< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/06/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحوث تمهيدية 12/ نصوص فضل العلم، ودور العلماء 8/ مسؤوليات الحاكم الإسلامي 2

ما هي مسؤوليات الإمام ( القائد/ المرجع) مبسوط اليد؟

ذكرنا أن أولى المسؤوليات هي التزكية ومن ثم التعليم والثالثة قيادة المجتمع نحو المؤسسات الرصينة، ومن ثم التصدي لمحاولات التضليل والتصدي لمحاولات الإستعمار والإحتلال.

المستند في تحديد المسؤولياتعن التزكية والتعليم

ما هو المستند على مسؤولية الحاكم في التزكية التعليم؟

أولاً: السيرة النبوية، حيث يقول ربنا سبحانه عن نبيه صلى الله عليه وآله: ﴿هُوَ الَّذي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفي‌ ضَلالٍ مُبين﴾[1]

هناك تعليم سيرة النبي ، وقاعدة التأسي تحكم هنا ( ولكم في رسول الله أسوةٌ حسنة)، وكذلك كانت هذه السيرة متبعة لدى الائمة من بعد النبي صلى الله عليه وآله ومن ثم العلماء المقتفون أثار العترة عليهم السلام.

ثانياً: نهى الرب سبحانه عن كتمان العلم في أكثر من آية، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى‌ مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُون﴾[2] ، وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَ يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَليلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ في‌ بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَليم﴾[3] وقال عزّ من قائل: ﴿وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ ميثاقَ الَّذينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَ لا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَ اشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَليلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُون﴾[4]

ثالثاً: من مسؤوليات الفقيه هو الإنذار الذي يعدّ أثراً للتعليم، قال الله سبحانه: ﴿وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون﴾[5] ، فتعليم الحق ينطوي على بيان المسؤولية والجزاء.

رابعاً: الآيات الآمرة بالدعوة إلى سبيل الله سبحانه، والتي تصدق على العالم قبل غيره، قال الله سبحانه: ﴿ادْعُ إِلى‌ سَبيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتي‌ هِيَ أَحْسَن﴾‌.[6]

خامساً: مما يستفاد من منظومة النصوص الشرعية أن الله سبحانه أراد للعالم أن يبذل علمه لغيره، مما عدّ التعليم من الأمور الحسبية المطلوبة شرعاً.

سادساً: ندبت الآيات القرآنية بالتواصي، الذي هو نوعٌ من التعليم؛ وينطوي على شعب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة الى الله وتعليم الجاهل، ومنه الإنذار والبشارة أيضاً، ومن الطبيعي أن التواصي وظيفة كل المكلفين، ولكنها تتأكد بالنسبة للعلماء، والنصوص الشريفة على دور العلماء في الأخذ بيد أيتام آل محمد عليهم السلام، وتعليمهم متضافرة.[7]

ماذا يعلّم العالم؟

وهنا ملاحظة عن موضوع التعليم، فماهو العلم الذي كلّف العالم بتبليغه؟

أولاً: الإنذار

يستفاد من الآية في سورة التوبة، أن التعليم المطلوب، هو ذلك العلم الذي يستتبع انذاراً وحمّل المستمع مسؤولية أعماله.

ثانياً: الكتاب والحكمة

وفي سورة الجمعة، يبيّن الرب سبحانه أن موضوع التعليم هو الكتاب والحكمة، فالكتاب يعني ماهو ثابت في الزبر، فما هي الحكمة؟

الحكمة -كما فسروها- وضع الشيء في موضعه، ويعني ذلك العلم الذي ينتهي إلى العمل، قال الله سبحانه: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثيراً وَ ما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْباب﴾[8] فالعلم الذي ينتهي إلى واقعٍ عملي هو الحكمة ومن أوتيه فقد أوتي خيراً كثيراً، وهذا لا يمكن أن يكون إلا بإختيارٍ دقيق للعلم الذي يعلّمه الفرد، وقد علّم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله الحكمة، ومن الحكمة الموازين والقيم والأصول العامة، باعتبارها قواعد عامة لابد أن تطبّق في الحياة وتتفرع منها سائر المعلومات.

ومن هنا نستفيد أن العالم في أي مكانٍ مسؤولٌ عن رفع المستوى المعرفي للمحيطين به عاماً بعد عام، الأمر الذي يستدعي أن يرفع -أولاً- من مستواه العلمي والمعرفي، وبالتالي يكون مربيّاً للمحيطين به، لا أن يبقوا على مستواهم سنوات طويلة.

وعن تعليم الكتاب نرى أنه بات يشكل مساحةً محدودة من تعليمات العلماء – والخطباء- للناس، والمفروض أن يتم تعليم الناس القرآن الكريم وتفسيره الوارد عن أهل البيت عليهم السلام.

ثالثاً: العلوم المستجدة

الحوادث الواقعة التي أمر الناس بالرجوع فيها إلى العلماء في توقيعه عجّل الله فرجه: "وَ أَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ وَ أَنَا حُجَّةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ-" [9] إنها تتطلب رؤية واضحة عن مستجدات الأمور، ولذلك من مسؤولية العلماء أن يعلموا الناس ما يرتبط بالحوادث الواقعة.

وعلى الحاكم الشرعي أن يقوم برسم خطط لتعليم الناس منذ نعومة أظفارهم، لحصولهم على العلوم المختلفة من جهة وعدم تضليل المعادين لهم بأساليبهم المختلفة، وتزداد المسؤولية أهميةً بالنسبة للمسلمين الذين يعيشون في بلدانٍ غير مسلمة، وتفرض عليهم مؤسساتهم مناهج بعيدة عن الإسلام كل البعد.

 


[7] في هذا الموضع طرح السيد المرجع المدرسي جملةً من الملاحظات:الأولى: من يحضر البحث أو يقرأ الكتاب، إن كان يقصد تعليمه للآخرين لاحقاً يستفيد أكثر ممن يحضر أو يقرأ لإشباع النهم العلمي لديه، وذلك لأن الأول يتحمل مسؤولية العلم.الثانية: بات العلم اليوم رخيصاً يمكن الحصول عليه بسرعة عبر الوسائل الاعلامية المختلفة، ولكن هذا العلم ليس ذلك العلم العميق المطلوب، لأن الوسائل الإعلامي تحوي الغث والسمين كما أنها تتصف -عموماً- بالسطحية في الطرح، بينما العلم الذي يؤخذ من العالم بأدلته عميقٌ وصحيح.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo