< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/06/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحوث تمهيدية 6/ نصوص فضل العلم، ودور العلماء 2/ وصية أمير المؤمنين لكميل بن زياد

 

إن النصوص الشريفة الواردة عن أهل البيت عليهم السلام في فضل العلم والعلماء ومكانتهم ودورهم، كثيرةٌ جداً، ويبدو أن دراسة طلبة العلم لها منذ دخولهم في الحوزات العلمية، يؤثر في نفسياتهم؛ حتى يصبح الواحد عزيزاً بالعلم الإلهي؛ فلا يخشى أحداً سوى الله سبحانه؛ ومن الضروري أن يكون العالم كذلك لكيلا يخضع للضغوط المادية.

وقد يرد الحديث عن العلم وفضله في أخبار مفصّلة، والتي لها دورٌ كبيرٌ في فهم حقائق الدين، وتعد هذه النصوص جوامع الكلم ومحكمات أحاديث أهل البيت عليهم السلام، ولابد من الإهتمام بدراستها وتدريسها والتأمل فيها لوعي حقائق الشرع المقدس، وقد جمع المحدث الحرّاني جملةً منها في كتابه تحف العقول[1] ، كواصايا النبي الأكرم صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين ولأبي ذر وإبن مسعود، وكوصايا أمير المؤمنين عليه السلام، لولده الحسن أو لولديه عليهما السلام، قبيل وفاته، أو وصيته لمالك الأشتر.

من تلك الروايات وصية أمير المؤمنين لكميل بن زياد[2] ، وهو ممن كان معتمداً لدى أمير المؤمنين عليه السلام، لنقل الأفكار والروايات، كما يشهد له روايته لأعيان النصوص، ومنها الدعاء المعروف بإسمه، كما يشهد لذلك أيضاً قرائن ورود هذه الوصية، حيث أخذ أمير المؤمنين عليه السلام؛ بيده وأخرجه إلى خارج المدينة وألقى إليه جملةً من الوصايا، فلم يفلت يده حتى أتمّها؛ وسمح له بالإنصراف.

وعلى كل حال؛ فإن الوصية قد وردت بأسانيد عديدة مع إختلافٍ يسير في بعض العبارات، والذي نعتمده هنا هو ما رواه أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْحَرِيرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي الثِّقَةُ عَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: أخَذَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِيَدِي وَ أَخْرَجَنِي إِلَى نَاحِيَةِ الْجَبَّانِ فَلَمَّا أَصْحَرَ تَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ وَ قَالَ‌: «يَا كُمَيْلُ إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا احْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ: النَّاسُ ثَلَاثَةٌ عَالِمٌ‌ رَبَّانِيٌ‌ وَ مُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ وَ هَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ‌ يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ‌ لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ وَ لَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ‌".

وفي هذه الفقرة إشارة واضحة إلى دور العلماء، ومرجعيتهم للأمة، حيث ضرورة الرجوع إليهم، ومع عدمه فلا مناص من الإنحراف والتشتت، لأن العالم يمثل الركن الوثيق للمجتمع؛ ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام في بيان فضل العلم: "يَا كُمَيْلُ الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَ أَنْتَ تَحْرُسُ الْمَالَ وَ الْعِلْمُ يَزْكُو عَلَى الْإِنْفَاقِ وَ الْمَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ.

يَا كُمَيْلُ مَحَبَّةُ الْعِلْمِ دِينٌ يُدَانُ بِهِ ( أصل لفظ الدين يعني الجزاء؛ ويعني ذلك أن محبة العالم مسؤوليةٌ يجازى عليها الإنسان (صوت) ) تُكْسِبُهُ الطَّاعَةَ فِي الْحَيَاةِ وَ جَمِيلَ الْأُحْدُوثَةِ[3] بَعْدَ الْمَوْتِ، وَمَنْفَعَةُ الْمَالِ تَزُولُ بِزَوَالِهِ، وَالْعِلْمُ حَاكِمٌ وَالْمَالُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ.

يَا كُمَيْلُ مَاتَ خُزَّانُ الْمَالِ وَ هُمْ أَحْيَاءٌ وَالْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ وَأَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ، هَا إِنَّ هَاهُنَا لَعِلْماً جَمّاً وَأَوْمَأَ إِلَى صَدْرِهِ بِيَدِهِ لَمْ أُصِبْ لَهُ حَمَلَةً بَلَى أُصِيبُ لَقِناً غَيْرَ مَأْمُونٍ يَسْتَعْمِلُ آلَةَ الدِّينِ فِي الدُّنْيَا يَسْتَظْهِرُ بِحُجَجِ اللَّهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ وَبِبُغْضِهِ عَلَى كِتَابِهِ‌[4] ، أَوْ مُنْقَاداً لِحَمَلَةِ الْحَقِّ لَا بَصِيرَةَ لَهُ فِي أَحْنَائِهِ‌ يَقْدَحُ الشَّكُّ فِي قَلْبِهِ بِأَوَّلِ عَارِضٍ مِنْ شُبْهَةٍ أَلَا لَا ذَا وَ لَا ذَاكَ، أَوْ مَنْهُوماً بِاللَّذَّةِ سَلِسَ‌ الْقِيَادَةِ لِلشَّهْوَةِ أَوْ مُغْرَماً بِالْجَمْعِ وَ الِادِّخَارِ لَيْسَا مِنْ رُعَاةِ الدِّينِ أَقْرَبُ شَيْ‌ءٍ شَبَهاً بهما الأنعام السَائِمَة كَذلِكَ يَمُوتُ الْعِلمُ بِمَوتِ حَامِلِيه؛ اللهَّمَ بَلَى‌ لا تَخْلُو الأَرْضُ مِن قَائِمٍ لله بِحُجةٍ إِما ظاهراً مَشْهوُراً وإِمْا خَائِفاً مَغْمُوراً، لِئَلا تَبْطلَ حُجَجُ الله وَبَيِّناتِه وَكَم ذَا وَأَين أُولئِكَ؟ َ أُولَئِكَ الْأَقَلُّونَ عَدَداً الْأَعْظَمُونَ خَطَراً بِهِمْ يَحْفَظُ اللَّهُ حُجَجَهُ حَتَّى يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ وَ يَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقَائِقِ الْأُمُورِ فَبَاشَرُوا رُوحَ الْيَقِينِ وَ اسْتَلَانُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ الْمُتْرَفُونَ وَ أَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ صَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى يَا كُمَيْلُ أُولَئِكَ خُلَفَاءُ اللَّهِ وَ الدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ هَايْ هَايْ شَوْقاً إِلَى رُؤْيَتِهِمْ وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَ لَكُمْ؛ انْصَرِفْ إِذَا شِئْتَ»[5] . [6]

وفي رواية أن الإمام نزع يده من يد كميل وأذن له بالإنصراف [7] [8]

وبالجملة؛ فإن الرواية تدل محورية العلم لحياة البشر خصوصاً علم الدين وعلم القرآن الكريم.

وفيما يلي نصوصاً أخرى عن فضيلة العلم[9]

والروايات هنا من القسم الأول:

     عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: "لَيْتَ السِّيَاطُ عَلَى رُءُوسِ أَصْحَابِي حَتَّى يَتَفَقَّهُوا فِي الْحَلَالِ وَ الْحَرَامِ". [10]

     عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: تَفَقَّهُوا فِي الْحَلَالِ وَ الْحَرَامِ وَ إِلَّا فَأَنْتُمْ أَعْرَابٌ"[11] .

ومنه يظهر ضرورة إكتساب أحكام الفقه؛ التي لولاها لما انتفع الإنسان بعلومه الأخرى؛ لركوبه الحرام من حيث لا يشعر.

     عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ رَجُلٍ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: لَا يَشْغَلُكَ طَلَبُ دُنْيَاكَ عَنْ طَلَبِ دِينِكَ فَإِنَّ طَالِبَ الدُّنْيَا رُبَّمَا أَدْرَكَ وَ رُبَّمَا فَاتَتْهُ فَهَلَكَ بِمَا فَاتَهُ مِنْهَا[12] .

     عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَ أَبُو جَعْفَرٍ عليهما السلام :لَوْ أُتِيتُ بِشَابٍّ مِنْ شَبَابِ الشِّيعَةِ لَا يَتَفَقَّهُ لَأَدَّبْتُهُ قَالَ وَ كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ تَفَقَّهُوا وَإِلَّا فَأَنْتُمْ أَعْرَابٌ وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ لِابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ رَفَعَهُ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام لَوْ أُتِيتُ بِشَابٍّ مِنْ شَبَابِ الشِّيعَةِ لَا يَتَفَقَّهُ فِي الدِّينِ لَأَوْجَعْتُهُ"[13] .

     فِي وَصِيَّةِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: تَفَقَّهُوا فِي دِينِ اللَّهِ وَلَا تَكُونُوا أَعْرَاباً فَإِنَّهُ مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي دِينِ اللَّهِ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ لَمْ يُزَكِّ لَهُ عَمَلا"[14] .

     عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: تَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ فَإِنَّهُ مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ مِنْكُمْ فَهُوَ أَعْرَابِيٌّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)[15] .


[1] كما أن كتاب الروضة من الكافي الشريف يحوي جملةً أخرى من هذه النصوص المفصّلة. [المقرر].
[2] كميل بن زياد النخعيّ من خواص أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، و صاحب سرّه، فقد قال ابن حجر في الإصابة حوله: « كميل ... التابعي الشهير له ادراك ...أدرك من الحياة النبويّة ثماني عشرة سنة ... شهد مع علي صفّين و كان شريفا مطاعا ثقة قليل الحديث» قتله الحجاج فقال له حين أراد قتله« ما بقي من عمري إلّا القليل فاقض ما أنت قاض، و قد أخبرني أمير المؤمنين أنك قاتلي .. فضربت عنقه رحمة اللّه عليه.
[3] أي الذكر الحسن.
[4] هكذا في الأصلين و في نهج البلاغة:« و مستظهرا بحجج اللّه على أوليائه، و بنعم اللّه على معاصيه».
[5] الغارات، لإبراهيم بن محمد الثقفي، ج1، ص89.
[8] وهي رواية الأمالي للصدوق رضوان الله عليه، عن فضيل بن خديج؛ أنظر[المقرر].
[9] في الحديث عن الآيات القرآنية حول العلم قسّمنا النصوص إلى ثلاثة أقسام ( فضيلة العلم – رجوع الجاهل إلى العالم- قيادة العلماء للمجتمع الإسلامي والأمة والتي قد تشمل الجانب السياسي في بعض الأحيان).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo