< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/03/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الموصى به / الوصية بالثلث 3/ الشك في الوصية بالواجب – إجازة الورثة

 

لو أوصى الموصي بأزيد من ثلثه ولكن عدّها وصيةً بما اشتغلت ذمته من الحقوق الشرعية، غير أنه شُكَّ في كون ذلك لإشتغال الذمة فعلاً أو لكونه محتاطاً فيعيد دفع ما بذمته، فما هو الأصل المتبع مع الشك؟

قبل بيان الأصل لابد أن نبين الأدلة المختلفة التي يمكن أن تعتمد في المقام، والتي قد تكون متعارضة في بعض الحالات، فهناك دليل الإقرار، وهناك حجية الظاهر، وهناك الأصل العملي، هذا فضلاً عن وجود النصوص الشرعية الخاصة.

أما فيما يرتبط بالإقرار، فإن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز، بل هو سيد الأدلة، ولكن إذا أقر من قرُبت منيته بجملة أمورٍ على نفسه، فهل يعدّ ذلك إقراراً على نفسه أم هو إقرارٌ على ورثته -لذهاب المال من حصتهم-، فلا يكون جائزا؟

ذهب المرجع الحكيم قدس سره إلى الثاني[1] ، ولكن المرجع الشيرازي قدس سره إختار الأول[2] ، حيث أن الإقرار يكون عليه أولاً وبالذات، وبالعرض يكون على الورثة، وهذا حاصلٌ في كثيرٍ من الإقرارات، حيث يقتضي الإقرار على النفس إقراراً على الغير، كما لو أقر بكون أمرأةٍ زوجةً له، فإن أحكام الزوجية تترتب عليها أيضاً.

ومن هنا فلو أقر على نفسه بأن حقوقاً شرعية تلزمه، كالخمس والزكاة والنذور وديون الآخرين، فإقراره ماضٍ وجائزٌ على نفسه، نعم؛ إذا عرفنا أن إقراره في المقام للإضرار بالورثة وحرمانهم من الإرث فلا يكون إقراراً مسموعاً.

الظاهر في المقام

لا يتم الرجوع إلى الأصل إذا كانت هناك أدلةً اخرى، ومنها ملاحظة الظواهر المعتدّ بها، فلو كان الموصي لا أبالياً طيلة حياته بالحقوق الشرعية، فإذا أقر في نهاية عمره باشتغال ذمته، فإن الظاهر يصدّق هذا الإقرار، أما إذا كان الأمر بالعكس، كما لو كان الشخص معروفاً بالوسواس وتكرار دفع الحقوق وما أشبه، فإن الظاهر يتعارض وإقراره بوجوب هذه الديون.

والظاهر يعرفه إما الأقربون إلى الميت، أو القضاء، حيث يعرفون من خلال القرائن بوجود ظاهرٍ يرجع إليه أم لا، فيكون معتمداً، وذلك لأن الظاهر قد يكون فيه من الشدة فيرجح على الأصل، ومثاله ما لو دخل الرجل على زوجته وخلي بها وأسدل الستار، ثم أدعى عدم مواقعتها، فإن الظاهر -وهو المواقعة- يحكم به، بالرغم من أن دعواه تتفق مع الأصل.

الأصل في المسألة

إذا لم نستفد من الإقرار، أو الظهور، فما هو الأصل في المقام؟

الأصل هو عدم نفاذ وصية الميت في الزائد عن الثلث، وبناءاً عليه فإذا شككنا في أن كلام الموصي لم يكن من باب التكليف واشتغال الذمة، فالغلبة للأصل، وتؤيد جملة الروايات التي دلت على عدم الحق للميت في الزائد عن الثلث.

وهكذا نقوم بدراسة كلٍ من الإقرار والظاهر والأصل، ونجمعها جميعاً للوصول إلى الحقيقة.

قال العلامة الطباطبائي قدس سره: "إذا أوصى بالأزيد (من الثلث) أو بتمام تركته و لم يعلم كونها في واجب حتى تنفذ أو لا‌ (بل كان من باب الإحتياط) حتى يتوقف الزائد على إجازة الورثة فهل الأصل النفوذ إلا إذا ثبت عدم كونها بالواجب أو عدمه إلا إذا ثبت كونها بالواجب وجهان ربما يقال بالأول (النفوذ إلا مع ثبوت عدم وجوبها) و يحمل عليه ما دل من الأخبار على أنه إذا أوصى بماله كله فهو جائز و أنه أحق بماله ما دام فيه الروح لكن الأظهر الثاني (أصالة عدم النفوذ) لأن مقتضى ما دل على عدم صحتها إذا كانت أزيد من ذلك و الخارج منه كونها بالواجب و هو غير معلوم (نعم هذا هو الأصل، إلا أن تدل الظواهر على خلافه، كما لو كان غير ملتزماً في حياته بدفع الحقوق الشرعية، فإذا قال باشتغال ذمته بالحقوق صدّق) نعم إذا أقر بكون ما أوصى به من الواجب عليه يخرج من الأصل بل و كذا إذا قال أعطوا مقدار كذا خمسا أو زكاة أو نذراً أو نحو ذلك و شك في أنها واجبة عليه أو من باب الاحتياط المستحبي فإنها أيضا تخرج من الأصل لأن الظاهر من الخمس و الزكاة الواجب منهما و الظاهر من كلامه اشتغال ذمته بهما.‌"[3]

مسألة: إجازة الورثة

إذا أجاز الورثة إنفاذ الوصية في أكثر من الثلث، فذلك قد يكون بعد وفات الموصي، وقد يكون قبل موته، ففي الصورة الأولى ليس لهم الرجوع من الإجازة، وهل ذلك يشمل الصورة الثانية أيضاً أم لا؟

قال الفقهاء بعدم الجواز، وذلك لـ:

أولاً: كل وصيةٍ تلزم بقبول الوصي، وليس له الرجوع بعد موت الموصي، وهكذا إذا قبل الورثة فليس لهم الرجوع.

ثانياً: حق الورثة يتعلّق بالثلثين، كما أن حق الموصي متعلقٌ بالثلث، فإذا أسقطوا حقهم، فأنى يكون لهم إسترداده؟

ثالثاً: الأخبار الخاصة تدل على عدم إمكان الرجوع بعد الإجازة.

قال العلامة الطباطبائي قدس سره: "إذا أجاز الوارث بعد وفاة الموصي‌فلا إشكال في نفوذها و لا يجوز له الرجوع في إجازته و أما إذا أجاز في حياة الموصي ففي نفوذها و عدمه قولان أقواهما الأول (نفوذ الإجازة) كما هو المشهور للأخبار المؤيدة باحتمال كونه ذا حق في الثلثين فيرجع إجازته إلى إسقاط حقه كما لا يبعد استفادته من الأخبار الدالة على أن ليس للميت من ماله إلا الثلث"[4] .

وأما الروايات الخاصة:

     عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: فِي رَجُلٍ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ وَ وَرَثَتُهُ شُهُودٌ فَأَجَازُوا ذَلِكَ فَلَمَّا مَاتَ الرَّجُلُ نَقَضُوا الْوَصِيَّةَ هَلْ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوا مَا أَقَرُّوا بِهِ؟ قَالَ: "لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ الْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ عَلَيْهِمْ إِذَا أَقَرُّوا بِهَا فِي حَيَاتِهِ"[5] .

     عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ يَعْنِي بِمَا يُجَاوِزُ الثُّلُثَ فَأَجَازَ لَهُ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ ؟قَالَ: "لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا"[6] .

     عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ وَ وَرَثَتُهُ‌ شُهُودٌ فَأَجَازُوا ذَلِكَ لَهُ قَالَ: جَائِز"[7] .


[1] قال في المستمسك: ج14، ص604: " العمل بهذا الإقرار ليس لقاعدة: «إقرار العقلاء على أنفسهم‌ ‌أو نحو ذلك، لكون هذا الإقرار متعلقاً بالورثة، فهو ليس إقراراً على النفس، بل هو للنصوص الدالة على نفوذ إقرار الإنسان بالدين و بالزكاة و بالحج، و أنه يجب على الورثة العمل به". [المقرر].
[2] قال في الفقه: ج61، ص162، في معرض الرد على قول المرجع الحكيم قدس سره: "ففيه: إنه إقرار على النفس، وإلا فغالب الإقرارات ترتبط بالغير، فإذا أقر الرجل بأنه تزوج زوجة ثانية كان إقراراً في حق أولاده أنهم لا يحق لهم الزواج منها، وفي حق أمها وبنتها أنهما لا يحق لهما التزويج به، وفي حق زوجته الأولى أنها لا ترث إلاّ نصف الربع أو الثمن..". [ المقرر].
[3] العروة الوثقى: ج2، ص891.
[4] العروة الوثقى: ج2، ص891.
[5] الكافي: ج7، ص12.
[6] دعائم الإسلام: ج2، ص362.
[7] تهذيب الأحكام: ج9، ص194.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo