< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/03/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الوصية بالولاية

الحديث عن الوصية العهدية بالولاية، وقبل أن نخوض غمار هذه المسألة، ننوّه إلا حدوث خلافٍ بين الفقهاء في تعريف الوصية، سواءاً التمليكية منها أو العهدية.

تعريف الوصية

التعريف الأدق لمعنى الوصية والذي يشمل بإطلاقه كلا النوعين هو أن الوصية: "إستيفاء الحق بعد الوفاة"، أو بتعبير آخر" إستعمال الصلاحيات الممنوحة للإنسان في حياته لما بعد موته".

وهذا التعريف هو بيانٌ لحقيقة الوصية، فللإنسان الحق في التصرف في أمواله، وله الولاية على أولاده الصغار، وبالوصية ينقل هذا الحق، نعم هذه الصلاحية محددة ببعض التحديدات، كما في الأموال حيث تحدد صلاحيته بالتصرف في أمواله بعد الموت بالثلث لا بالكل.

الوصية بالولاية

من الوصايا العهدية هي الوصية بالولاية على الأطفال الصغار، وهذه الولاية ممنوحةٌ للإنسان، وله أن يوصي إلى غيره بها ليقوم مقامه بعد وفاته، سواءاً كان الوصي ذكراً أم أنثى. وقد قام الإجماع على جواز ذلك، كما أن هناك نصوص متظافرة تدل على الجواز، بل يظهر من بعضها المفروغية من الجواز للحديث عن التفاصيل والفروع.

نعم، ليس للأب الكافر أن يقيم وصياً على أولاده الصغار المحكومين بالإسلام، كما لو ارتد الأب ثم أوصى بالولاية لشخصٍ، وذلك لعدم ولايته عليهم حال حياته، فلا يقدر على منحها لغيره بعد موته من بابٍ أولى.

نصوص المقام

أما الروايات فهي تحدثنا عن فروع مسألة الوصية بالولاية، ويبدو أنه للمفروغية من جوازها:

     عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَأَلْتُ الرِّضَا عليه السلام عَنْ وَصِيِّ أَيْتَامٍ يُدْرِكُ أَيْتَامُهُ فَيَعْرِضُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْخُذُوا الَّذِي لَهُمْ فَيَأْبَوْنَ عَلَيْهِ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: "يَرُدُّ عَلَيْهِمْ وَ يُكْرِهُهُمْ عَلَيْهِ"[1] .

المستفاد من الرواية، أن الوصية بالولاية صحيحة، وهي نافذة إلى حين بلوغهم، وليس لهم أن يأبوا أخذ الأموال.

     عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَمَّنْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي رَجُلٍ مَاتَ وَ أَوْصَى إِلَى رَجُلٍ وَ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ فَأَدْرَكَ الْغُلَامُ وَ ذَهَبَ إِلَى الْوَصِيِّ فَقَالَ لَهُ رُدَّ عَلَيَّ مَالِي لِأَتَزَوَّجَ فَأَبَى عَلَيْهِ فَذَهَبَ حَتَّى زَنَى قَالَ: "يُلْزَمُ ثُلُثَيْ إِثْمِ زِنَى هَذَا الرَّجُلِ ذَلِكَ الْوَصِيُّ لِأَنَّهُ مَنَعَهُ الْمَالَ وَ لَمْ يُعْطِهِ فَكَانَ يَتَزَوَّجُ"[2] .

     عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى إِلَى رَجُلٍ بِوُلْدِهِ وَ بِمَالٍ لَهُمْ وَ أَذِنَ لَهُ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ أَنْ يَعْمَلَ بِالْمَالِ وَ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَهُمْ فَقَالَ: "لَا بَأْسَ بِهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ أَبَاهُمْ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَ هُوَ حَيٌّ"[3] .

     وَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا أَذِنَ الْمُوصِي لِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ بِمَالِ وُلْدِهِ الْأَطْفَالِ فَلَهُ ذَلِكَ وَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ وَ إِنْ شَرَطَ لَهُ فِيهِ رِبْحاً فَهُوَ عَلَى شَرْطِهِ"[4] .

 

ولاية الأب والجد

للأب حق الولاية على أولاده، ويشترك معه الجد في هذه الولاية، وولايتهما في عرضٍ واحد، أي لكلٍ منهما الولاية مستقلاً، فهل للأب أن يجعل على أولاده وصياً حال حياة الجد؟

ليس له ذلك، لأن الأصيل مقدمٌ على الوكيل، وقيل[5] بالجواز، لأن الأب كانت له الولاية فنقلها إلى غيره، وتبقى هذه الولاية في عرض ولاية الجد، فربما كان الأب يرى عدم قدرة الجد على إدارة شؤون أولاده الصغار.

والذي يبدو أن القول الثاني هو الأقوى رغم ذهاب المشهور إلى الأول[6] .

قال العلامة الطباطبائي قدس سره: "يصح لكل من الأب و الجد الوصية بالولاية على الأطفال مع فقد الآخر، ولا تصح مع وجوده كما لا يصح ذلك لغيرهما حتى الحاكم الشرعي فإنه بعد فقدهما له الولاية عليهم ما دام حياً، وليس له أن يوصي بها لغيره بعد موته فيرجع الأمر بعد موته إلى الحاكم الآخر (لأن الولاية لعنوان الحاكم) فحاله حال كل من الأب و الجد مع وجود الآخر ولا ولاية في ذلك للأم (كما هو المشهور، والقول بإنتقالها إلى الحاكم بعد فقدهما) خلافاً لابن الجنيد حيث جعل لها بعد الأب إذا كانت رشيدة (أما الرشد فهو قيدٌ متحصل غالباً، واستدل لما ذهب إليه ابن الجنيد بقوله سبحانه: ﴿ْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‌ بِبَعْض‌﴾[7] والأم من الأرحام، ولفظ أولىَ تدل على الولاية، ولكن لم يستفد الفقهاء ذلك من هذه الآية.

ولكنا في باب النكاح ذكرنا أن الأحوط مع وجود هذه الآية، هو إشراف الأم على أمور الصغار مع إستئذانها من الحاكم الشرعي، وهو هكذا عرفاً، فالأم عند موت الأب هي التي تدير شؤون الأولاد، ولم يردع الشرع عن ذلك، بالرغم من عدم وجود نصٍ يوافق على ذلك أيضاً، ولكن مع وجود الآية، ووجود الفطرة الإجتماعية القائمة نحتاط بالجمع بينهما بأن يأذن الحاكم الشرعي لها) و على ما ذكرنا فلو أوصى للأطفال واحد من أرحامهم أو غيرهم بمال و جعل أمره إلى غير الأب و الجد ‌وغير الحاكم لم يصح بل يكون للأب و الجد مع وجود أحدهما و للحاكم مع فقدهما، (ولكن يمكن ذلك بالتخريج التالي:) نعم لو أوصى لهم على أن يبقى بيد الوصي ثمَّ يملكه لهم بعد بلوغهم أو على أن يصرفه عليهم من غير أن يملكهم يمكن أن يقال بصحته و عدم رجوع أمره إلى الأب و الجد أو الحاكم‌"[8] .


[5] نسب المحقق في الشرائع: ج2، ص203، القول بالجواز بمقدار الثلث إلى "قيل"، وذهب المرجع الشيرازي أيضاً إلى الجواز، قال في الفقه: ج61، ص123، بعد ايراد أدلة القائلين بالمنع: "، إذ مقتضى إطلاق ولاية أي منهما بضميمة ما دل على أن له حق جعل الوصي أن له ذلك مع وجود الآخر أو فقده، منتهى الأمر أنه إذا تصرف الولي الأصيل لا يعارضه البديل، فإذا جعلا كلاهما ولياً وماتا كان البديلان كالأصيلين في كون أحدهما في عرض الآخر". [المقرر].
[6] بل ادعي عليه الإجماع، كما في المهذب: ج22، ص172؛ وهو كما ترى. [المقرر].

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo