< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/03/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الموصى به

 

من المسائل التي تعرّض لها الفقهاء هي مسألة ما يجوز الوصية به، أو ما يعبّر عنه بالموصى به، فلكل إنسانٍ حقوقٌ له أن يستوفيها في حياته، ويمكنه أن يوصي بها بعد وفاته، كتمليك العين أو المنافع، وقد صرّح الكتاب العزيز في الوصية بالمنفعة بالنسبة للزوجة، قال تعالى: ﴿َ والَّذينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ﴾[1] .

وكذلك تجوز الوصية بالمنافع المتجددة، وهي من المنافع، كما لو كان لديه قطيعاً من الأغنام، فأوصى بنتاجه لمدة سنة لشخصٍ أو جهة، ونتاج القطيع متجدد.

وهل يجوز له أن يوصي بعبده الآبق أو طيره المتحرر؟

يجوز ذلك في الوصية، وإن لم نقل بالجواز في البيع إلا مع الضميمة، لوجود نوعٍ من العقلة بينه وبين العبد أو الطير، فلو عاد كان هو الأولى به، والفرق بين البيع والوصية في أن بيع الآبق بغير ضميمة مشمولٌ بقوله سبحانه: ﴿وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِل‌﴾[2] ، لوجود شبهة الأكل بالباطل، أما في الوصية فلا أكل بالباطل، ومن هنا أجازوا أيضاً الوصية بالمجمل والمبهم.

الوصية بالملكية المتجددة

هل تجوز الوصية بما يمكن أن يدخل في ملك الموصي، كما لو إحتمل رفع المرتب التقاعدي له بعد الموت فيوصي بالزيادة، أو إحتمل قيام الناس بالنذر له بعد موته، فأوصى بذلك المملوك المحتمل، أو ثمرة الأشجار؟

ربما يقال بالمنع، لعدم وجود علقة حقيقية بين المالك والمال، ولكونه كبيع ما لا يملكه، وقيل[3] إن الملكية علاقةٌ إعتبارية، والملك يعتبرها، فيمكن القول بجواز الوصية بها أيضاً، وهو الأشبه.

الوصية بالمحرّم

لا تجوز الوصية بما هو محرّم، كالوصية بالخنزير أو المخمرة أو ما أشبه، لأنه مما لا يملكه المسلم، فكيف يوصي به؟

ومما يتفرع من ذلك ما لو كان كافراً وأوصى بالمحرم للكفار، فهل تصح الوصية أم لا؟

ذهب الفقهاء إلى إقرارهم على أفعالهم، بالرغم من أنهم مكلفون بالفروع أيضاً، إستناداً إلى قاعدة الإلزام التي تقتضي الزام بالكافر بما يلزم به نفسه.

أما فيما يتصل بالكلاب، يجوز الوصية بكلب الصيد والماشية أو ما أشبه من الكلاب النافعة، وكذلك تجوز الوصية بالمحرمات ذات المنفعة العقلائية المحللة، كالخمر للتخليل، والخنزير إن افترض وجود منافع عقلائية محللة لأعضائه.

قال العلامة الطباطبائي قدس سره: "فصل في الموصى به‌ تصح الوصية بكل ما يكون فيه غرض عقلائي محلل من عين أو منفعة أو حق قابل للنقل (كحق الخيار، لاحق لا يمكن نقله) ولا فرق في العين بين أن تكون موجودة فعلاً أو قوة، فتصح بما تحمله الجارية أو الدابة أو الشجرة و تصح بالعبد الآبق منفرداً ولو لم يصح بيعه إلا بالضميمة (بعد أن كانت الوصية نوعٌ من أنواع الإحسان، فلا يتصور فيها أكل المال بالباطل). ولا تصح بالمحرمات كالخمر و الخنزير و نحوهما و لا بآلات اللهو و لا بما لا نفع فيه و لا غرض عقلائي كالحشرات و كلب الهراش وأما كلب الصيد فلا مانع منه وكذا كلب الحائط والماشية و الزرع (والأفضل إيكال المسألة إلى العرف لتحديد وجود أو عدم وجود الغرض العقلائي، كما هو اليوم) وإن قلنا بعدم مملوكية ما عدا كلب الصيد (بعد التصريح في النصوص بمملوكيته دون الأخرى،) إذ يكفي وجود الفائدة فيها و لا تصح بما لا يقبل النقل من الحقوق كحق القذف ( وكذا حق الغيبة وما أشبه، فهذه الحقوق لا مالية لها ولا تقبل النقل، نعم قد يعتبر العرف لبعض الحقوق قابلية النقل، كحق الطباعة وحق البيع الأول وما أشبه من حقوقٍ مستحدثة، فيمكن نقلها بالوصية) ونحوه وتصح بالخمر المتخذ للتخليل (وما أشبه كما في الصلبان لتحويلها إلى كراسي) ولا فرق في عدم صحة الوصية بالخمر والخنزير بين كون الموصي والموصى له مسلمين أو كافرين أو مختلفين، لأن الكفار أيضاً مكلفون بالفروع، نعم هم يقرون على مذهبهم وإن لم يكن عملهم صحيحاً (فتكليفهم بالفروع شيء، وقاعدة الإلزام والإقرار على مذهبهم شيءٌ آخر) ولا تصح الوصية بمال الغير ولو أجاز ذلك الغير إذا أوصى لنفسه (كما لو أوصى بدفع بيت زيد إلى عمرو) نعم لو أوصى فضولاُ عن الغير احتمل صحته إذا أجاز‌"[4] ، وذلك لوحدة الملاك في الصحة بين الوصية وبين سائر العقود إن وقعت فضولاً، فكل عقدٍ يتكون من إطارٍ ومحتوى، وإطاره ما يقوم به الفضولي أما محتواه فهو رضا صاحب الصلاحية.

 


[1] سورة البقرة: الآية 240.
[2] سورة البقرة: الآية 188.
[3] ذهب المحقق الكركي قدس سره إلى الجواز، حيث قال في جامع المقاصد: ج10 ص100، ما نصه: " لو أوصى بما يتجدد له تملكه ولو على وجه الندرة، كما يتجدد له بشراء وهبة وإرث ونحو ذلك صح، لأن وجود ذلك ممكن، وقد قدر أن الشرط إمكان وجوده"، وقال المرجع الحكيم في المستمسك: ج14، ص494: " نعم إذا لم يكن له شجر و كان عازماً على شراء الشجر فأوصى بثمر ما يشتريه بعد ذلك، أو أوصى بعين الشجر الذي سيشتريه، ففي جواز الوصية إشكال، لعدم العلقة المصححة لصدق الوصية أو الموجبة للسلطنة عليها، و إن كان الأظهر الصحة".’ [المقرر].
[4] العروة الوثقى: ج2، ص889.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo