< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/01/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسائل الوصية/ القبول في الوصايا العهدية 2

 

فيما يرتبط بالوصية العهدية، فثمة غموضٌ في تعبير العلامة، أو لنقل هناك أكثر من مصطلح، ففيما يبدو لنا أن الوصية التمليكية تعني إيصاء الموصي شيئاً من ماله لشخصٍ معيّن، أما الوصية العهدية فهي العهد بقيام الوصي بأعمالٍ معينة، كالدفن أو الإشراف على الأولاد الصغار، وهذا هو المعروف من لفظة "العهد" في استعمال النصوص، حيث يفيد معنى التكليف بمهامٍ معينة، نعم؛ قد تكون القضايا المالية جزءاً منها، غير أن الأصل فيها هو المعنى الأعم.

ولكن الذي يظهر من سياق الحديث عند العلامة الطباطبائي قدس سره في المسألة الثامنة أن المراد من التعبير بالوصية العهدية هنا، مشابهٌ للوصية التمليكية، غير أن بعض الشراح كالمرجع الشيرازي قدس سره[1] ، إتجهوا في حديثهم نحو العهد بالمعنى المعروف، أي إلتزام الوصي بجملة تكاليف.

الوصية إلى الجهات

وكيف كان، يرى العلامة الطباطبائي قدس سره، أن الوصية التمليكية يعتبر فيها عدم رد الموصى له، أما إذا كانت الوصية عهديةً لجهة أو صنفٍ كالفقراء والعلماء أو المساجد، فلا حاجة للقبول، لأنها وصيةٌ جهتية، فإن كان قد أوصى للفقراء، فأي الفقراء نشترط قبولهم؟ هل نشترط قبول الجميع وهو غير ممكن أم أحدهم بدون تعيين؟

نعم، ربما يقال: لو قال فقراء محلتي ولم يكن فيها سوى فقيرٌ واحد، إشترط قبوله هو، أو ولي الأمر أو من ينصبه الولي للقبول، وكذلك فيما لو أوصى للمساجد يكون القبول من المتولي.

أما العلامة الطباطبائي قدس سره، فيذهب إلى عدم الحاجة إلى القبول في المقام، بل وحتى عدم إعتبار عدم الرد، ويبدو أن الحق معه، رغم مخالفة الشراح له، وبيان ذلك:

هناك نوعان من إخراج الشيء من الملكية، فمرة يكون عبر نقله إلى الغير عبر عقدٍ من العقود، وأخرى يكون بتحرير الشيء عبر نزع الملكية من النفس، دون أن تحتاج إلى قبول جهةٍ مقابلة، كما في المسجد، حيث قالوا أن وقف المسجد تحرير، فالمالك يرفع يده هنا عن الملك لله سبحانه، وشبيه ذلك ما يقوم به الناس من الإعراض عما يملكون.

ويبدو أن رأي العلامة الطباطبائي قدس سره، في دفع المال للفقراء من هذا النوع أيضاً، فالموصي لا يقصد فقيراً بعينه، بل يريد أن يخرج الشيء من ملكه إلى الفقراء، ولذلك لم يعتبر فيه القبول، ومن هنا فلو ردّ الفقير أو متولي المسجد، لم يرجع المال إلى مال الورثة -كما قال البعض- لأنه قد أخرجه من ملكه بالوصية إلى الجهة المعينة، بل ولا حق للمتولي لأمر الفقراء بأن يرد المال، لأنه متولٍ في توزيع المال لا في أصل كونه للفقراء أم لا، ومثله متولي الأخماس والزكوات وما أشبه.

وأما ما قيل بأن المسجد والحسينية وما أشبه من الجهات الحقوقية تملك، -بعد كون الملكية إعتبارٌ عرفي، فإذا إعتبر العرف ملكية الجهة الحقوقية صحّ، كما في ملكية الجهة الحقيقية- غير واضحٍ تماماً، فالجهة الحقوقية بذاتها لا تملك، فالشركة تملك بإعتبارها ممثلة للشركاء، والدولة تملك بإعتبارها ممثلة للشعب، والمسجد يملك ولكن بإعتبار أن المسجد لله، أما أن الجدارن تملك فغير تامٍ.

وعلى كل حال، فإن كلام العلامة الطباطبائي قدس سره، في مسألة الإيصاء إلى الجهات متينٌ، قال: " و يختص بما إذا كان لشخص معين أو أشخاص معينين و أما إذا كان للنوع أو للجهات كالوصية للفقراء و العلماء أو للمساجد فلا يعتبر قبولهم أو قبول الحاكم فيما للجهات و إن احتمل ذلك أو قيل ودعوى أن الوصية لها ليست من التمليكية بل هي عهدية وإلا فلا يصح تمليك النوع أو الجهات، كما ترى (لصحة تمليك النوع أو الجهة) وقد عرفت سابقا قوة عدم اعتبار القبول مطلقاً وإنما يكون الرد مانعاً، وهو أيضا لا يجري في مثل المذكورات فلا تبطل برد بعض الفقراء‌ مثلاً[2] (فلا تبطل الوصية برد بعض الفقراء، حتى لو كان الفقير واحداً وردّها، فلا تبطل الوصية، وتعليل ذلك أن هذا إخراجٌ للملك ورفعٌ لليد وتحريرٌ، لا أن يكون تمليكاً بالمعنى الأخص للتمليك).

والخلاصة: إذا كانت الوصية من نوع التحرير حتى لو كانت تمليكية، فلسنا بحاجة إلى قبول الطرف الآخر لصحة الوصية، لأن الموصي أعطى لله سبحانه، والطرف الأخر مصداقٌ للعنوان، فإذا ردّ دفع إلى غيره.

 


[1] أنظر: الفقه: ج61، ص82.
[2] العروة الوثقى: ج2، ص886.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo