< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/07/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحوث تمهيدية 18/ نصوص فضل العلم ودور العلماء 13/ تأكيد النصوص على الصفات الربانية للعلماء

في سياق الحديث عن الإجتهاد والتقليد أو الإمامة الإسلامية، نتسائل عن دور النصوص الشريفة التي تؤكد على ضرورة إخلاص العلم، وعن الصفات المثلى للعلماء، والتي تدعوا إلى تربية متميزة لهذا الصنف من الناس.

وقبل الإجابة لابد من كلمة: بما أن القيم الإلهية هي أساس الأمة الإسلامية، إذ تأسست الأمة على قاعدة الرسالة، فلابد أن نبحث عن إزدهارها وتقدمها، في المسؤولين عن تلك القيم وهم العلماء، فالكلمة المعروفة "إذا فسد العالم فسد العالم" تشير إلى هذه الحقيقة، فهذه القاعدة هي قاعدة الإنطلاق في الأمة، فإذا صلحت صلحت الأمة، وإن تخلّفت تخلفت كذلك.

ومن هنا تجد أن المخلصين في الأمة، يتوجهون إلى حقل العلم للنهوض بواقع الأمة وخدمتها، وقد شهد التاريخ الحديث كيف أن العلماء هم الذين تصدوا للإستعمار، وتصدوا كذلك لمحاولات التغريب والحداثة البدعية لا الإبداعية، وكذلك تصدوا لمشاكل الأمة.

ومن هنا فإن دور النصوص الشريفة التي تؤكد على ضرورة تميّز العالم بالعلم الغزير وبالتربية الإلهية، وبالإستقلال عن المال وأصحاب الجاه والقوة، هو بيان معالم القيادة الصالحة للأمة، فالحديث عن العالم الرباني الناطق بعلمه والمستعمل له ليس مجرد حديثٍ أخلاقيٍ بحت.

وإذا أردنا اليوم أن نحظى بالمزيد من تقدم الأمة واستقلالها، فعلينا أن نبحث عن دور العلماء والحوزات، وعن كيفية التربية لهؤلاء، فكلما تطورّت الحوزات وتطوّر العلماء، كلما تطورّت الأمة، أما من يريد حرق هذه المراحل ويريد إيجاد طريقاً آخر للإصلاح، فإنه لا يصل إلى النتائج المرجوّة.

وفيما يلي نورد إحدى تلك الأحاديث الشريفة في بيان صفات العالم الرباني الصالح لقيادة الأمة، بعد أن أوردنا سابقاً جملةً من الآيات الشريفة في هذا المجال، مضافاً إلى أن الآيات التي وردت بشأن أهل الكتاب وأحبارهم يمكن أن تعم علماء المسلمين أيضاً، من حرمة استسلامهم لبريق المال، أو قهر السطات والجبابرة.

والحديث الذي نورده هو وصية أمير المؤمنين عليه السلام لكميل بن زياد، وهي وصيةٌ جامعةٌ في هذا المجال، فقد روي عن كميل بن زياد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا احْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ النَّاسُ ثَلَاثَةٌ عَالِمٌ‌ رَبَّانِيٌ‌ وَ مُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ النَّجَاةِ وَ هَمَجٌ رَعَاعٌ‌ أَتْبَاعُ كُلِ‌ نَاعِقٍ يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ فَيَهْتَدُوا وَ لَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ فَيَنْجُوا يَا كُمَيْلُ الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَ أَنْتَ تَحْرُسُ الْمَالَ وَ الْمَالُ تُفْنِيهِ النَّفَقَةُ[1] وَ الْعِلْمُ يَزْكُو عَلَى الْإِنْفَاقِ الْعِلْمُ حَاكِمٌ وَ الْمَالُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ يَا كُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ مَحَبَّةُ الْعَالِمِ دِينٌ يُدَانُ‌ بِهِ بِهِ يَكْسِبُ الْإِنْسَانُ الطَّاعَةَ فِي حَيَاتِهِ وَ جَمِيلَ الْأُحْدُوثَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَ مَنْفَعَةُ الْمَالِ تَزُولُ بِزَوَالِهِ مَاتَ خُزَّانُ الْأَمْوَالِ وَ هُمْ أَحْيَاءٌ وَ الْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ وَ أَمْثِلَتُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ".

وفي هذه التقدمة ترغيبٌ نحو العلم وإكتسابه، حيث يبين الإمام عليه السلام مقارنةً بين العلم والمال، وبمعرفتها لا يستسلم العالم لأصحاب المال والسلطة، بل يتحداهم في سبيل إحقاق الحق، ثم يقول عليه السلام في بيان أصناف المتعلمين، بين من يستعمل العلم لطلب الدنيا، وبين من ينقدح الشك في قلبه بسرعة، وبين منقادٍ للشهوات، ولكن هناك طائفةٌ أخرى وهم هو يحملون العلم للعمل: "هَا إِنَّ هَاهُنَا لَعِلْماً جَمّاً وَ أَشَارَ إِلَى صَدْرِهِ لَمْ أُصِبْ لَهُ خَزَنَةً بَلَى أُصِيبُ لَقِناً غَيْرَ مَأْمُونٍ مُسْتَعْمِلًا آلَةَ الدِّينِ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا يَسْتَظْهِرُ بِحُجَجِ اللَّهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ [وفي هذه العبارة إشارةٌ إلى أن من وجد أفضل منه في الأمة، فلا يجوز له صدّ الناس عنه] وَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى مَعَاصِيهِ، أَوْ مُنْقَاداً لِحَمَلَةِ الْحَقِ‌ لَا بَصِيرَةَ لَهُ فِي أَحْنَائِهِ يَنْقَدِحُ الشَّكُّ فِي قَلْبِهِ بِأَوَّلِ عَارِضٍ مِنْ شُبْهَةٍ اللَّهُمَّ لَا ذَا وَ لَا ذَاكَ أَوْ مَنْهُوماً بِاللَّذَّةِ سَلِسَ الْقِيَادِ لِلشَّهْوَةِ أَوْ مُغْرَماً بِالْجَمْعِ وَ الِادِّخَارِ لَيْسَا مِنْ رُعَاةِ الدِّينِ وَ لَا مِنَ ذَوِي الْبَصَائِرِ وَ الْيَقِينِ أَقْرَبُ شَبَهاً بِهِمَا الْأَنْعَامُ السَّائِمَةُ كَذَلِكَ يَمُوتُ الْعِلْمُ بِمَوْتِ حَمَلَتِهِ اللَّهُمَّ بَلَى لَا يَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً أَوْ خَائِفاً مَغْمُوراً- لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اللَّهِ وَ بَيِّنَاتُهُ وَ رُوَاةُ كِتَابِهِ وَ أَيْنَ أُولَئِكَ هُمُ الْأَقَلُّونَ عَدَداً الْأَعْظَمُونَ قَدْراً بِهِمْ يَحْفَظُ اللَّهُ حُجَجَهُ حَتَّى يُودِعَهُ نُظَرَاءَهُمْ وَ يَزْرَعَهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقَائِقِ الْإِيمَانِ فَبَاشَرُوا رُوحَ الْيَقِينِ وَ اسْتَلَانُوا مَا اسْتَوْعَرَ مِنْهُ الْمُتْرَفُونَ‌ وَ اسْتَأْنَسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ صَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى يَا كُمَيْلُ أُولَئِكَ أُمَنَاءُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ وَ خُلَفَاؤُهُ فِي أَرْضِهِ وَ سُرُجُهُ فِي بِلَادِهِ‌ وَ الدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ وَا شَوْقَاهْ إِلَى رُؤْيَتِهِمْ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَ لَكَ.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo