< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/01/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: زمان قبول الوصية – وجوب المبادرة إلى إفراغ الذمة

 

صحة القبول قبل الوفاة

قلنا بأن الوصية تفتقر إلى قبول الموصى له، سواءاً بتصريحه أو بعدم ردّه بما يراه العرف قبولاً، ولكن أشكل البعض في كون هذا القبول سابقٌ للإيجاب، وذلك لأن القبول إنما هو إستجابةٌ للإيجاب، وما دامت الوصية ترتبط بما بعد الموت، فلا يصح القبول قبل الموت، لأنه قبولٌ قبل الإيجاب.

وأجاب العلامة الطباطبائي عن هذا الإشكال، بأن طبيعة الوصية الإنشاء لما بعد الموت، فقبول الوصية بعد صدورها من الموصي تعني قبول هذا الإنشاء الموجود، وبذلك يتحقق الإيجاب والقبول.

ونضيف إلى ما أفاده قدس سره، بأن الإيجاب والقبول من الإعتبارات، فليست كالحقائق الخارجية، ولذلك فهي ترتبط بالعرف الذي يقبل كهذه الصور، ولذلك قلنا بعدم الإشكال بتقدم القبول على الإيجاب في سائر العقود، لأنه إعتبارٌ يقّره العرف، ولم ينهَ عنه الشرف المقدس.

وهذه المسألة من المسائل السيّالة، إذ لابد أن نقيس الإنشاءات بالإعتبارات لا بالقضايا الخارجية.

 

الوصية بإقتراب المنيّة

إذا أحس الإنسان بقرب منيته، بأيّ طريقٍ من الطرق، فعليه أن يبادر إلى إفراغ ذمته بأداء حقوق الناس عليه، وإن لم يقدر على تأديتها وجب عليه كتابتها في وصيته، وكذلك الأمر فيما يرتبط بحقوق الله سبحانه عليه، سواءاً المالية كالخمس والزكاة والنذر وما أشبه، أو غير المالية كالحج والصلاة والصيام، فبقرب الموت يتضيق عليه الوجوب، ولا يجوز له التأخير، وذلكم كما في تعيّن قضاء شهر رمضان الفائت قبل شهر رمضان القادم إذا تضيّقت الأيام، وكذلك في كل أمرٍ موسّع ضاق زمان أداءه.

والمسألة واضحةٌ، إلا أنها من المسائل التي تفتح منها أبوابٌ كثيرة، إذ لابد من تفصيل الحديث عن كيفية أداء الواجبات، من القيام بالمقدمات الموصلة إلى أداءها، لئلا يكون المرء مفوّتاً للمقدمات، ومن ثم يعجز عن أداء تكليفة.

وعموماً يجب تحقيق الواجب بأية وسيلةٍ ممكنة، وذلك كما هو الحال في الأمور الحياتية الضرورية للإنسان، حيث يهيء الوسائل لأداء الأموار الضرورية، فلابد أن يهيء المكلّف الوسائل الموصلة إلى تحقيق التكاليف الإلهية، قال الله سبحانه: ﴿وَ لَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً﴾[1] .

فمنهجية أداء الواجبات أمرٌ مهم، ولابد من بيانها لكيلا يقصّر المكلف في أداء ما فرض الله عليه، وفيما نحن فيه، فعلى المكلف أن يبادر إلى أداء ما في ذمته، وإن لم يتمكن من ذلك أوصى به، حتى لو لم تكن تركته تكفي للوفاء بدينه.

قال العلامة الطباطبائي قدس سره:" تتضيق الواجبات الموسعة بظهور أمارات الموت‌مثل قضاء الصلوات و الصيام و النذور المطلقة و الكفارات و نحوها فيجب المبادرة إلى إتيانها مع الإمكان و مع عدمه يجب الوصية بها سواء فاتت لعذر أو لا لعذر، لوجوب تفريغ الذمة بما أمكن في حال الحياة، و إن لم يجز فيها النيابة (كالصلاة التي لا يجوز فيها النيابة حال الحياة) فبعد الموت تجري فيها، يجب التفريغ بها بالإيصاء، و كذا يجب رد أعيان أموال الناس التي كانت عنده كالوديعة و العارية و مال المضاربة و نحوها، ومع عدم الإمكان يجب الوصية بها، وكذا يجب أداء ديون الناس الحالة و مع عدم الإمكان أو مع كونها مؤجلة يجب الوصية بها إلا إذا كانت معلومة أو موثقة بالإسناد المعتبرة (لعدم تأثير الوصية حينئذٍ في إثباتها) وكذا إذا كان عليه زكاة أو خمس أو نحو ذلك فإنه يجب عليه أداؤها أو الوصية بها و لا فرق فيما ذكر بين ما لو كانت له تركة أو لا، إذا احتمل وجود متبرع أو أداؤها من بيت المال‌"[2] .

 


[1] سورة التوبة: الآية 46.
[2] العروة الوثقى: ج2، ص879.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo