< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/05/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ المعفو عنه
 بقي الكلام فيما إذا كان الدم متفرِّقا في الثوب ، أو البدن ، الذي لو جمع لبلغ قدر الدرهم ، وما فوق فهل تجبر إزالته ، أم لا ؟ .
 وقدِ اختلف الأعلام في ذلك ، فالمشهور بين الأعلام على العفوِّ منهم الشيخ في "المبسوط" وابن إدريس ، والمحقِّق في "النافع" ، وأصحاب "المدارك" و"الذخيرة" .
 قال المصنِّف في "الذكرى": ( والمتفرِّق : المشهور أنَّه عفو ، وإلحاقه بالمجتمع أولى ... ).
 وذهب آخرون إلى وجوب إزالته كالمجتمع ، منهم جماعة من العامليين ، كالمصنِّف في "الذكرى" و"البيان" ، والشهيد الثاني في "الروض" و"الروضة" ، والمحقِّق الثاني في "جامع المقاصد" ، والعلَّامة في جملة من كتبه ، ونسبه في "الرَوْض" إلى أكثر المتأخرين .
 وهناك رأي ثالث ، وهو أنَّه لا تجب إزالته ، إلَّا أن يتفاحش ، واختاره الشيخ في ظاهر "النهاية" ، والمحقِّق في "المعتبر" .
 وقدِ استُدل للقول الأوَّل ، القائل : بعدم وجوب الإزالة مطلقاً بروايتَيْن:
 الرواية الأولى: صحيحة ابن أبي يعفور المتقدِّمة ، حيث ورد فيها: ( إلَّا أن يكون مقدار الدم مجتمعاً ) .
 وأجاب عنها العلَّامة في "المختلف": بأنَّ (مجتمعاً) كما يحتمل أن يكون خبرا لـ (يكون) يحتمل أن يكون حالًا مقدَّرة ، واسمها ضمير يعود إلى نقط الدم ، ومقدار خبرها ، والمعنى : إلَّا أن تكون فقط الدم مقدار الدرهم ، إذا قدر اجتماعها .
 وأورد عليه
 أوَّلًا: بأنَّ تقدير الاجتماع ممَّا لا يدلّ عليه اللفظ .
 وثانيا: بأنه لو كانت الحال مقدَّرة لكان الحديث مختصاً بما قدر فيه الاجتماع ، لا بما حقّق .
 وعليه ، لا يصلح أن يكون هذا الحديث دليلًا للمجتمع حقيقة ، مع أنَّ الأعلام استدلُّوا به على ذلك .
 وثالثا: مع القول بكونه حالًا لا خبراً ، إلَّا أنَّ الظاهر أنَّه حال محقّقة ، وهو الظاهر من الحديث ، ويصير المعنى : إلَّا أن يكون الدم بمقدار الدرهم حال كونه مجتمعاً .
 ورابعاً: أنَّ الحال المقدَّرة هي التي زمانها غير زمان عاملها ، ومثالها المشهور قولهم : مررت برجل معه صقر صائداً به غداً ، أي : مقدّرا فيه الصيد غداً ، وما نحن فيه ليس كذلك ، إذ كون الدم قدر الدرهم إنَّما هو حال اجتماعه فزمانهما واحد .
 إن قلت: يلزم على جعل كلمة مجتمعاً خبرا لـ "يكون " ، أو حالًا محقّقة ، أن يكون الاستثناء منقطعاً ، وهو خلاف الظاهر .
 وتوضيحه: أنَّ الدم في مورد السؤال في الصحيحة إنَّما هو النقط المنتشرة ولا يتحقَّق فيه الاجتماع بالفعل ، فلا بد أن نفرضه في غير مورد السؤال ، أي في غير نقط الدم ، وهو معنى كون الاستثناء منقطعاً .
 وهذا بخلاف ما لو جعلناه حالًا مقدَّرةً ، لأنَّ المعنى حينئذٍ أنَّ النقط المنتشرة في الثوب إذا كانت بمقدار الدرهم على تقدير اجتماعها وجبت إزالتها ، ولا يعتبر الاجتماع بالفعل .
 قلت: وإن لَزِم من ذلك كون الاستثناء منقطعا - وهو خلاف الظاهر - إلَّا أنَّ ارتكاب خلاف الظاهر لا بأس به مع وجود القرائن ، وهي الإشكالات الأربعة المتقدِّمة في الرد على العلَّامة في "المختلف" .
 الرواية الثانية: مرسلة جميل المتقدِّمة ، حيث ورد في الذيل: ( فلا بأس ، ما لم يكن مجتمعاً قدر الدرهم ) ، وهي أوضح في الدلالة على اعتبار الاجتماع في الدم المتفرِّق من صحيحة ابن أبي يعفور ، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال ، وبعلي بن حديد الراوي عن جميل .
 وأجاب المحقق الهمداني بأنه: ( لا ينبغي الالتفات إلى ضعف السند بعد كون الرواية معمولًا بها لدى الأصحاب ، خصوصاً مع كون المرسل ممَّن ادُّعي الإجماع على تصحيح ما يصحّ عنه ) .
 وفيه
 أوَّلًا - مضافاً إلى عدم كون عمل الأصحاب جابراً لضعف السند : أنَّه لم يثبت عمل المتقدِّمين بها .
 وثانياً: أنَّ كون جميل بن دراج ممَّن ادَّعى الإجماع على تصحيح ما يصحّ عنه لا ينفع في المقام ، لأنَّه لم يصحَّ عنه هنا ، لأنَّ الراوي عنه هو علي بن حديد ، وهو ضعيف .
 وثانيا: مع قطع النظر عن ذلك فإنَّ "تصحيح ما يصحّ عن أصحاب الإجماع" له معنًى آخر ، غير ما ذكر ، ذكرناه في مسائل علم الرجال ، وبالتالي لا ينفع كونه من أصحاب الإجماع في الأخذ بالمراسيل .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo