« قائمة الدروس
الأستاذ السید منیر الخباز
بحث الأصول

46/05/20

بسم الله الرحمن الرحيم

 مبحث الأوامر

الموضوع: مبحث الأوامر

 

الكلام في الواجب المعلق والمنجز

والبحث فيه في عدة جهات في حقيقته وإمكانه وعرض صغرياته ومقوماته.

الجهة الأولى: في حقيقة الواجب المعلق

ذكر صاحب الفصول رحمه الله في الفصول الغروية[1] أربعة أمور:

الأمر الأول: في بيان حقيقة الواجب المعلق

إن القيد الملحوظ إما أن يكون شرطا للوجوب بحيث لا فعلية له قبل فعلية القيد، وهو الواجب المشروط كما في اشتراط وجوب الحج بالاستطاعة، حيث لا فعلية لوجوب الحج قبل فعلية الاستطاعة، وإما أن لا يكون الوجوب مشروطا به فهو فعلي قبل فعلية القيد ، وهذا هو الواجب المطلق نظير وجوب المعرفة ، ووجوب الوفاء بالنذر إذا كان النذر مطلقا، وحينئذ فالواجب - وهو متعلق الوجوب - إما أن لا يتوقف حصوله على أمر غير مقدور أو يتوقف حصوله عليه، فإن لم يتوقف حصوله على أمر غير مقدور - كما في الصلاة بالنسبة إلى شرائطها كالطهارة والاستقبال والاطمئنان ونحو ذلك - فهو الواجب المنجز، وإن توقف حصوله على أمر غير مقدور فهو الواجب المعلق، نظير توقف الإتيان بالحج على مجيء اليوم التاسع من ذي الحجة مع فعلية وجوب الحج من حين زمان الإستطاعة، أو توقف الإتيان بالصوم على طلوع الفجر، والسر في أنه من الواجب المعلق انفكاك زمان الوجوب عن زمان الواجب، حيث إن وجوب الحج فعليّ بمجرد فعلية الاستطاعة، ولو كانت الاستطاعة قبل زمان الحج بشهرين، ولكن الواجب - وهو الحج - لا يمكن الإتيان به قبل التاسع من ذي الحجة، وكذلك صوم شهر رمضان، فإن وجوبه فعلي بمجرد رؤية الهلال، ولكن الواجب - وهو الصوم - لا يكون إلا عند طلوع الفجر، فانفكاك زمان الوجوب عن زمان الواجب بسبقه له نتيجة توقف الواجب على أمر غير مقدور كالوقت هو عبارة عن الواجب المعلق.

الأمر الثاني: في دفع الإشكالات الواردة على الواجب المعلق

ويمكن تحليلها لثلاثة إشكالات:

الإشكال الأول: أنه إذا توقف فعل الواجب على أمر غير مقدور امتنع تحقق الوجوب قبله، فإنه لو كان الوجوب فعليا قبل فعليته لزم أحد محذورين، فإنه إذا لوحظ الوجوب الفعلي بالنسبة إلى تقيد الحج باليوم التاسع فإما أن يكون تقيد الحج باليوم التاسع مطلوبا بالفعل أو لا، فإن كان مطلوبا بالفعل من حين حصول الاستطاعة لزم التكليف بغير المقدور لأن التكليف في شهر شوال مثلا بالحج المتقيد باليوم التاسع من ذي الحجة فعلا تكليفٌ بغير المقدور لكون القيد غير مقدور، وإما أن يكون تقيد الحج باليوم التاسع غير مطلوب، فهذا خلف القيد إذ المفروض أن القيد قد أخذ في دليل الحكم، فلا يتصور أن يكون الواجب هو الحج بغض النظر عن التقيد، والنتيجة أن فعلية وجوب الحج قبل زمانه ممتنعة، لأن الوجوب الفعلي إما أن يتعلق بالتقيد وهو غير مقدور وإما أن لا يتعلق به وهو خلف أخذ القيد في دليل الحكم، وحيث إن فعلية الوجوب قبل زمان الواجب مستلزمة لأحد أمرين فاسدين كانت ممتنعة .

وأجاب في الفصول: أن الوجوب فعلي وإن لم يكن الواجب فعليا، وأن متعلق الوجوب هو تقيد الواجب - وهو الحج - بالقيد الزمني، إلا أن المتعلق للوجوب ليس تقيد الواجب بالقيد بالفعل كي يلزم التكليف بما لا يطاق، أي: ليس زمان الوجوب والواجب فعليا وإنما متعلق الوجوب هو الواجب في ظرفه لا الواجب بالفعل، نظير تكليف الإنسان الكائن في دار مغصوبة بعد دخول الوقت بالصلاة خارج الدار حيث لاشك في إمكانه مع انفكاك ظرف الوجوب عن ظرف الواجب فالزمن السابق ظرف للوجوب فقط والزمن اللاحق ظرف لهما معا .

الإشكال الثاني: وهو مبني على ملاحظة النسبة بين وجوب الحج وبين قيدٍ آخر غير القيد الزمني - التاسع من ذي الحجة-، وهو إدراك المكلف لزمن الواجب حيا عاقلا قادرا، فيقال: إذا كان وجوب الحج فعليا قبل زمان الواجب ولاحظنا النسبة بين الوجوب وبين إدراك المكلف لزمان الحج عاقلا قادرا، فإما أن يكون الوجوب مشروطا بذلك، فلا فعلية لوجوب الحج إلا بفعلية حياة المكلف وعقله وقدرته في اليوم التاسع، وهو خلف دعوى انفكاك زمان الوجوب عن زمان الواجب، وإما أن لا يكون الوجوب مشروطا بكون المكلف حيا عاقلا في التاسع من ذي الحجة، فلازمه التكليف بما لا يطاق، فإن إلزام المكلف بالحج المتقيد بيوم التاسع من ذي الحجة مع عدم توفر الشرائط المذكورة فيه تكليف بما لا يطاق.

وأجاب عنه بأن الوجوب منوط بكون المكلف عاقلا حيا يوم التاسع من ذي الحجة، ولكن هذه الإناطة بنحو الكاشفية، بمعنى أنه إن أدرك المكلف اليوم التاسع من ذي الحجة حيا عاقلا مستطيعا انكشف أن الوجوب فعلي منذ يوم الاستطاعة، لا أن فعلية الوجوب منوطة بفعلية الشرط، فيكفي في فعلية الوجوب من حين الإستطاعة مجرد حصوله ولو في المستقبل بلا حاجة لسبق الشرط أو مقارنته له .

و بذلك يتبين الفرق بين الواجب المعلق والواجب المشروط، فإن الواجب المشروط ما كان فيه الوجوب مشروطا بالقيد بحيث لا فعلية للوجوب إلا بفعلية القيد، نظير تقيد وجوب الحج بالاستطاعة، حيث لا فعلية لوجوب الحج قبل فعلية الاستطاعة، وأما الواجب المعلق فالشرط فيه شرط للفعل لا للوجوب - كتوقف الإتيان بالحج على حضور زمانه -، فهناك فرق عرفي بين قول المولى: (إذا حان يوم الجمعة فزر والديك) وبين قوله: (زر والديك يوم الجمعة) فإن اللسان الأول لسان الوجوب المشروط، أي: لا فعلية للأمر إلا في يوم الجمعة، ولسان الثاني لسان الواجب المعلق، بمعنى أن الوجوب فعلي من الآن، ولكن المأمور به هو زيارة الوالدين يوم الجمعة.

الإشكال الثالث: إن فعلية الوجوب قبل فعلية الواجب لغو، أي أن انفكاك زمان الوجوب عن زمان الواجب بسبقه عليه لغو.

قلت: لا لغوية فيه عرفا، بل له نظير بحسب العرف العقلائي في الواجب المطلق، كما لو توقف الواجب الفعلي على مقدمات مقدورة، كما إذا دخل الوقت فوجبت الصلاة، لكنها متوقفة على الذهاب إلى مكان الوضوء والتوضؤ وتوفير الشرائط الأخرى من طهارة اللباس وحلية الساتر ونحو ذلك، مع أن تحصيل هذه المقدمات يحتاج إلى وقت يفصل بين زمان الوجوب وزمان الواجب ، وإلا لو كان سبق زمان الوجوب على الواجب لغوا لورد الإشكال بأن وجوب الصلاة إما أن يكون معلقا على المقدمات بأن لا فعلية للوجوب قبل الإتيان بالمقدمات فيكون الوجوب مشروطا وهذا خلف، وإما أن يكون الوجوب فعليا الا أن المطلوب هوالصلاة المتصفة بهذه المقدمات بالفعل كي لا ينفك زمان الواجب عن زمان الوجوب ، ولازمه التكليف بما لا يطاق، فكما أن الوجوب للصلاة فعلي وإن انفك زمان الواجب عن زمان الوجوب نتيجة توقف الواجب على مقدمات مقدورة، فكذلك الأمر في الواجب المعلق، حيث إن الوجوب فيه فعلي وإن كان الواجب متوقفا على مقدمة غير مقدورة، وهي فعلية اليوم التاسع من ذي الحجة.

الأمر الثالث: إن صاحب الفصول عمم مافي الواجب المعلق من نكتة إناطة الوجوب بإدراك المكلف زمن الواجب واجدا للشرائط على نحو الكاشفية لما إذا كان القيد مقدورا، ولكنه أخذ في دليل الحكم على نحو الوجود الإتفاقي وليس مما يجب تحصيله، مثلا لو قال المولى للمكلف: يحرم عليك ركوب السيارة المغصوبة، ولكن لو ركبت السيارة المغصوبة ووصلت إلى مكة فعليك أداء الحج المنذور، فإن ركوب السيارة المغصوبة قيد مقدور للمكلف لكن المولى لم يطلب تحصيله، وإنما أخذه في الدليل على نحو الوجود الاتفاقي، فإن ركوب السيارة المغصوبة محرم، ولكن لو حصل الركوب اتفاقا - لعصيان أو غفلة أو جهل -كشف عن كون الوجوب ثابتا من حين النذر لا من حين ركوب السيارة المغصوبة.

الأمر الرابع: في ثمرة الواجب المعلق

وهي وجوب المقدمات المفوتة، فقد وقع البحث بين الأعلام في كيفية تخريج لزوم الإتيان بالمقدمات المفوتة مع عدم حضور زمان الواجب؟ حيث كان بمرتكزهم لزوم الاتيان بالمقدمات التي يتوقف أداء الواجب عليها في ظرفه لكن الوجه في ذلك غير واضح ، فهنا ذهب صاحب الفصول إلى اختراع فكرة الواجب المعلق لتخريج وجوبها بدعوى أن الوجوب فعلي من يوم الاستطاعة وإن كان الواجب استقباليا، ولذلك وجب إعداد المقدمات التي لو لم يقم بها لفات الواجب في ظرفه .

هذه خلاصة الكلام الذي أفاده صاحب الفصول قدس سره.


[1] ص79 - 80.
logo