< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/04/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الموصى به 18/ نفقات الموصى به

لو أوصى بمنفعة الملك لشخصٍ، فهل تكون النفقات المصروفة على الملك، على الموصى له أم الورثة أم تؤخذ من الثلث، أم التفصيل؟

هناك قواعدٌ عامة لابد من استذكارها قبل مناقشة صوَر هذه المسألة:

أولا: الخراج بالضمان، أو من له الغنم فعليه الغرم، المستفادة من جملة نصوص شريفة، وكذا يستفاد هذا الحكم من صحيحة أبي ولّاد، [1] حيث حكم الإمام عليه السلام بكون النفقة على المستأجر حين تجاوز حد الإجارة.

وهذه القاعدة ترتبط بفهم العرف، فحين يدفع المالك سيارته لشخصٍ لينتفع بها فترة، فإن العرف يرى أن مؤونتها تكون على من ينتفع بها.

ثانياً: على المالك أن ينفق مؤونة ما يملك، بعيداً عن الإنتفاع.

ثالثاً: فيما يرتبط بأبعاد الوصية، فحين يوصي الموصي، لابد أن نعرف أبعاد وصيته ودلالاتها، فحين يوصي الموصي بأن تجعل سيارته لنقل الزوار فترة شهرٍ من الزمان مثلاً، فيبدو من هذه الوصية أن النفقات تكون على الورثة أيضاً، إما من الثلث أو من خارجها بإذنهم، وكذا لو قال داري لسكنى الزوار، فلا يقصد بأن تؤخذ نفقات الملك من كل زائرٍ يريد الإنتفاع بالبيت، بل يقصد بأن تكون النفقات على ذات الجهة المأمورة بتمكين الزوار من الملك، وهذا لا يكون في كل الحالات طبعاً، كما أن هذه القاعدة ترتبط بالثلث فقط، إلا مع إجازة الورثة في الزائد عن الثلث.

وإن لم يفِ الثلث بكل النفقات، فهل هناك قاعدةٌ نرجع إليها في هذه الحالة؟

قالوا: بأخذ النفقات من بيت المال، فحيث لا تؤخذ النفقات من الموصى له، ولا من الورثة، فيؤخذ من بيت المال، حيث أنه معدٌّ للأمور الحسبية التي لا يوجد لها من يبذل فيها المصارف، كما هو الأمر فيما لو أوقف الواقف طريقاً للمارة، واحتاج الطريق لاحقاً إلى تعميرٍ، فإن مصارفه -مع عدم وجود الباذل- تكون على بيت المال.

وبيت المال هو آخر المراحل، لا أولها، فإن لم يكن هناك أي مصدرٍ آخر للصرف على مؤونات الملك، فإن بيت المال يتحملها، حيث أن معنى الأمور الحسبية، أمورٌ أرادها الشرع مع عدم وجود من يتكفل بها.

وأما كلمات الفقهاء في هذه المسألة، فقال في الجواهر ممزوجاً بالشرائع: إذا أوصى بخدمة عبده أو دابته مدة معينة فنفقته على الورثة بلا خلاف و لا إشكال لأنها في النص و الفتوى‌ تابعةٌ للملك المفروض كونه للوارث، بل الظاهر كونها كذلك في المؤبدة، و إن توقف فيه الفاضل في القواعد مما عرفت".[2]

وتوقف العلامة قدس سره في القواعد [3] في مصارف الملك المؤبدة منافعه، وذلك لأن القول بكون النفقة على المالك ففيه بعدم إنتفاعهم بشيءٍ منه، كما أنه ليس له بيعه أو التصرف فيه، ولكن من جهةٍ أخرى فإن النفقة تابعةٌ للملك كما مرّ ذلك.

ولنا هنا ملاحظتان:

الأول: معنى الملك هو مجموع الحقوق التي للإنسان على شيءٍ معيّن، وحيث سلبت جميع الحقوق لمصلحة شخصٍ آخر، فإن العرف يرى أن المنتفع هو المالك.

الثاني: من يوصي بشيءٍ فإنه يوصي بلوازمه أيضاً، فحين يقول سيارتي لخدمة الزائرين، فإنه يقصد في كلامه أنها مع ما تحتاج إليه من نفقات في خدمتهم، وهذه المستلزمات جزءٌ من الوصية، وإن كان الأمر كذلك فتستخرج النفقة من الثلث، وهذا ما يفهمه العرف أيضاً من كلمات الناس في حياتهم أيضاً.

نعم، إذا صرّح الموصي بعدم تحمل الثلث للنفقات، فلابد أن يرجع إلى جهةٍ أخرى لتحمل النفقات -كما سيأتي-، ومن هنا؛ فإن توقف العلامة قدس سره، في المؤبد، له ما يؤيده، بعد عدم شمول قاعدة تابعية النفقة للملك في مثل هذه الصورة.

وأما فيما يرتبط بقاعدة :" الخراج بالضمان" فهي قاعدةٌ عقلية وأكدها الشرع المقدس، فإن لم تفي الوصية بالنفقات، تكون على الموصى له، المنتفع بها؛ أما إن لم يوجد موصى له معيناً، فيكون على بيت المال، كيف؟

فقد لا تكون المنفعة هي الوصية، بل الوصية بالإنتفاع، وذلك بجعل المنافع لجهةٍ ما لا لشخصٍ بعينه، حيث أنه لا يعتبر نقلاً للمنفعة، بل هو إتاحة حق الإنتفاع، كالمشفى للمرضى أو الدار لسكنى الزوار، فإن كان الأمر كذلك فلا تشمله قاعدة الخراج بالضمان عرفاً، وحينئذٍ يرجع إلى بيت المال.

 

مسألة: المنفعة المقيدة

هل للورثة التصرف في العين الموصى بمنفعتها لشخصٍ معيّن؟

ليس لهم التصرف بما يتنافى مع حق الموصى له، كبيع الدار أو هدمه، ولكن إن كان ثمة تصرفٌ لا يتنافى مع حقه؛ كإضافة دكانٍ في البستان فلهم ذلك، والمرجع في تحديد نوعي التصرف هو العرف، حيث يعين وجود ضررٍ أم لا، كما هو المرجع في كل حالات تعارض المصالح، الذي تحكّم فيه قاعدة " لا ضرر" لرفع الضرر عن المتضرر، أو تقسيمه بين الأطراف، كما في تعارض حقوق الجار، حيث يمكن رفعه بتقسيم المنافع والأضرار.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo