< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/01/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسائل الوصية: تبعّض القبول/ تصرّف الورثة في الموصى به

مسألة: تبعّض القبول

إذا أوصى الموصي بشيءٍ، فقد يكون هذا الشيء متشعباً إلى جملة أشياء، كما لو قال أوصي بداري وسيارتي ومحلي لفلانٍ، لكن الموصى له فقبِل بالبعض ورفض البعض، فهل تتبعض الوصية لتبعض القبول؟ وكذا لو كان الموصى به شيئاً واحداً -كداره- إلا أن الموصى له قبِل ببعضه فقط، وهذا الأمر -أي تبيعض الصفقة- قد يحدث في أغلب العقود كالبيع والإجارة وما أشبه، كما لو قال الموجب: بعتك البيدر، وقال القابل: قبلت نصفه.

نعم، للموجب أن يرفض القبول الجزئي، فيحصر إيجابه بالكل وبما هو مجموع، ولا نرى أن الوصية تشذ عن سائر العقود في هذا الأمر، بعد أن قلنا أنها عقدٌ من العقود، حيث يمكن للقابل أن يقبل ببعض الموصى به، كما يمكن للموصي أن يكون مراده الجمع كله، لا أبعاضها، فللموصى له أن يقبل الجميع أو يردّه كذلك.

قال العلامة الطباطبائي قدس سره: " لو أوصي له بشيئين بإيجابٍ واحد (كداره ومحله) فقبل الموصى له أحدهما دون الآخر، صح فيما قبل وبطل فيما رد،‌ وكذا لو أوصي له بشي‌ء فقبل بعضه مشاعاً أو مفروزاً ورد بعضه الآخر، و إن لم نقل بصحة مثل ذلك في البيع و نحوه بدعوى عدم التطابق حينئذٍ بين الإيجاب و القبول (حيث قيل[1] بعدم صحة التبعيض في البيع وغيره، لإشتراط التطابق بين الإيجاب والقبول)، لأن مقتضى القاعدة الصحة في البيع أيضاً، إن لم يكن إجماع (على عدم صحة تبعيض الصفقة في البيع) و دعوى عدم التطابق ممنوعة، نعم لو علم من حال الموصي إرادته تمليك المجموع من حيث المجموع لم يصح التبعيض‌"[2] .

وهكذا يفرّق العلامة الطباطبائي قدس سره، بين الوصية وسائر العقود -كالبيع-، حيث يرى كفاية إيجاب الموصي لتحقق الوصية ما لم يكن ردٌ من قبل القابل، وبتعبير آخر فإن القبول شرطٌ لا جزءٌ في الوصية خلافاً لسائر العقود، ولذلك يقول: نحن وإن قلنا بعدم جواز تبعض الصفقة في سائر العقود، فنحن نقول بإمكان ذلك هنا، ولكنه يردف القول بصحة التبعّض في مثل البيع أيضاً، إلا أن تكون إرادة الموجب بالمجموع، وصحيحٌ أن التطابق بين الإيجاب والقبول لم يحصل في المقام بالدلالة المطابقية، ولكنه حصل بمقتضى الدلالة التضمنية.

 

مسألة: التصرف في الموصى به

إذا أوصى رجلٌ ببيته لشخصٍ، ومات الموصي، فهل يجوز التصرف في ما أوصى به، قبل دفعه للموصى له، سواءاً كان ذلك بعد قبوله، أم قبل ذلك؟

قال العلامة الطباطبائي قدس سره: "لا يجوز للورثة التصرف في العين الموصى بها قبل أن يختار الموصى له أحد الأمرين من القبول أو الرد (فإذا قبِل الموصى له فقد خرج من ملكهم ودخل في ملكه ، ولكن إذا تأخر الموصى له في القبول أو الرد فهل لهم أن يستعجلوه في القبول أو الرد؟) وليس لهم إجباره على إختياره أحدهما معجلاً، إلا إذا كان تأخيره موجباً للضرر عليهم، فيجبره الحاكم حينئذٍ على إختيار أحدهما"[3] .

وهنا أمورٌ لابد من ذكرها:

هذه المسألة وما شابهها من مسائل، مثل ما لو توفى الموصي وله ورثةٌ صغارٌ، وتم صرف شيءٍ من تركته على مصارف الدفن والتأبين، فهل يمنعون من ذلك لعدم العلم برضا الورثة الصغار؟

وكذلك لو مات وبذمته حقوقٌ شرعية، فهل يمنع الورثة من التصرف في التركة حتى يتبين لهم مقدار ما بذمته للناس أو لله سبحانه؟

وهذا البحث بحاجة إلى تفصيل، وهو أن الموصي لا يريد بوصيته الإضرار بورثته، ولذلك فإنه يشترط في وصيته ضمناً بعدم إضرار وصيته بورثته، فكأن العرف يرى بأنه أوصى بداره للموصى له، على أن يأخذها بعد إنتقال ورثته منه بدون تضررهم، وكذا الأمر في دفعهم للحقوق الشرعية المتعلقة بذمته، حيث يمكن للحاكم الشرعي أن يعطي فرصةً لدفعها.

ومن هنا، علينا أن نحكّم سائر القيم الدينية في مثل هذه الحالات، كما نجد تأكيد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله على حقوق الورثة، فعن مسعدة قال: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ تُوُفِّيَ وَ لَهُ صِبْيَةٌ صِغَارٌ، وَ لَيْسَ لَهُمْ مَبِيتُ لَيْلَةٍ، تَرَكَهُمْ يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَ قَدْ كَانَ لَهُ سِتَّةٌ مِنَ الرَّقِيقِ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُمْ، وَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُمْ عِنْدَ مَوْتِهِ.

فَقَالَ لِقَوْمِهِ: «مَا صَنَعْتُمْ بِهِ»؟

قَالُوا: دَفَنَّاهُ.

فَقَالَ: «أَمَا إِنِّي لَوْ عَلِمْتُهُ مَا تَرَكْتُكُمْ تَدْفِنُونَهُ مَعَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، تَرَكَ وُلْدَهُ صِغَاراً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ»[4] .

وأساساً جعل الله سبحانه الإرث، وحدّد صلاحية المرء في ثلث ماله، لينتفع بها الورثة بعده بتركته.

وهكذا علينا أن نحكّم القيم العليا في الشريعة في مجال تطبيق الأحكام الشرعية.

 


[1] قال المرجع الحكيم قدس سره، في المستمسك: ج14، ص550: " لأنه مع عدم التطابق بين الإيجاب و القبول لا يصدق العقد عرفاً، و لا البيع، و منع عدم التطابق غير ظاهر، لأنه مبني على تحليل الإيجاب إلى إيجابات، و قد عرفت منعه. [المقرر].
[2] العروة الوثقى: ج2، ص881.
[3] المصدر.
[4] قرب الإسناد: ص63.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo