< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/07/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحوث تمهيدية 15/ سمات الفقهاء المتصدين 1/ التطوير

 

من ميزات المرجعية الدينية التي كانت وينبغي أن تستمر، هي مسايرة التطورات، وقبل بيان الأمر لابد من تمهيدين:

الأول: لدى الإنسان غريزة البحث عن التطور والسعي إليه، ويبدو أن في قوله سبحانه: ﴿يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى‌ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقيه﴾[1] إشارة إلى ذلك، فهو يسعى للتسامي في كل المجالات، سواءً المادية أو الكمالات المعنوية، وحوادث التاريخ شاهدةٌ على هذه الحقيقة، بكون البشرية ومنذ أن وطأت قدماها الأرض في كدحٍ مستمرٍ نحو التقدم.

ولکن إن كان الحال كذلك، فما المراد من "الخير" الوارد في قوله سبحانه: ﴿ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى‌ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدير﴾، إذا كانت الآية ترتبط بالرجال الذين تتمثل فيهم قيم السماء كالانبياء والصديقين، فالسؤال: كيف يأتي بالنسخ خيرٌ من الآية السابقة، ونحن نعلم بكون رسول الله صلى الله عليه وآله خير البشر، ولم يأت بعده خيرٌ منه بعد إرتحاله.

لعل معنى ذلك، ليس الخير الذاتي، وإنما بالنسبة إلى الظروف والمحيط، بحسب حكمة الرب سبحانه.

الثاني: إن تمدد المرجع في الأمة عبر قنوات هي حوزته وتلامذته، وعبر المؤسسات الإجتماعية التي تنتمي إليه سواءً كانت خيرية أو تعليمية أو سياسية، وكذلك عبر الخطاب العام، حيث يستطيع أن يؤثر في الأمة، وهذه القنوات الثلاث يفعّلها الفقيه إذا ما أراد تنفيذ أمرٍ لتطوير الأمة.

هل العلماء عقبةٌ أمام التطوير؟

ومن الشبهات المطروحة وبقوّة، ما يتداوله البعض من كون العلماء يقفون أمام مساعي التطوير في الأمة فضلاً عن تطويرهم لها، بإعتبارهم سندة الدين، وهو أمرٌ تاريخي، فيؤيدون ما مضى، أما فيما يرتبط بالحاضر والمستقبل فلا شأن لهم به، بل يقفون ضد ما يتعارض مع التاريخ والتراث.

وهذا هو موضوعٌ للبحث الدائم في المجتمعات العربية ومنذ حوالي قرن، ويعنون بعنوان "بين الدين والحداثة".

وهذه الشبهة مردودةٌ على أصحابها لأمور:

أولاً: علماء الدين ليسوا أبناء اليوم، وإنما كانوا في الأمة منذ نشأتها، وإن صحّت هذه الشبهة، للزم أن لا تتطور الأمة الإسلامية أبداً لوجود العلماء في المجتمعات وكان لهم دوراً أساسياً فيها، والحال أن التاريخ يشهد تطور المجتمعات الإسلامية تحت قيادة العلماء في مختلف المجالات.

ثانياً: دور العلماء هو التأكيد على قيم الدين، وإستقلال الأمة، فقد يعارضون التطور الذي يأتي من وراء البحار بهدف سلب إستقلال الأمة أو تفريغ قيمها، وما فعله بعض العلماء في العصر الحديث من الوقوف أمام هذا النوع من التطور، أمرٌ في محله لفقدان ذلك التطور قيدي المحافظة على قيم وإستقلال الأمة.

ثالثاً: بلى؛ هناك من أشباه العلماء من يعتقد بأن كل ما في التراث مقدّس، وهؤلاء هم وحدهم من يعدّون عقبةً في طريق التطور، أما العلماء الناهضون فلا يعتقدون بقدسية كل ما في التراث، ولو تسنّى لأحدهم قيادة البلاد نجده مقداماً في تقدم الأمة.

سبل التطوير

كيف يقوم العلماء بتطوير الأمة؟

أولاً: بتطوير الحوزات العلمية، وشهدت الحوزات -وخصوصاً لدى أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام- تطوراً، خصوصاً مع الإعتقاد بإنفتاح باب الإجتهاد، ففي كل جيلٍ يأتي فقيهٌ يستنبط الأحكام الفقهية المرتبطة بالحوادث الواقعة، وهذا الإستنباط ميزة المرجعية الدينية الإمامية.

والحديث المعروف عن الحجة المنتظر عجل الله فرجه : " وَ أَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا"[2] ، يشير إلى الحوادث المستجدة في الأمة.

بلى؛ قد نجد -وبسبب ظروف معينة- عدم تمكن الفقيه من التجديد في البنية العلمية والثقافية في الحوزة العلمية، ولكن هذا لا يعني عدم إرادته لذلك.

ومن هنا، نؤكد على أن التطوير، يعد من مباني المرجعية الدينية، فكل مرجعٍ يقوم بتطوير الحوزة العلمية الخاصة به، بحسب الظروف، ليكون العالم المتخرج منها قادراً على التصدي للقضايا المتجددة في الأمة في الحقول الإقتصادية والسياسية والإجتماعية.

ثانياً: على الفقيه أن يقوم بتطوير المؤسسات الإجتماعية المرتبطة به، فهي كما الأفراد قد تكون متخلفة في نظامها الداخلي وأهدافها، ومن أهداف المرجعية تطوير هذه المؤسسات، سواءً كانت خيرية أو تعليمية أو سياسية أو ما أشبه، وبناءاها على الأسس الحديثة.

ثالثاً: تطوير المجتمع عبر الخطاب العام، سواءً الخطاب المباشر الذي يلقيه الفقيه، أو عبر الخطباء والكتاب التابعين له، إذ ينبغي أن يكون ذلك الخطاب بمستوى الظروف والتحديات، بأن تكون هناك مؤتمرات للناطقين بإسم المرجعية بهدف تحريض المجتمع ودفعه نحو التطوير.

كأن تدعو المرجعية المجتمع الأكاديمي، إلى أن يكون في أعلى درجات التطوير، وأن يسعى إلى الإبداع والتجديد في العلوم المختلفة، وكذا تكون دعوتها التطويرية للمؤسسات الإقتصادية في الأمة وهم التجار، بأن يبادروا لتٍأسيس شركات عالمية وما أشبه.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo