدم وجوب الإعادة مستنداً إلى خروج الوقت لكان المتعيّن أن يعلِّل بذلك ، لا بالاستصحاب المشترك بين الوقت وخارجه .
والخلاصة: أنَّه يستفاد من استصحاب الطهارة في الصحيحة أنَّ الطهارة الخبثيَّة التي هي شرط في صحة الصلاة هي الأعمّ من الطهارة الواقعيَّة والظاهريَّة ، فمع إحرازها ، ولو تعبُّدًا ، يحكم بصحة الصلاة ، لكونها واجدة لشرطها ، ومعه كيف تجب الإعادة في الوقت ؟! .
وكذا غيرها من الروايات الآبية عن الحمل على خصوص نفي القضاء .
ومن هنا يتعيَّن حمل الروايتَيْن ، الدَّالتَيْن على الإعادة بعد العلم ، على الاستحباب .
مضافاً: إلى احتمال حمل الروايتَيْن على النسيان حين الصلاة ، وإن كانت معلومة قبلها ، كما عن الشيخ في "التهذيب" ويحتمل أيضاً : الحمل على الاستفهام الإنكاري .
مضافاً: إلى التشويش في متن صحيحة وهب ، فإنَّ مقتضى مفهوم الشرط فيها عدم وجوب الإعادة فيما إذا علم بالنجاسة .
وهذا غير معقول ، إذ كيف تجب الإعادة في حال الجهل ، ولا تجب في حال العلم ، ولذا احتمل بعض الأعلام سقوط كلمة "لا" من العبارة ، فتكون العبارة هكذا : لا يعيد إذا لم يكن عَلِم ، فتوهَّم الرواي ، وأسقط حرف النفي .
كما أنَّه يحتمل أيضاً في موثَّقة أبي بصير : أن يكون قوله ع " علم به ، أو لم يعلم " تشقيقاً وتقسيماً للمسألة ، أي : قسمها تارة إلى كونه عالِماً بالنجاسة ، وأخرى إلى كونه جاهلًا بها ، ثمَّ ابتدأ فقال : عليه الإعادة إذا كان عَلِم ، وتُفهم الصورة الثانية من المفهوم ، أي : ليس عليه الإعادة إذا لم يكن يعلم .
والخلاصة إلى هنا: أنَّ هذا التفصيل من الشيخ ، وغيره ، غير تامٍّ .
[1] - الوسائل باب40 من أبواب النجاسة ح8
[2] - الوسائل باب40 من أبواب النجاسة ح9
[3] - الوسائل باب41 من أبواب النجاسة ح1