< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/05/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: شروط الوصي 2

 

إذا كان الوصي متصفاً بصفات العدالة والعقل وما أشبه من الصفات التي يقصدها الموصي، فزالت عنه، فهل تبطل الوصية بذلك؟

يختلف الأمر بين ما لو كان زوالها في حياة الموصي أو بعد موته، فإن كان في حياته، فقد تكون الصفة المشروطة قيداً للوصية، وقد لا تكون، وذلك لأن الإنسان يهتم بموضوعٍ بشكلٍ أساسي، ومن ثم يهتم بأمورٍ ملحقة به ولكن لا يعتبرها أساساً، كما لو أوصى إلى إبن عمه وكان ذلك هو الأساس في وصيته له، وفي الوقت ذاته كان ثقةً له، لكن لم يعتبر وثاقته قيداً للوصية، لأن إهتمامه منصبٌ به لقرابته، فإذا فقد الوثاقة والحال هذه، وعلم بزوال الوثاقة وأبقاه صحّت الوصية.

أما إذا كانت قيداً أساسياً لدى الموصي، بحيث لو فقدها تبطل الوصية، فإنها تبطل بزوال الوصف.

أما إذا كان زوال الصفة بعد وفاة الموصي، فنتسائل هل كان الشرط أساساً للإيصاء أم كان تكميلياً، فإن كان على النحول الأول تبطل الوصية، وإلا بقيت على حالها، ومع عدم العلم بنوع الشرط فقد قيل بإستصحاب إبقاء الوصية لقيام شروطها، ولكن فيه أنه إستصحابٌ للمقتضي، حيث لا نرى جريانه فيه.

بيان ذلك: الإستصحاب لدى العقلاء في إستصحاب عدم المانع، كما لو علم بوجود شارعٍ في مكانٍ ما، وشك بإنهدامه، فيستصحب بقاءه، ولكن إذا شك في بقاء مقتضي الشيء، كما في الشك في نبع الماء الجاري، فالأقرب عدم جريان الإستصحاب فيه لأنه شكٌ في المقتضي.

وفيما نحن فيه حيث لا نعلم بقاء الموصي على رأيه مع زوال الصفة أو زواله، وبعبارة أخرى لا نعرف قصده من إشتراط الشرط هل هو على نحو القيد أم كشرطٍ إضافي، فإن الشك في المقتضي، وحيث نذهب إلى أن الإستصحاب لا يجري إلا عند الشك في المانع، فلا نقول بجريان الإستصحاب في المقام، وبالتالي فإن أصالة عدم الوصية تجري في المقام.

 

ثالثاً: إشتراط البلوغ

هل تصح الوصية إلى الصبي، وبعبارةٍ أخرى: هل يشترط البلوغ في الوصي؟

قالوا: بإعتبار ذلك، وهو مختار المشهور وأدعي عليه عدم الخلاف، وذلك لما يلي:

أولاً: لإشتراط العقل في الوصي -كما مرّ- ولا عقل للطفل.

ثانياً: إن نصوص رفع القلم الشاملة للصبي، والحاملة عمد الصبي على الخطأ، وعدم دفع المال للأيتام، كلها تعني أن تصرفات الطفل لا يؤبه بها، فإن البلوغ والرشد شرطان لدفع أمواله لدفع ماله إليه، فضلاً عن تمكينه من أموال الآخرين.

وفي قبال المشهور ذهب بعضٌ إلى إمكانها للصبي لقبول تصرفات الصبي المميز عرفاً، خصوصاً في قضايا الشراء والعمل في السوق، كما أن الصبي إذا بلغ عشر سنين جاز له أن يعتق ويوصي بماله في الصدقات، مضافاً إلى أن إبتلاء الصبي لاختبار رشده يكون قبل البلوغ.

وفي الواقع فإن هذه كلها أقرب إلى الإستحسان منها إلى الأدلة، لأن أدلة إشتراط البلوغ ثابتة وقوية في كثيرٍ من التصرفات من التكاليف الشرعية وحتى الحدود والديات مروراً بالعقود المختلفة.

ويدل على إعتبار بلوغ الوصي، رواية محمد بن الحسن الصفار، قال كَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام رَجُلٌ أَوْصَى إِلَى وُلْدِهِ وَ فِيهِمْ كِبَارٌ قَدْ أَدْرَكُوا وَ فِيهِمْ صِغَارٌ أَ يَجُوزُ لِلْكِبَارِ أَنْ يُنْفِذُوا وَصِيَّتَهُ وَ يَقْضُوا دَيْنَهُ لِمَنْ صَحَّ عَلَى الْمَيِّتِ بِشُهُودٍ عُدُولٍ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ الْأَوْصِيَاءُ الصِّغَارُ فَوَقَّعَ عليه السلام: "نَعَمْ عَلَى الْأَكَابِرِ مِنَ الْوِلْدَانِ أَنْ يَقْضُوا دَيْنَ أَبِيهِمْ وَ لَا يَحْبِسُوهُ بِذَلِكَ"[1] .

وهي تدل على أن الوصية إلى الصغار مع إنضمامهم إلى الكبار جائزة، الدالة على إشتراط البلوغ في الوصية، ويدل على ذلك أيضاً:

عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى إِلَى امْرَأَةٍ فَأَشْرَكَ فِي الْوَصِيَّةِ مَعَهَا صَبِيّاً فَقَالَ: "يَجُوزُ ذَلِكَ وَ تُمْضِي الْمَرْأَةُ الْوَصِيَّةَ وَ لَا يُنْتَظَرُ بُلُوغُ الصَّبِيِّ فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ لَا يَرْضَى إِلَّا مَا كَانَ مِنْ تَبْدِيلٍ أَوْ تَغْيِيرٍ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إِلَى مَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ"[2] .

فليس للصبي إذا بلغ أن يعترض على تصرفات المرأة، إلا إذا كانت قد خالفت الوصية.

هذا ولكن قد يظهر جواز الوصية إلى الصغار إذا بلغوا خمس سنين، فعن زِيَادِ بْنِ أَبِي الْحَلَّالِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله هَلْ أَوْصَى إِلَى الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عليهما السلام مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ وَ هُمَا فِي ذَلِكَ السِّنِّ؟ قَالَ: نَعَمْ وَ لَا يَكُونُ لِسِوَاهُمَا فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ سِنِينَ"[3] .

ولكن لم يكن الحسنان عليهما السلام بعمر الخمس سنوات عند رحيل جدهما صلى الله عليه وآله، إلا أن تحمل على الروايات السابقة من أن تكون الوصية إلى الصبي بعد الخمس سنوات منضمة إلى الكبار، كما في النصوص التالية:

     عَنْ أَبِي بَصِيرٍ يَعْنِي الْمُرَادِيَّ قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: "أَ لَا أُحَدِّثُكَ بِوَصِيَّةِ فَاطِمَةَ عليها السلام؟" قُلْتُ بَلَى فَأَخْرَجَ حُقّاً أَوْ سَفَطاً فَأَخْرَجَ مِنْهُ كِتَاباً فَقَرَأَهُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا أَوْصَتْ بِهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ ص أَوْصَتْ بِحَوَائِطِهَا السَّبْعَةِ بِالْعَوَافِ وَ الدَّلَالِ وَ الْبُرْقَةِ وَ الْمَبِيتِ وَ الْحَسْنَى وَ الصَّافِيَةِ وَ مَالِ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَإِنْ مَضَى عَلِيٌّ فَإِلَى الْحَسَنِ- فَإِنْ مَضَى الْحَسَنُ فَإِلَى الْحُسَيْنِ فَإِنْ مَضَى الْحُسَيْنُ فَإِلَى الْأَكْبَرِ مِنْ وُلْدِي تُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ وَ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ- وَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ وَ كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام"[4] .

     في وصية عليٍ عليه السلام: " وَ إِنْ حَدَثَ بِحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ حَدَثٌ وَ حُسَيْنٌ حَيٌّ فَإِنَّهُ إِلَى حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ- وَ أَنَّ حُسَيْناً يَفْعَلُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُ بِهِ حَسَناً لَهُ مِثْلُ الَّذِي كَتَبْتُ لِلْحَسَنِ وَ عَلَيْهِ مِثْلُ الَّذِي عَلَى الْحَسَنِ- وَ أَنَّ الَّذِي لِبَنِي فَاطِمَةَ مِنْ صَدَقَةِ عَلِيٍّ مِثْلُ الَّذِي جَعَلْتُ لِبَنِي عَلِيٍّ- وَ إِنِّي إِنَّمَا جَعَلْتُ الَّذِي جَعَلْتُ لِابْنَيْ فَاطِمَةَ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَ تَكْرِيمَ حُرْمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَ تَعْظِيمَهَا وَ تَشْرِيفَهَا وَ رِضَاهَا بِهِمَا وَ إِنْ حَدَثَ بِحَسَنٍ وَ حُسَيْنٍ حَدَثٌ فَإِنَّ الْآخِرَ مِنْهُمَا يَنْظُرُ فِي بَنِي عَلِي‌"[5] .

يظهر من الوصيتان أنهما في الأوقاف، كما أنه لا تدل على الإيصاء إلى غير البالغ، ومثلها وصية الإمام الكاظم عليه السلام: "وَجَعَلَ صَدَقَتَهُ هَذِهِ إِلَى عَلِيٍّ وَ إِبْرَاهِيمَ فَإِنِ انْقَرَضَ أَحَدُهُمَا دَخَلَ الْقَاسِمُ مَعَ الْبَاقِي مِنْهُمَا فَإِنِ انْقَرَضَ أَحَدُهُمَا دَخَلَ إِسْمَاعِيلُ مَعَ الْبَاقِي مِنْهُمَا فَإِنِ انْقَرَضَ أَحَدُهُمَا دَخَلَ الْعَبَّاسُ مَعَ الْبَاقِي مِنْهُمَا فَإِنِ انْقَرَضَ أَحَدُهُمَا فَالْأَكْبَرُ مِنْ وُلْدِي فَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ وُلْدِي إِلَّا وَاحِدٌ فَهُوَ الَّذِي يَلِيهِ وَ زَعَمَ أَبُو الْحَسَنِ أَنَّ أَبَاهُ قَدَّمَ إِسْمَاعِيلَ فِي صَدَقَتِهِ عَلَى الْعَبَّاسِ وَ هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ"[6] .

 

وعلى كل حال: فإن الوصية إلى الصغير منفرداً ومن دون رعاية بلوغه فيه إشكال، فيمكن أن يوصى إلى الصغير مع اشتراط بلوغه.

 


[1] الكافي: ج7، ص46.
[2] الكافي: ج7، ص46.
[3] من لا يحضره الفقيه: ج4، ص237.
[4] وسائل الشيعة: ج19، ص198.
[5] تهذيب الأحكام: ج19، ص147.
[6] الكافي: ج7، ص54.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo