< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/04/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الموصى به / الوصية المبهمة 2

 

مر فيما سبق بأنه لو أوصى الموصي بثلث ماله مشاعاً، فتلف بعض أمواله أيام حياته أو بعد ذلك، فإن هذا التالف يكون على جميع المال، ومنه الثلث.

أما إذا أوصى بعينٍ معينة، فتلف بعض ماله بعد وفاته مع بقاء العين الموصى بها، فإن الوصية تلزم وتكون العين للموصى له، وذلك لتعين الوصية، ووقوع التلف بعد إستقرار الوصية بالوفاة، لكن إذا تلفت الداران الاخريان في أيام الحياة، فإن الوصية تنفذ في ثلث العين، وذلك لإنحصار ملكه قبل الموت بالدار، وليس له إلا الثلث.

الوصية بالمبهم

لو كانت الوصية مبهمة، كما لو قال إدفعوا جزءاً من مالي لزيد، فكيف يتم التصرف مع هذه الوصية؟

أجابت جملةٌ من الروايات عن ذلك، ولكن قبل ذكرها لابد من بيان أمرين:

الأول: قد يكون هناك عرفٌ معتمدٌ لدى الموصي في إطلاقه للكلام المبهم، كما لو كان لديه سبعة دنانير وقال أدفعوا جزءاً منها، والمقصود العرفي هو دينارٌ منها، كان ذلك العرف هو الحاكم في تفسير الإبهام.

الثاني: الوصية المبهمة كالوصية بالجزء أو البعض، تعني – مع عدم كشف المراد منها- إيكال التحديد إلى الورثة من قبل الموصي، فلو كان يقصد التحديد لذكره لهم، ومثله تحديد المصداق الذي قلنا بأنه إلى الورثة.

أما الروايات فانقسمت في تفسير لفظة الجزء، فحددت بعضها الجزء بواحدٍ من عشرة وأخرى بواحدٍ من سبعة، وبناءاً على الأختلاف فيها إختلفت أقوال الفقهاء.

ولكن هل هذا التحديد حكمٌ شرعي يجب أن نلتزم به أم هو راجعٌ إلى الموصي؟

من خلال دراسة الروايات يظهر أن التحديد فيها كان إنطلاقاً من التحديد القرآني، حيث فسّرت الروايات الجزء بما ورد في القرآن، وذلك لأن العرف العام كان يعتمد الحديث بلغة القرآن، مثل "جزء" و "كثير" وما أشبه، أما مَن كانت لغته بعيدة عن لغة القرآن فلا تشمله هذه الروايات، بل تكون بحسب قصد الموصي أو فهم العرف لظاهر كلامه.

قال في الشرائع -ممتزجاً بالجواهر- : " في الوصية المبهمة لغة و عرفا من أوصى بجزء من ماله ففيه روايتان أشهرهما رواية العشر و فتوى السبع و في رواية ثالثة لم نجد العامل بها سبع الثلث و لعل الأقوى الأول"[1] .

أما الروايات:

     عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: الجزء واحد من عشرة، لأن الجبال عشرة، والطيور أربعة( )،

إشارةٍ إلى الآية القرآنية في أمر الله للنبي أبراهيم في تقسيم الطيور الأربعة إلى اجزاء بحسب الجبال.

     عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَيَابَةَ قَالَ: إِنَّ امْرَأَةً أَوْصَتْ إِلَيَّ فَقَالَتْ ثُلُثِي يُقْضَى بِهِ دَيْنِي وَ جُزْءٌ مِنْهُ لِفُلَانَةَ فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَقَالَ مَا أَرَى لَهَا شَيْئاً مَا أَدْرِي مَا الْجُزْءُ فَسَأَلْتُ عَنْهُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع بَعْدَ ذَلِكَ وَ خَبَّرْتُهُ كَيْفَ قَالَتِ الْمَرْأَةُ وَ مَا قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى فَقَالَ: كَذَبَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَهَا عُشْرُ الثُّلُثِ- إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَمَرَ إِبْرَاهِيمَ ع فَقَالَ- اجْعَلْ عَلى‌ كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً وَ كَانَتِ الْجِبَالُ يَوْمَئِذٍ عَشَرَةً وَ الْجُزْءُ هُوَ الْعُشْرُ مِنَ الشَّيْ‌ءِ"[2] .

     مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ؟ قَالَ: "جُزْءٌ مِنْ عَشَرَةٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ- (اجْعَلْ عَلى‌ كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً) وَكَانَتِ الْجِبَالُ عَشَرَةً"[3] .

     خبر عبد الصمد بن بشير، عن جعفر بن محمد (عليه السلام) في حديث، إنه سئل عن رجل أوصى بجزء ماله، فقال: هذا في كتاب الله، إن الله يقول: ﴿اجْعَلْ عَلى‌ كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً﴾([4] ).

     ومرسل ابن جعفر بن سليمان في حديث: إن رجلاً مات أوصى إليه بمائة ألف درهم، وأمره أن يعطي أبا حنيفة منها جزءاً، فسأل عنه جعفر بن محمد عليه السلام وأبو حنيفة حاضر، فقال له جعفر بن محمد عليه السلام: ما تقول فيها يا أبا حنيفة، فقال: الربع، فقال عليه السلام لابن أبي ليلى، فقال: الربع، فقال جعفر بن محمد عليه السلام: "من أين قلتم الربع؟"، فقالوا: لقول الله تعالى: ﴿فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ﴾([5] ) إلى آخره، فقال أبو عبد الله عليه السلام: "من هذا قد علمت الطير أربعة، فكم كانت الجبال، إنما الأجزاء للجبال ليس للطير"، قالوا: ظناً أنها أربعة، فقال أبو عبد الله عليه السلام: لا، ولكن الجبال عشرة ([6] ).

     عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليه السلام أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ لَهُ إِنَّ امْرَأَةً مِنْ عِنْدِنَا أَوْصَتْ بِثُلُثِهَا وَ قَالَتْ يُعْطَى مِنْهُ جُزْءٌ لِفُلَانٍ وَ جُزْءٌ لِفُلَانَةَ وَ إِنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى رُفِعَ إِلَيْهِ ذَلِكَ فَأَبْطَلَهُ وَ قَالَ إِنَّمَا ذَكَرَتْ شَيْئاً لَمْ تُسَمِّهِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: "لَمْ يَدْرِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَجْهَ الصَّوَابِ الْجُزْءُ وَاحِدٌ مِنْ عَشْرَةٍ"، يعني أن الأجزاء كلها إنما تتجزأ من عشرة فما دونها يقال نصف و ثلث و ربع كذلك إلى العشرة و ليس ذلك فوقها[7] .

والإستنتاج من الراوي، حيث فهم أن أساس تقسيمات الأعداد هو العشرة، وهو إستنتاج جيد إن كانت لغة الناس وتعاملاتهم على هذا الأساس، فيكون العرف قائماً على ذلك.

 

وفي المقابل هناك روايات أخرى، حددت الجزء بواحدٍ من سبعة.

     صحيح البزنطي: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أوصى بجزء من ماله، فقال: واحد من سبعة، إن الله يقول: لها سبعة أبواب[8] [9] .

     خبر إسماعيل بن همام الكندي، عن الرضا عليه السلام، في الرجل أوصى بجزء من ماله فقال: الجزء من سبعة إن الله يقول: ﴿لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ﴾[10] .

     المرسل الذي رواه المفيد، عن أمير المؤمنين عليه السلام، في رجل أوصى بجزء من ماله ولم يعينه، فاختلف الوارث بعده في ذلك، فقضى عليهم بإخراج السبع من ماله، وتلى قوله تعالى: ﴿لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ﴾[11] .

 

واستقوى المحقق النجفي قدس سره الطائفة الأولى، قال: " على كل حال فالقول بالعشر هو الأقوى، و قد عرفت أنه تحديد شرعي لما لم يقصد الموصى خلافه، أما لو علم قصده، اتبع لو علم منه إرادة المطلق الشامل للعشر و غيره، الذي هو بمنزلة‌ التصريح بذلك، بل التحديد لمن أوصى بالجزء و علم منه عدم إرادة مطلق مسماه، و عدم ما ينافي التحديد بالعشر، و الظاهر اختصاص هذا التحديد بالوصية، و لا يسرى منها إلى غيرها"[12] .

والأصل في مثل هذا الإختلاف بين الطائفتين مع عدم المرجحات، لا داخلية ولا خارجية لعدم رأي للعامة، فلا تفضيل لطائفة على أخرى، فيكون المرجع إلى آخر حل وهو التخيير بينهما، من باب الأخذ بأيهما من باب التسليم.

هذا هو الأصل، ولكن هذه المسألة مرتبطة بعرف المجتمع كما ذكرنا، فإن كان المجتمع قائماً على أساس لغة القرآن، فإن الأخذ بإحدى الطائفتين من باب التفسير على نحو التخيير، ولكن إذا كان المجتمع بعيداً عن لغة القرآن الكريم يكون المعتمد الإرتكاز العرفي، ومع عدم وجوده يكون الأمر إلى الورثة، والله العالم.

 


[1] جواهر الكلام: ج28، ص317.
[2] الكافي: ج7، ص40.
[3] الكافي: ج7، ص40.
[4] الوسائل: ج13 ص444 الباب54 من أبواب الوصايا ح8.
[5] سورة البقرة: الآية 260.
[6] الوسائل: ج13 ص446 الباب54 من أبواب الوصايا ح9.
[7] دعائم الإسلام: ج2، ص358.
[8] سورة الحجر: الآية 44.
[9] الوسائل: ج13 ص447 الباب54 من أبواب الوصايا ح12.
[10] الوسائل: ج13 ص447 الباب54 من أبواب الوصايا ح13.
[11] سورة الحجر: الآية 44.
[12] جواهر الكلام: ج28، ص320.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo