< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/07/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحوث تمهيدية 20/ نصوص فضل العلم ودور العلماء 15/ صفات العلماء وضرورة اجتناب علماء السوء

ذكرنا أن إستفاضة النصوص الشريفة في الكتاب والسنة عن علماء السوء من جهة، وعن الصفات المثلى لعلماء الإسلام من جهةٍ اخرى، تهدف تربية العلماء المتميّزين بعلمهم وأخلاقهم والمتقيدين بالنصوص الشريفة، من دون تأثر وخضوعٍ للضغوط، وكذلك إبعاد المتطفلين عن سدّة الولاية، بجعل مقاييس واضحة لئلا يرجع الناس إلى مدعي العلم والمعرفة، بل يتمكن الناس من التمييز بين العالم الرباني وبين المخادع.

يقول ربنا سبحانه في سورة المائدة: ﴿وَ إِذا قيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى‌ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَ إِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَ وَ لَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَ لا يَهْتَدُون﴾‌.[1]

عرفنا من هذه الآية، أن الإقتداء بأحد، حتى لو كان سلفاً، لا يمكن إلا بشرط العلم.

وقال ربنا سبحانه: ﴿أَ فَمَنْ يَهْدي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى‌ فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون‌(، فإن إتباع الآخر يكون بمقياس دعوته إلى الحق، وهكذا يكون العالم هو الهادي إلى الحق، كما قال إبراهيم لآزر، حيث قال الله سبحانه: (يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَني‌ مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْني‌ أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا﴾[2] ، وهكذا لابد إتباع العالم حتى لو كان إبناً للشخص.

وفي سورة الزمر يبيّن الرب سبحانه ضرورة إجتناب الطغاة والركون إليهم، قال تعالى: ﴿وَ الَّذينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَ أَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى‌ فَبَشِّرْ عِباد﴾.[3]

النصوص الروائية

وفي الروايات الشريفة تصريحٌ ببيان هذه الصفات من جهة، وصفات علماء السوء من جهة أخرى، بتعابير مختلفة وإليك بعضاً منها:

     قَالَ الصَّادِقُ عليه السلام: ‌ "اعْرِفُوا مَنَازِلَ‌ شِيعَتِنَا بِقَدْرِ مَا يُحْسِنُونَ مِنْ رِوَايَاتِهِمْ عَنَّا فَإِنَّا لَا نَعُدُّ الْفَقِيهَ مِنْهُمْ فَقِيهاً حَتَّى يَكُونَ مُحَدَّثاً فَقِيلَ لَهُ أَ وَ يَكُونُ الْمُؤْمِنُ مُحَدَّثاً قَالَ يَكُونُ مُفَهَّماً وَ الْمُفَهَّمُ مُحَدَّثٌ"[4] .

ويبدو أن المراد من ( ما يحسنون من رواياتهم) أنهم يعرفون معناها وأصلها معاريض الكلام فيها، والمقصود من كون العالم محدّثاً بأن يلقي الله سبحانه في روعه العلم أحياناً، بعد أن وصل إلى مرحلةٍ ساميةٍ من الإيمان والتقوى والعلم.

     عَنْ سُفْيَانَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام:‌ "يَا سُفْيَانُ إِيَّاكَ وَ الرِّئَاسَةَ فَمَا طَلَبَهَا أَحَدٌ إِلَّا هَلَكَ فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَدْ هَلَكْنَا إِذاً لَيْسَ أَحَدٌ مِنَّا إِلَّا وَ هُوَ يُحِبُّ أَنْ يُذْكَرَ وَ يُقْصَدَ وَ يُؤْخَذَ عَنْهُ فَقَالَ لَيْسَ حَيْثُ تَذْهَبُ إِلَيْهِ إِنَّمَا ذَلِكَ أَنْ تَنْصِبَ رَجُلًا دُونَ الْحُجَّةِ فَتُصَدِّقَهُ فِي كُلِّ مَا قَالَ وَ تَدْعُوَ النَّاسَ إِلَى قَوْلِهِ" [5]

     عَنِ الثُّمَالِيِّ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام:‌ "إِيَّاكَ وَ الرِّئَاسَةَ وَ إِيَّاكَ أَنْ تَطَأَ أَعْقَابَ الرِّجَالِ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَمَّا الرِّئَاسَةُ فَقَدْ عَرَفْتُهَا وَ أَمَّا أَنْ أَطَأَ أَعْقَابَ الرِّجَالِ فَمَا ثُلُثَا مَا فِي يَدِي إِلَّا مِمَّا وَطِئْتُ أَعْقَابَ الرِّجَالِ فَقَالَ لَيْسَ حَيْثُ تَذْهَبُ إِيَّاكَ أَنْ تَنْصِبَ رَجُلًا دُونَ الْحُجَّةِ فَتُصَدِّقَهُ فِي كُلِّ مَا قَالَ"[6] .

وقد أوردنا سابقاً بعض الروايات في التحذير من مظاهر بعض الناس، ومنها الرواية التالية:

- وَ قَالَ الرِّضَا عليه السلام: "قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام:‌ إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ قَدْ حَسُنَ سَمْتُهُ وَ هَدْيُهُ وَ تَمَاوَتَ فِي مَنْطِقِهِ وَ تَخَاضَعَ فِي حَرَكَاتِهِ فَرُوَيْداً لَا يَغُرَّنَّكُمْ فَمَا أَكْثَرَ مَنْ يُعْجِزُهُ تَنَاوُلُ الدُّنْيَا وَ رُكُوبُ الْحَرَامِ مِنْهَا لِضَعْفِ نِيَّتِهِ وَ مَهَانَتِهِ وَ جُبْنِ قَلْبِهِ فَنَصَبَ الدِّينَ فَخّاً لَهَا[7] فَهُوَ لَا يَزَالُ يَخْتِلُ النَّاسَ بِظَاهِرِهِ فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ حَرَامٍ اقْتَحَمَهُ وَ إِذَا وَجَدْتُمُوهُ يَعِفُّ عَنِ الْمَالِ الْحَرَامِ فَرُوَيْداً لَا يَغُرَّنَّكُمْ فَإِنَّ شَهَوَاتِ الْخَلْقِ مُخْتَلِفَةٌ فَمَا أَكْثَرَ مَنْ يَنْبُو[8] عَنِ الْمَالِ الْحَرَامِ وَ إِنْ كَثُرَ وَ يَحْمِلُ نَفْسَهُ عَلَى شَوْهَاءَ قَبِيحَةٍ فَيَأْتِي مِنْهَا مُحَرَّماً فَإِذَا وَجَدْتُمُوهُ يَعِفُّ عَنْ ذَلِكَ فَرُوَيْداً لَا يَغُرَّكُمْ حَتَّى تَنْظُرُوا مَا عَقَدَهُ عَقْلُهُ فَمَا أَكْثَرَ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ أَجْمَعَ ثُمَّ لَا يَرْجِعُ إِلَى عَقْلٍ مَتِينٍ فَيَكُونُ مَا يُفْسِدُهُ بِجَهْلِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يُصْلِحُهُ بِعَقْلِهِ فَإِذَا وَجَدْتُمْ عَقْلَهُ مَتِيناً فَرُوَيْداً لَا يَغُرَّكُمْ حَتَّى تَنْظُرُوا أَ مَعَ هَوَاهُ يَكُونُ عَلَى عَقْلِهِ أَوْ يَكُونُ مَعَ عَقْلِهِ عَلَى هَوَاهُ وَ كَيْفَ مَحَبَّتُهُ لِلرِّئَاسَاتِ الْبَاطِلَةِ وَ زُهْدُهُ فِيهَا فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ خَسِرَ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةَ يَتْرُكُ الدُّنْيَا لِلدُّنْيَا وَ يَرَى أَنَّ لَذَّةَ الرِّئَاسَةِ الْبَاطِلَةِ أَفْضَلُ مِنْ لَذَّةِ الْأَمْوَالِ وَ النِّعَمِ الْمُبَاحَةِ الْمُحَلَّلَةِ فَيَتْرُكُ ذَلِكَ أَجْمَعَ طَلَباً لِلرِّئَاسَةِ حَتَّى‌ إِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ الْمِهادُ فَهُوَ يَخْبِطُ خَبْطَ عَشْوَاءَ يَقُودُهُ أَوَّلُ بَاطِلٍ إِلَى أَبْعَدِ غَايَاتِ الْخَسَارَةِ وَ يُمِدُّهُ رَبُّهُ بَعْدَ طَلَبِهِ لِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي طُغْيَانِهِ فَهُوَ يُحِلُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَ يُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَا يُبَالِي بِمَا فَاتَ مِنْ دِينِهِ إِذَا سَلِمَتْ لَهُ رِئَاسَتُهُ الَّتِي قَدْ يَتَّقِي مِنْ أَجْلِهَا فَأُولَئِكَ الَّذِينَ‌ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ لَعَنَهُمْ‌ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً وَ لَكِنَّ الرَّجُلَ كُلَّ الرَّجُلِ نِعْمَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي جَعَلَ هَوَاهُ تَبَعاً لِأَمْرِ اللَّهِ وَ قُوَاهُ مَبْذُولَةً فِي رِضَى اللَّهِ يَرَى الذُّلَّ مَعَ الْحَقِّ أَقْرَبَ إِلَى عِزِّ الْأَبَدِ مِنَ الْعِزِّ فِي الْبَاطِلِ وَ يَعْلَمُ أَنَّ قَلِيلَ مَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ ضَرَّائِهَا يُؤَدِّيهِ إِلَى دَوَامِ النَّعِيمِ فِي دَارٍ لَا تَبِيدُ وَ لَا تَنْفَدُ وَ أَنَّ كَثِيرَ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ سَرَّائِهَا إِنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ يُؤَدِّيهِ إِلَى عَذَابٍ لَا انْقِطَاعَ لَهُ وَ لَا يَزُولُ فَذَلِكُمُ الرَّجُلُ نِعْمَ الرَّجُلُ فَبِهِ فَتَمَسَّكُوا وَ بِسُنَّتِهِ فَاقْتَدُوا وَ إِلَى رَبِّكُمْ بِهِ فَتَوَسَّلُوا فَإِنَّهُ لَا تُرَدُّ لَهُ دَعْوَةٌ وَ لَا تُخَيَّبُ لَهُ طَلِبَةٌ[9] .


[7] الفخ: آلة يصاد بها.
[8] أي من ينفر عنه و لا يقبل إليه.
[9] و في نسخة: و لا تحجب له طلبة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo