< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/08/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحوث تمهيدية 23/ نصوص فضل العلم ودور العلماء 17/ لزوم الرجوع إلى العالم الرباني

 

لماذا نجد أن هناك أكثر من باب حول الرجوع إلى العلماء في مسائل الدين، وحرمة الرجوع إلى غيرهم؟

لعل السبب، يكمن في أن الإنسان لا يحتمل قيادتين، فلا يتبع قيادتان متناقضتان، للتصادم بين القيادات المختلفة، وقد قال ربنا سبحانه: (ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ في‌ جَوْفِه‌﴾ [1] ولكن هل من السهولة أن يرفض المجتمع الإسلامي القيادات الرديفة الباطلة، ويتحدون الطغاة؟

بالطبع، ليس ذلك بالأمر الهين، ولذلك كانت المعركة الأولى للمجتمع حول القيادة، فمن أجل أن يخلص المجتمع الإسلامي قياده للخط الإلهي والولاية الربانية المتمثل بالعلماء الربانيين الذين يمثلون إمتداداً للمعصومين عليهم السلام، فإنه كان بحاجة إلى كلماتٍ صادمة، وفيما يلي بعضاً منها في الآيات والروايات:

قال الله سبحانه: ﴿فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا في‌ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْليما* وَ لَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَليلٌ مِنْهُمْ وَ لَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَ أَشَدَّ تَثْبيتا﴾.[2]

وقال تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ فقد استَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى‌ لاَ انْفِصامَ لَها وَ اللَّهُ سَميعٌ َليم﴾[3] وقال أيضاً: ﴿وَ الَّذينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَ أَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى‌ فَبَشِّرْ عِباد﴾[4] ، وهكذا لا يمكن الإيمان بالله والإنابة إليه، إلا بعد الكفر بالطاغوت واجتنابه.

أما النصوص، فقد تظافرت في بيان ضرورة إخلاص العبودية لله سبحانه عملياً، وفيما يلي بعضاً منها:

عن أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: "إِنَّهُ لَا يَسَعُكُمْ‌ فِيمَا يَنْزِلُ بِكُمْ مِمَّا لَا تَعْلَمُونَ إِلَّا الْكَفُ‌ عَنْهُ وَ التَّثَبُّتُ فِيهِ وَ الرَّدُّ إِلَى أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يُعَرِّفُوكُمْ فِيهِ الْحَقَّ وَ يَحْمِلُوكُمْ فِيهِ عَلَى الْقَصْدِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ‌ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ‌". [5]

عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الطَّيَّارِ أَنَّهُ عَرَضَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام بَعْضَ خُطَبِ أَبِيهِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَوْضِعاً مِنْهَا قَالَ لَهُ كُفَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: "اكْتُبْ فَأَمْلَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُكُمْ فِيمَا يَنْزِلُ بِكُمْ مِمَّا لَا تَعْلَمُونَ إِلَّا الْكَفُّ عَنْهُ وَ التَّثَبُّتُ فِيهِ وَ رَدُّهُ إِلَى أَئِمَّةِ الْهُدَى حَتَّى يَحْمِلُوكُمْ فِيهِ عَلَى الْقَصْدِ"[6] .

ويلزم في العالم الذي لابد من إتباعه شروطٌ كثيرة، منها أن لا يعمل بالمقاييس الباطلة، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قَالَ:‌ "مَنْ عَمِلَ بِالْمَقَايِيسِ فَقَدْ هَلَكَ وَ أَهْلَكَ وَ مَنْ أَفْتَى النَّاسَ وَ هُوَ لَا يَعْلَمُ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ وَ الْمُحْكَمَ مِنَ الْمُتَشَابِهِ فَقَدْ هَلَكَ وَ أَهْلَكَ"[7] .

وكذلك نهت النصوص عن إتباع بعض أصناف العلماء:

عَنِ الثُّمَالِيِّ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام:‌ "إِيَّاكَ وَ الرِّئَاسَةَ وَ إِيَّاكَ أَنْ تَطَأَ أَعْقَابَ‌ الرِّجَالِ‌ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَمَّا الرِّئَاسَةُ فَقَدْ عَرَفْتُهَا وَ أَمَّا أَنْ أَطَأَ أَعْقَابَ الرِّجَالِ فَمَا ثُلُثَا مَا فِي يَدِي إِلَّا مِمَّا وَطِئْتُ أَعْقَابَ الرِّجَالِ فَقَالَ لَيْسَ حَيْثُ تَذْهَبُ إِيَّاكَ أَنْ تَنْصِبَ رَجُلًا دُونَ الْحُجَّةِ فَتُصَدِّقَهُ فِي كُلِّ مَا قَالَ".[8]

سُفْيَانَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام:‌ يَا سُفْيَانُ إِيَّاكَ وَ الرِّئَاسَةَ فَمَا طَلَبَهَا أَحَدٌ إِلَّا هَلَكَ فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَدْ هَلَكْنَا إِذاً لَيْسَ أَحَدٌ مِنَّا إِلَّا وَ هُوَ يُحِبُّ أَنْ يُذْكَرَ وَ يُقْصَدَ وَ يُؤْخَذَ عَنْهُ فَقَالَ لَيْسَ حَيْثُ تَذْهَبُ إِلَيْهِ إِنَّمَا ذَلِكَ أَنْ تَنْصِبَ رَجُلًا دُونَ الْحُجَّةِ فَتُصَدِّقَهُ فِي كُلِّ مَا قَالَ وَ تَدْعُوَ النَّاسَ إِلَى قَوْلِهِ"[9] .

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعاً يَنْزِعُهُ بَيْنَ النَّاسِ‌ وَ لَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ وَ إِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَسَأَلُوهُمْ فَقَالُوا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَ أَضَلُّوا"[10] .

عَنِ الثُّمَالِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ‌ وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ‌ قَالَ عَنَى اللَّهُ بِهَا مَنِ اتَّخَذَ دِينَهُ‌ رَأْيَهُ‌ مِنْ غَيْرِ إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى.[11]

عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ دَانَ اللَّهَ بِغَيْرِ سَمَاعٍ عَنْ صَادِقٍ أَلْزَمَهُ اللَّهُ التِّيهَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"[12] .

وقد يقوم العالم بالتنازل عن بعض ثوابت الدين والتشكيك فيها طمعاً في كسب الأتباع، وهذا من جملة من قال عنهم أمير المؤمنين عليه السلام‌: "قَصَمَ‌ ظَهْرِي‌ عَالِمٌ مُتَهَتِّكٌ وَ جَاهِلٌ مُتَنَسِّكٌ فَالْجَاهِلُ يَغُشُّ النَّاسَ بِتَنَسُّكِهِ وَ الْعَالِمُ يَغُرُّهُمْ بِتَهَتُّكِهِ"[13] .

وبهذه الروايات وضع الائمة عليهم السلام حواجز منيعة بين الناس وبين علماء السوء، لئلا يكون هناك عالمٌ متبع إلا وهو تابعٌ للائمة عليهم السلام، فقد قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ دَانَ اللَّهَ بِغَيْرِ سَمَاعٍ‌ عَنْ صَادِقٍ، أَلْزَمَهُ اللَّهُ أَلْبَتَّةَ إِلَى الْعَنَاءِ، و مَنِ ادَّعى‌ سَمَاعاً مِنْ غيْرِ الْبَابِ الَّذِي فَتَحَهُ اللَّهُ، فَهُوَ مُشْرِكٌ، و ذلِكَ الْبَابُ الْمَأْمُونُ عَلى‌ سِرِّ اللَّهِ الْمَكْنُونِ»[14]

قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام:‌" لَيْسَ لَكَ أَنْ تَقْعُدَ مَعَ مَنْ شِئْتَ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يَقُولُ‌ وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَ إِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى‌ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ‌ وَ لَيْسَ لَكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ بِمَا شِئْتَ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَالَ- وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ‌ وَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً قَالَ خَيْراً فَغَنِمَ أَوْ صَمَتَ فَسَلِمَ وَ لَيْسَ لَكَ أَنْ تَسْمَعَ‌ مَا شِئْتَ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ‌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا"[15] .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo