الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
34/02/12
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ عدد الغسلات بعد زوال العين
قال المصنف: ( ويكفي المرَّة بعد زوال العين ، ورُوي في البول : مرتَيْن ، فيُحمل غيره عليه )
المعروف بين الأعلام : أنَّ الثوب والبدن يُغسلان من البول بالماء القليل ، عدا محلّ الاستنجاء مرتَيْن ، وِفاقاً للمشهور بين المتأخرين ، بل في "المدارك" و"الحدائق" ، وغيرهما : نسبته للشهرة من غير تقييد ، وفي "المعتبر" : نسبته إلى علمائنا مشعِراً بدعوى الإجماع عليه .
وجزم المصنِّف في "البيان" : بعدم وجوب التعدد ، إلَّا في إناء الولوغ ، وفي "الذكرى" - بعد اختياره للتعدُّد : نسب إلى الشيخ في "مبسوطه": عدم وجوب التعدد في غير الولوغ ، وذهب العلَّامة في "المنتهى": إلى التفصيل بين صورتَي جُفاف البول وعدمه ، حيث اكتفى بالمرَّة في الصورة الأُولى ، وذهب إلى التعدد في الصورة الثانية ، وعن صاحبَي المدارك والمعالم : الاكتفاء بالمرَّة في البدن ، دون الثوب.
وهنا تفصيلات أُخرى ، نذكرها إن شاء الله بعد الانتهاء من هذه الأقوال .
ثمَّ إنَّه قيدنا المسألة بغير محلّ الاستنجاء ، لما ذكرناه سابقاً : أنَّه يُكتفى فيه بالمرَّة الواحدة ، وأنَّه لا ربط بين المسألتين ، كما سيتضح لك .
إذا عرفت ذلك فقد استُدل للمشهور القائل بالمرتَيْن بعدّةٍ من الروايات :
ومثله صحيح ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله ع .
ومنها: صحيحة ابن مسلم الثانية: قال: ( سألت أبا عبد الله ع عن الثوب يصيبه البول ، قال : اغسله في المِركَن مرتَيْن ، فإنْ غسلته في ماءٍ جارٍ فمرّة واحدة )
[2]
.
ومنها: صحيحة أبي إسحاق النحوي عن أبي عبد الله ع قال: ( سألته عن البول يصيب الجسد ، قال : صُبَّ عليه الماء مرتَيْن )
[3]
ومنها: حسنة الحسين بن أبي العلا: قال: ( سألت أبا عبد الله ع عن البول يصيب الجسد ، قال : صُبَّ عليه الماء مرتَيْن ، فإنَّما هو ماء ، وسألته عن الثوب يصيبه البول ، قال : اغسله مرتين ... )
[4]
ومنها: ما رواه ابن إدريس نقلًا من كتاب "الجامع" لأحمد بن محمّد أبي نصر البزنطي : قال : ( سـألته عن البول يصيب الجسد ، قال : صب عليه الماء مرتَيْن ، فإنَّما هو ماء ، وسألته عن الثوب يصيبه البول ، قال : اغسله مرتَيْن )
[5]
ولكنَّها ضعيفة ، لأنَّ ابن إدريس لم يذكر طريقه إلى كتاب "الجامع" للبزنطي ، فتكون بحكم المرسلة .
مما ذكرنا يتضح لك بطلان ما ذهب إليه المصنِّف في "البيان" ، والشيخ في "المبسوط" : من الاكتفاء بالمرّة الواحدة ، لإطلاق طهورية الماء ، ولإطلاق بعض النصوص الآمر بالغسل .
وفيه: أنَّه لو سُلِّم الإطلاق فيهما ، ولم نقل : بأنَّهما واردان في مقام بيان أصل التطهير بهما ، فغايته أنَّ هذا الإطلاق مقيَّد بتلك الأخبار .
وأضعف من ذلك: التمسُّك أصالة البراءة ، إذ مع وجود الأمارة كيف نذهب إلى الأصل العملي ؟! .
وأمَّا ما يظهر من بعض الأخبار الواردة في باب الاستنجاء : من الاكتفاء بالمرَّة الواحدة وقلنا هناك : إنَّ هذا هو الصحيح ، فلا ينافي هذه الاخبار ، إذ ليست المسألتان من باب واحد ، لانصراف هذه الأخبار عن غسل
موضع النجو من النجاسة الخارجة منه ، فإنَّ المتبادِر منها : إرادة النجاسة الخارجية الواصلة لى الثوب والبدن .
ولا يقال - في مخرج البول -: إنَّه يصيبه البول ، ولذا ذهب بعض من اكتفى بالمرَّة هناك إلى التعدُّد هنا
وأمَّا ما ذهب إليه العلَّامة في "المنتهى" : من التفصيل بين الجاف وغيره ، فقد يُستدلّ له بأمريَن :
الأول: دعوى : أنَّ المنساق إلى الذهن من الأمر بصبِّ الماء على البول ، وغسله مرتَيْن كون الأولى للإزالة ، ومجرد الإنقاء من دون أن يكون لها دخل في التطهير الشرعي ، فلا يعتبر فيها شرائط التطهير ، بل ولا كونها بالماء المطلق ، والغسلة المطهرة هي الغسلة الثانية .
وفيه: أنّ هذا الانسياق لا قيمة له ، إذ العقل لا مسرح له في إدرك الملاكات .
وكيف يكون المنساق إلى الذهي من الغسلة الأولى مجرد إزالة النجاسة ، مع أنَّ غسل الثوب والبدن كثيراً ما يكون بعد الجفاف وزوال العين .
وبالجملة: فدعوى الانسياق خالية عن الشاهد .
الأمر الثاني: ما في حسنة الحسين بن أبي العلاء على ما رواها في "المعتبر" و"الذكرى" بزيادة قوله: الأوَّل للإزالة ، والثاني للإنقاء بعد قوله ع : اِغسله مرتَيْن ، ولكن ذكر كثير من الأعلام بخلوّ كتب الأخبار من هذه الزيادة ، كصاحب الحدائق وغيره ، وعن صاحب المعالم: لم أرَ لهذه الزيادة أثراً في كتب الحديث الموجودة الآن بعد التفحص بقدر الوسع ، ولكنَّها موجودة في "المعتبر" ، وأحسبها من كلامه ... ، ونحوه ما عن "الذخيرة" .
[1] - الوسائل باب1 من أبواب النجاسات ح1
[2] - الوسائل باب2 من أبواب النجاسات ح1
[3] - الوسائل باب1 من أبواب النجاسات ح1
[4] - الوسائل باب1 من أبواب النجاسات ح1
[5] - الوسائل باب1 من أبواب النجاسات ح7