< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/05/30

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ المعفو عنه
 الكلام في الدليل الآخر وهو مَن ذهب إلى اعتبار الجرح ، والمشقَّة ، والسيلان ، في العفو عن دم القروح والجروح
 فقد استدل بعدة أخبار:
 منها: مرسلة سماعة بن مهران عن أبي عبد الله ع قال: ( إذا كان بالرجل جرح سائل ، فأصاب ثوبه من دمه ، فلا يغسله حتَّى يبرأ ، وينقطع الدم ) [1]
 وجه الاستدلال بها: هو حمل الانقطاع الذي جُعِل غايةً لعدم الغسل على إرادة إمساك الدم ، ووقوفه عن السيلان .
 مضافا: إلى مفهوم الشرط ، وهو أنَّ الجرح إن لم يكن سائلًا فلا عفو عنه .
 وفيه
 أوّلًا: أنَّها ضعيفة بالإرسال ، وكون المرسل ابن أبي عمير لا ينفع في المقام .
 وثانياً: أنَّ المراد بالانقطاع انقطاع الدم من أصله الذي يكون مساوقاً للبرء .
 ومن هنا ، كان العطف على البراء عطف توضيح وبيان ، وليس المراد من الانقطاع مجرد إمساك الدم ، ووقوفه عن الجريان ، وإلَّا لكان ذكر البرء قبله بلا معنى .
 وأمَّا بالنسبة لمفهوم الشرط ففيه
 أوَّلًا: أنَّ القضية مسوقة لتحقُّق الموضوع ، ولا مفهوم لها ، لأنَّ الموضوع فيها نفس الشرط ، وهو كون الرجل به جرح سائل إذا طار الشرط طار الموضوع .
 نعم ، لو كانت القضية هكذا : الجرح الكائن بالرجل إذا سال فلا يغسله ، يكون لها مفهوم حينئذٍ ، لأنَّ الموضوع ، وهو الجرح ، غير الشرط .
 ثمَّ إنَّه مع قطع النظر عن ذلك فقوله : "جرح سائل" ليس ظاهراً في الاستمرار ، بحيث لا تكون له فترة تسع الصلاة ، لِصدق كونه سائلًا عرفاً ، ولو مع تلك الفترة ، إذ لا إشكال في كونه مطلقاً ، بحيث يشمل صورة ما له فترة تسع الصلاة ، وما ليس له كذلك .
 ومنها: موثَّقة سماعة قال: ( سألته عن الرجل به الجُرْح ، والقَرْح ، فلا يستطيع أن يربطه ، ولا يغسلَ دمه ، قال : يصلي ، ولا يغسل ثوبه كلَّ يوم ، إلا مرَّة ، فإنَّه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كلَّ ساعة ) [2]
 وقد عرفت أنَّ مضمرات سماعة مقبولة .
 وجه الاستدلال: أنَّه يُفهم منها بمقتضى التعليل أنَّ السرَّ في عدم وجوب غسل الثوب أَزْيَد من مرَّة هو الحرج ، والمشقَّة الناشئة من استمرار الجريان .
 وفيه: أنَّ هذ التعليل ليس تعليلًا حقيقيّاً ، وإلَّا دلَّ على وجوب تطهير الثوب مع الإمكان ، سواء كان الدم سائلا أم لا .
 مع أنَّ الأعلام لا يلتزمون بذلك ، بل ولم يوجبوا غسله في كلِّ يوم مرةً ، مع كونه ميسوراً ، وقد حملوا الأمر بالغسل كلَّ يوم مرَّة على الاستحباب ، إلَّا صاحب الحدائق.
 ومن هنا ، يكون التعليل حكمةً ، لا علةً يدور الحكم معها .
 وممَّا يؤيد ما قلناه ، بل يدل عليه: أنَ المراد من عدم استطاعة غسله كلّ ساعة هو المشقَّة النوعيَّة ، لا الشخصيَّة الرافعة للتكليف ، إذ يمكنه عادة غسل الثوب في أوقات الصلاة .
 وهذا هو المراد من عدم غسله كلَّ ساعة ، إذ الصلاة لا تجب كلَّ ساعة ، حتَّى يغسل الثوب لأجلها .
 وعليه ، فنحن لا نمنع منِ اشتراط الحرج النوعي في غسل الثوب في العفو عن دم الجروح والقروح ، كما نبهنا سابقاً .
 وهذا غير اشتراط المشقَّة الشخصيَّة ، كما يشترطه أصحاب هذا القول .
 ومنها: رواية ابن مسلم المرويَّة في "مستطرفات السرائر": ( أنَّ صاحب القرحة لا يستطيع ربطها ، ولا حبس دمها ، يصلِّي ، ولا يغسل في اليوم أكثر من مرَّة ) [3]
 وفيه: أنَّ الرواية ضعيفة ، لا من جهة الإضمار ، لأنَّ مضمرات ابن مسلم مقبولة ، بل ابن إدريس ¬ لم يذكر طريقه إلى نوادر البزنطي ، فتكون مرسلة ، أو بحكمها ، هذا أوَّلًا .
 وثانياً: أنَّ الاستدلال بها على اعتبار المشقَّة في الإزالة ، واعتبار السيلان المفهوم من قوله : " لا يستطيع ربطها ، ولا حبس دمها " مبني على القول بمفهوم الوصف ، وقد عرفت أنَّه لا مفهوم له .
 وثالثاً - مع قطع النظر عن ذلك - : فإنَّه لو كان لها مفهوم لكانت دالَّة على اشتراط عدم القدرة على ربط الجرُح ، وحبس دمه في العفو ، مع أنَّه لا يشترط ذلك قطعاً ، لعدم إمكان حمل الروايات المتقدِّمة على خصوص هذه الصورة .
 ويؤيده: ما حُكيَ عن الشيخ من دعوى الإجماع على عدم وجوب عصب الجُرح ، وتقليل الدم .
 والخلاصة إلى هنا: أنَّه لا يعتبر السيلان الفعلي في العفو ، ولا المشقَّة والحرج الشخصيان ، الرافعان للتكليف ، والله العالم .


[1] - الوسائل باب22 من أبواب النجاسات ح7
[2] - الوسائل باب22 من أبواب النجاسات ح2
[3] - فيما استطرفه من نوادر البنزنطي

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo