< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/08/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحوث تمهيدية 27/ نصوص فضل العلم ودور العلماء 21/ المستند على الولاية السياسية للعلماء1 / السبب في قلة الأدلة عليها 1

 

لماذا لا نجد في النصوص الدينية كلمات واضحة وصريحة في أهم قضية ترتبط بالإنسان وهي قضية الولاية الدينية؟

ذكرنا سابقاً أن الحديث عن الولاية الإجتماعية للفقهاء صريحةٌ في النصوص الشريفة، وقد تدبرنا في جملةٍ منها، كآيات سورة النساء، إلا أن الحديث عن القيادة السياسية ليس بذلك الوضوح، ولذلك حدث الإختلاف فيها، فقال بعضٌ بالولاية المطلقة للفقهاء، إنطلاقاً من بعض النصوص كقول سيد الشهداء عليه السلام: "ذَلِكَ بِأَنَّ مَجَارِيَ‌ الْأُمُورِ وَ الْأَحْكَامِ عَلَى أَيْدِي الْعُلَمَاءِ بِاللَّهِ الْأُمَنَاءِ عَلَى حَلَالِهِ وَ حَرَامِهِ"[1] وكذلك خبر الحوادث الواقعة، ورواية من كان من الفقهاء، و مقبولة عمر بن حنظة، وما أشبه.

ولكن قد لا يمكن أن تكون مثل هذه النصوص مستنداً قوياً لمثل هذا الأمر الهام، سيما مع المناقشات الحاصلة في أسناد بعضها ودلالات أخرى. وفيما يلي لابد من بيان بعض الأمور:

أولاً: من الأدلة القائمة في المقام، الإجماع، ولكنّه هنا مدركيٌ لرجوعه إلى هذه النصوص، ولكن في الواقع أن الدليل الأساس في المقام هو العقل، والمقصود به العقل المستنير بالوحي، والوحي يتمثل في القرآن الكريم، والذي يهدينا بدوره إلى من يفسرّه من المعصومين عليهم السلام، بدلالة آياتٍ كثيرة، فالنبي صلى الله عليه وآله هو المعلّم للكتاب والحكمة وهو المزكّي وهو المبيّن للآيات، وهو الذي قد أمر الرب بأخذ ما جاء به، فالقرآن من دون العترة يبقى معطّلاً، وكذلك السنة الشريفة تدعوا إلى عرضها على القرآن الكريم والأخذ بما وافقه وترك ما خالفه.

وما لم يستنر العقل بالقرآن الكريم فليس بشيء، بلى؛ قد يحكم مستقلاً ببعض الكليات والمجملات، كلزوم شكر المنعم، أو حسن العدل وقبح الظلم، ولكنّه إن لم يستنر بالوحي يحجب عن الحقائق بالحجب الشيطانية.

فالدليل هو العقل المستنير بالوحي، والمقصود بالوحي القرآن المفسّر بالسنة، وفي العبارة التالية من المناجاة الشعبانية إشارةُ إلى هذه الحقيقة، حيث يقول عليه السلام: " إِلَهِي إِنَّ مَنِ انْتَهَجَ‌ بِكَ لَمُسْتَنِيرٌ ". [2]

ففي مقام الإستدلال لا نجعل دليلاً مقابل آخر، بل نجمعها جميعاً، ومنها ما خفي دلالته لوحده، ولكن بضميمة الأدلة الأخرى تتضح دلالته ويكون نوراً على نور الأدلة الأخرى، وهذا هو المنهج الذي إتخذه فقهاؤنا رحمهم الله، حتى لو أوردوا نصاً واحداً في مقام الإستدلال في كتبهم، إلا أنهم كانوا يستفيدون من الإشارات والمعاريض الموجودة في سائر النصوص، وإن لم يذكروا ذلك للناس.

ثانياً: عوداً إلى التساؤل عن عدم وجود النصوص الصريحة الدالة على الولاية السياسية للفقهاء، لابد أن نجيب عن ذلك ضمن بيان أمور:

الأول: السياسة قمة إدارة المجتمع، وإذا كان المجتمع فاسداً منحرفاً، سوف لا تنفعه القيادة السياسية الرشيدة، فالمجتمع أساسه الفرد ثم الأسرة ومن ثم التجمعات الصغيرة، وهو بدوره أساس القيادة، كما في النبوي المشهور: "كما تكونوا يولّى عليكم"[3] ، وقوله سبحانه : ﴿وَ كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُون﴾ [4]

الثاني: الإدارة السياسية تتفاعل مع عوامل كثيرة، داخلية كطبيعة المجتمع، وخارجية كالضغوط الخارجية، ومن هنا فإن إتخاذ نهجٍ واحدٍ صارم فيها بعيدٌ عن الحكمة، فقد لا يكون المجتمع في مستوى القائد، كما لم يكن المجتمع الكوفي في مستوى قيادة أمير المؤمنين عليه السلام، وقد قال هو عليه السلام: "وَ لَكِنِّي أَسْفَفْتُ مَعَ الْقَوْمِ حِينَ‌ أَسَفُّوا وَ طِرْتُ مَعَهُمْ حِينَ طَارُوا انْتِظَاراً لِلْمُدَّةِ وَ الْأَجَلِ"[5] .

فقد لا يكون المجتمع في مستوى القيادة الدينية الرشيدة، نعم؛ لابد من العمل لإيصال المجتمع إلى ذلك المستوى، ولكن ليس بالضرورة أن يكتب النجاح لتلك المحاولات، ومن هنا نجد أن النبي صلى الله عليه وآله، قد أوصى علياً بالنهوض بالأمر إذا وجد أربعين ناصراً، وكذلك نجد أن الإمام الحسن عليه السلام صالح معاوية، إذ لم يجد أنصاراً يعينوه في حربه.

الثالث: قد يتسائل عن دور الدين في توجيه السياسة وتحسين دورها؟

إن القرآن الكريم والروايات الشريفة، كانوا في صدد نفي الشرك، بمعنى أن لا يخضع الإنسان للقيادة الفاسدة خضوعاً دينياً وطوعياً، وفي هذا الأمر إضعافٌ لدور الطغاة.

فالشرك هو أن يتخذ الإنسان قيادةً غير إلهية، ونهى الله عن إتباعهم، ومن هنا نجد أن الحديث في نفي الشرك والأنداد يأخذ مساحة كبيرة في النصوص الشريفة، وهو الذي جعل الأمة الإسلامية مصونةً عن الديكتاتوريات الدينية المقيتة، بالرغم من أنها ابتليت بحكام مستبدين، ولكنهم كانوا في صراع داخلي مستمر مع المجتمع، بل حتى أذرعهم لم يكونوا يعترفوا بكونه ظل الله في الأرض.

فالنصوص الشريفة كانت تهدف تربية المجتمع على معارضة الباطل، المتمثل في الطغاة والسلطات الظالمة، والآية الوحيدة التي شرّعت التقية،[6] [7] كانت في مورد السلطة السياسية الباطلة، مما يدل على إمكان وجود قيادات باطلة في الأمة.

الرابع: إن في الأدلة الواردة في ولاية العلماء، نوعٌ من التورية، لا يدركها الجميع، حفظاً للنص من الحذف أو التحريف، كما في آية تبليغ الولاية التي نزلت في سياق آياتٍ أخرى، فلا يدرك كونها في الولاية إلا من هو أهلٌ للفهم والمعرفة، وكذلك آية إكمال الدين وإتمام النعمة، وردت في سياق الحديث عن الأنعام، ولكنها في الواقع نزلت في واقعة الغدير.

ومن ذلك قوله سبحانه: ﴿وَ إِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى‌ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَليلا﴾[8] ، فإن الإرجاع إلى المستنبطين مطلقٌ، وإن ورد في شأن الأمن والخوف.

الخامس: النموذج المثالي للقيادة الإلهية، هو نموذج البيعة، بأن يصل الناس إلى مستوى القناعة بالوالي، فيقومون بمبايعته طوعاً ومن ثم يتصدى للحكم، فليست هناك دولةٌ إسلامية تقوم بالسيف، بلى؛ إذا تمرّدت مجموعة بعد استتباب الأمر للقيادة الشرعية عبر البيعة، فيتصدى لهم بالقوة، أما أصل الحكم فلا يكون إلا بالبيعة، وقد أخذ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله -على عظمته- البيعة من الناس في موردين.

 


[5] نهج البلاغة: الخطبة الشقشقية.
[7] قال الله سبحانه: (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ في‌ شَيْ‌ءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَ إِلَى اللَّهِ الْمَصير).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo