< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/04/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الموصى به 16/ الوصية المبهمة 4

قد يكون الإجمال لتعويل الموصي على وصيه في الوصية، وذلك بإعطاء الوصي صلاحية تطبيقها حسبما يرى، كما لو قال: (إدفع داري أو دكاني لفلان)، فيجعل الخيار إلى الوصي في دفع أيهما شاء، ومع عدمه أو الوارث يكون الخيار إلى الحاكم، وقد أجمع الفقهاء على هذا الأمر، كما ذهب إليه فقهاء القانون أيضاً حيث أرجعوا الوصية المبهمة إلى الورثة، وقد يكون الإجمال ناتجاً من نسيان الموصي تبيان مراده، كما لو قصد أحد الأمرين ولكنه نسي تعيينهما، ففي هذه الحالة، قيل بالإحتكام إلى القرعة، ولكنها موضحة لا مؤسسة، فإن كان هو المجهول حقيقةً فلا يمكن الإلتزام بالقرعة، بل إما أن يكون الوصي مخيراً بينهما، أو الأخذ بقاعدة العدل، بإحتساب المعدل بينهما بالجمع بين قيمتي المرددين وإعطاء نصفههما، أو التراضي مع الموصى له.

وكيف كان، فإن القول بالقرعة في الأمور المالية مشكلٌ، لوجود طرفين في الأمر بما لا يمكن رضاهما، فالأفضل الصيرورة بقاعدة العدل في هذا المجال.

إختلاف فهم الوصي عن الإرتكاز العرفي

هل يقدم الإرتكاز العرفي أم فهم الوصي؟ أم تعتمد القرائن المحفوفة بالكلام، كما لو قال: (إدفعوا له قطعة أرض) وفهم منها الوصي أرضاً للبناء، والعرف يرى أنه تعبيرٌ عن الأرض الزراعية، فهل نعمل في مثل هذه الحالة على فهم الوصي أم العرف العام؟

فمن جهة، فإن الخطاب موجّهٌ للوصي، وحين وجود عرفٍ خاص وهو المعبّر عنه بالـ( مصطلح) فإنه يقدّم على العرف العام.

ومن جهةٍ أخرى، فإن اللغة هي لغة العرف، ولابد من إتباعه في فهم مرادات الألفاظ.

ويبدو لنا الأول، فيما إذا عُلم إعتماد الموصي على فهم الوصي، لا بشكلٍ مطلق، فإذا كان الإرتكاز هو إعتماد الموصي على العرف العام كما لو كان عامياً يعتمد في تخاطباته على العرف، والوصي شخصاً قانونياً يعتمد فهماً مختلفاً عن فهم العرف من الألفاظ، فلابد من إعتماد العرف العام لا الخاص.

وبذلك يعرف؛ أن الأصل هو معرفة إرتكاز الموصي في إطلاقه للكلمات، هل هو العرف العام أم فهم الوصي خاصة، أو الورثة أو أي مخاطبٍ بالوصية يكون له صلاحية تحديد مبهماتها، إذ لابد من بعض المساحة التي يكون أمر تحديدها إلى المطبق لها.

أما في الوصايا المبهمة تماماً مع عدم وجود بعض المرجحات، فالمال يصرف -كما ذكرنا سابقاً- في عموم مصارف البر.

مسألة: الوصية بالكثير

لو أوصى بمالٍ كثير، فهل هناك تحديدٌ له؟

ينبغي أن نمهّد للإجابة بالقول بأن اللغة ليست ظاهرةً ميتة، بل لها حياةٌ وحركة لإرتباطها بالناس، ومن هنا فإن اللغات قد تتطور وتختلف من عصرٍ إلى آخر، ومن بلدٍ إلى بلد، بل ومن قومٍ إلى قوم، حتى أن الكلمات التي يدعي ترادفها، هي في الواقع كانت المعاني التي يفهمها كل قومٍ من هذه اللفظة أو تلك.

وبناءاً عليه نعيد التساؤل: إلى من يكون تحديد معنى لفظ "الكثير"؟

يختلف الأمر بإختلاف الموارد، فالمعنى يختلف بين الموصي الفقير والغني، وكذلك بين الموصى له، ولكن بما أن النصوص الشريفة وردت لتحديد هذه اللفظة، فإن الفقهاء إعتمدوا عليها وميزوا هذه اللفظة عن مشابهاتها، حيث حددت النصوص الكثير بالثمانين، وهو راجعٌ إلى الثقافة القرآنية لدى المجتمع حينذاك، حيث كانوا يعولون على الكلمات القرآن الكريم للتعبير عن مقاصدهم.

قال المحقق: " لو قال أعطوه كثيرا قيل (كما عن الشيخ والصدوق وجماعة) يعطى ثمانين درهما كما في النذر و قيل يختص هذا التفسير بالنذر اقتصارا على موضع النقل" [1]

والروايات هي التالية:

     عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ذَكَرَهُ قَالَ: لَمَّا سُمَّ الْمُتَوَكِّلُ نَذَرَ إِنْ عُوفِيَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالٍ كَثِيرٍ فَلَمَّا عُوفِيَ سَأَلَ الْفُقَهَاءَ عَنْ حَدِّ الْمَالِ الْكَثِيرِ فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ وَ قَالَ بَعْضُهُمْ عَشَرَةُ آلَافٍ فَقَالُوا فِيهِ أَقَاوِيلَ مُخْتَلِفَةً فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ نُدَمَائِهِ يُقَالُ لَهُ صَفْعَانُ أَ لَا تَبْعَثُ إِلَى هَذَا الْأَسْوَدِ فَتَسْأَلَ عَنْهُ فَقَالَ‌ لَهُ الْمُتَوَكِّلُ مَنْ تَعْنِي وَيْحَكَ فَقَالَ لَهُ ابْنَ الرِّضَا فَقَالَ لَهُ وَ هُوَ يُحْسِنُ مِنْ هَذَا شَيْئاً فَقَالَ إِنْ أَخْرَجَكَ مِنْ هَذَا فَلِي عَلَيْكَ كَذَا وَ كَذَا وَ إِلَّا فَاضْرِبْنِي مِائَةَ مِقْرَعَةٍ فَقَالَ الْمُتَوَكِّلُ قَدْ رَضِيتُ يَا جَعْفَرَ بْنَ مَحْمُودٍ صِرْ إِلَيْهِ وَ سَلْهُ عَنْ حَدِّ الْمَالِ الْكَثِيرِ فَصَارَ جَعْفَرُ بْنُ مَحْمُودٍ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عليه السلام فَسَأَلَهُ عَنْ حَدِّ الْمَالِ الْكَثِيرِ فَقَالَ: "الْكَثِيرُ ثَمَانُونَ". فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ يَا سَيِّدِي إِنَّهُ يَسْأَلُنِي عَنِ الْعِلَّةِ فِيهِ فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ﴾[2] فَعَدَدْنَا تِلْكَ الْمَوَاطِنَ فَكَانَتْ ثَمَانِينَ" [3]

     عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ مَرِضَ فَنَذَرَ لِلَّهِ شُكْراً إِنْ عَافَاهُ اللَّهُ أَنْ يَصَّدَّقَ مِنْ مَالِهِ بِشَيْ‌ءٍ كَثِيرٍ وَ لَمْ يُسَمِّ شَيْئاً فَمَا تَقُولُ قَالَ: "يَتَصَدَّقُ بِثَمَانِينَ دِرْهَماً فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ وَ ذَلِكَ بَيِّنٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِذْ يَقُولُ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وآله لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَ الْكَثِيرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ ثَمَانُونَ" [4]

 

وغيرهما من الروايات المشابهة، ولكنها وردت في النذر فقط، حيث أنها قضيةٌ إلهية، فلا دليل على التعدية إلى الوصية، مضافاً إلى إختلاف الناس في تحديد معنى الكثير بإختلاف الأعراف، حيث يحتمل إعتماد الموصي في ذلك على رأي الورثة، بخلاف النذر الذي لا يكون في المقام شخصٌ يفوض إليه أمر تحديد معنى الكثير، فتأمل.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo