« قائمة الدروس
الأستاذ السید منیر الخباز
بحث الأصول

46/05/07

بسم الله الرحمن الرحيم

 مبحث الأوامر

الموضوع: مبحث الأوامر

 

المطلب الثاني: أن هناك فرقا بين لوازم الماهية ولوازم الوجود، كما أن لازم الوجود نوعان فقد يكون لازم الوجود محضا وقد يكون ناشئا عن خصوصية في الماهية.

وبيان ذلك أن الإنسان - كما يقال - حيوان ناطق، ومن لوازم ماهيته أنه متعجب، فإن التعجب من لوازم كونه ناطقا، ومن لوازم وجوده القدرة والعلم والحركة، لامن لوازم ماهيته، كما أن للعرض مثلا لازما للماهية ولازما للوجود ، فلازم ماهية العرض- كالقيام مقابل القعود والنوم- أنها من أحوال جسم الإنسان ، ولازم وجود العرض تقومه بالوجود في موضوع ، فالعرض بلحاظ ماهيته معنى إسمي نفسي مستقل في التصور ، وهو بلحاظ وجوده معنى غيري ، مما يكشف عن الفارق بين حال الماهية وحال الوجود، ولأجل الفرق بين لوازم الوجود ولوازم الماهية صح أن يقال: إن الاستقلالية والآلية في اللحاظ ليست من لوازم المعنى بل من لوازم وجوده في عالم الاستعمال، أي أن المعنى في حد ذاته بما هو ماهية لا يتصف بالآلية والاستقلالية اللحاظيين، وإنما يتصف بالآلية والاستقلالية في عالم الوجود في ظرف الاستعمال، ولذلك قد يتصف المعنى الإسمي بالآلية، ولا ينحصر هذا بالمعنى الحرفي، فمثلا: عنوان الإمكان وعنوان الامتناع - كما في قولنا: (الإنسان ممكن، وشريك الباري ممتنع) - من المعاني الإسمية، ولكنها قد تتحول في عالم التفهيم إلى معاني آلية، ففي قولنا: (الإنسان ممكن) تكون كلمة (ممكن) عنوانااستقلاليا مقابل عنوان الامتناع والوجوب، ولكن لم يقصد في عالم التفهيم تفهيم الإمكان بل أريد تفهيم أن الوجود الإنساني نحو وجود إمكاني، أي أن قولنا: (الإنسان ممكن) مشير إلى أن الإنسان وجود فقري، مما يعني أن الإمكان قد لوحظ بنحو الآلية لا الاستقلالية، حيث قصد به بيان حال وجود الإنسان، وهذا يرشد إلى أن الآلية والاستقلالية ليست من لوازم الماهية وذاتيات المعنى، بل هي من لوازم الوجود ومقتضياته، ويترتب على ذلك أثران :

الأثر الأول: أنه لو انحصر الفرق بين المعنى الحرفي والمعنى الاسمي بالآلية والاستقلالية في اللحاظ لكان الحق مع مبنى صاحب الكفاية قدس سره في حقيقة المعنى الحرفي، لأن الآلية والاستقلالية من شؤون عالم الوجود - أي: الإستعمال - لا الماهية، ولكان الحق أن الوضع في الحروف عام والموضوع له عام، وأن (من) والابتداء موضوعان لماهية واحدة، غاية ما في الباب أن هذه الماهية في عالم الاستعمال إن لوحظت استقلالا انتزع منها المعنى الاسمي وإن لوحظت آليا انتزع منها المعنى الحرفي.

الأثر الثاني: أنه بناءً على كون الآلية والاستقلالية من شؤون عالم الاستعمال لا من شؤون الماهية في نفسها يرتفع الإشكال الذي ذكره سيد المنتقى قده ، وحاصله : أن الربط المستفاد من الجملة الشرطية لو كان بين الجزاء والشرط للزم اجتماع اللحاظ الآلي والاستقلالي في الجزاء، وبيان ذلك: أن المولى إذا قال: ( زر الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، وليكن السير من النجف إذا زرت أمير المؤمنين عليا عليه السلام) فمؤدى الجملة الشرطية هو الربط بين نسبتين، وهما النسبة الإبتدائية والنسبة الشرطية، ولازم عود الربط - الذي هو معنى حرفي آلي - للنسبة الإبتدائية في الجزاء اجتماع اللحاظين الآلي والإستقلالي فيها وهو محال، فإن مقتضى كون الربط على نحو الآلية لطرفيه لحاظ الطرفين ومنهما النسبة الإبتدائية على نحو الإستقلالية ، ومقتضى كون النسبة الإبتدائية معنى حرفيا لحاظها على نحو الآلية، ونتيجة ذلك اجتماع اللحاظين في النسبة، وجواب ذلك أن اجتماعهما بلحاظين لا بلحاظ واحد كي يكون ممتنعا، أي: أن النسبة الابتدائية في (ليكن السير من النجف) - إذا لوحظت بالنسبة إلى طرفيها وهما السير والنجف - فهي ملحوظة باللحاظ الآلي، وإذا لوحظت بما هي متقومة بطرفيها مقيسة للربط المستفاد من الجملة كانت ملحوظة باللحاظ الاستقلالي،وبهذا اللحاظ ورد القيد عليها - وهو ربطها بزيارة أمير المؤمنين عليه السلام - أو فقل : إن النسبة الواحدة بلحاظ طرفيها ملحوظة بلحاظ آلي، وهي بلحاظ أنها قد فرغ عن تقومها بطرفيها - ملحوظة بلحاظ استقلالي بحيث يرد القيد عليها، ولا مانع من اجتماع الآلية والإستقلالية بلحاظين مختلفين .

وقد يكون لازم الوجود ناشئا عن خصوصية في الماهية، مثلا: إذا قيل: (الإنسان - الذي هو حيوان ناطق - من شؤون وجوده قابليته للتعلم) فإن القابلية للتعلم من لوازم الوجود ولكنها صفة ناشئة عن خصوصية في الماهية وهي خصوصية الناطقية، إذ لولا كون الإنسان ناطقا لما كان من شأنه أن يتعلم، فهو لازم للوجود ناشئ عن فصل الماهية .

وبناء على ذلك تتضح ماهية المعنى الحرفي ونسبتها لخصوصية الوجود، فقد أفاد المحقق الإصفهاني أعلى الله مقامه[1] أن الفارق الأساسي بين المعنى الحرفي والمعنى الاسمي: أن المعنى الاسمي هو الماهية التامة التي تقبل الوجود النفسي، أي: الوجود بإزاء نفسها كماهية الإنسان مثلا، والمعنى الحرفي هو الماهية الناقصة، ولأجل نقصها في ذاتها لا تقبل الوجود النفسي بحيث لو وجدت لوجدت متقومة بالطرفين، وبالتالي فتقوم وجودها بالطرفين مبرز لأحكامها ومظهر لأحوالها، أي أن حقيقة الماهية لما كانت النقص وعدم قبول الوجود النفسي كان وجودها متقوما بالطرفين مظهرا لحقيقتها .

المطلب الثالث: إن ما ذكره الأعلام - ومنهم المحقق الإصفهاني قدس سره - من أن الوضع في الحروف من باب الوضع العام والموضوع له الخاص، مما لا معنى له إلا بقابلية المعنى الحرفي للخطور، أي: لو لم يكن المعنى الحرفي قابلا للخطور لم يتحقق الوضع العام والموضوع له الخاص.

وبيان ذلك أنه إذا قيل: أن (من) موضوعة للنسبة الابتدائية الناقصة في حد ذاتها التي لا تقبل الوجود النفسي، فهذا العنوان لو لم يكن مشيرا لتلك النسب الابتدائية الجزئية - بين النجف وكربلاء وبين البيت والحرم - لما كان الوضع عاما والموضوع له خاصا، لأن الموضوع له الخاص يعني أن يتصور الواضع عنوانا إجماليا ويضع اللفظ بإزاء المعنون التفصيلي لهذا العنوان الإجمالي، كما إذا قال: (وضعت لمن يولد في يوم الغدير اسم علي) فإنه عنوان إجمالي مشير إلى كل مولود مولود، فكذلك عنوان النسبة الابتدائية الناقصة التي لا تقبل الوجود النفسي عنوان إجمالي مشير إلى أفراد النسب الابتدائية في الذهن، ولو لم يكن مشيرا لها لما صح الوضع، فالنسب الابتدائية الوجودية قابلة للخطور بالعنوان الإجمالي كأي عنوان إجمالي آخر يشير إلى تفاصيل ومعنونات تفصيلية.

وقد ذكر المحقق الإصفهاني قدس سره[2] أن علاقة المشير بالمشار إليه قد تكون علاقة المفهوم بمصداقه وقد تكون علاقة العنوان بالمعنون، ومثل لذلك بمثالين: فمثلا إذا تصورنا الإنسان مشيرا لأفراده فهذا من علاقة المفهوم بمصداقه، وإذا تصورنا العدم مشيرا لحقيقة العدم فليس من علاقة المفهوم بمصداقه إذ لا مصداق للعدم وإلا لما كان عدما، وإنما عنوان العدم مشير إلى حقيقته من باب إشارة العنوان للمعنون، بمعنى أن الذهن البشري إذا أدرك حيثية الوجود أدرك حيثية البطلان والانتفاء، وهذا المعنى الذي هو عبارة عن السلب والانتفاء يشير إليه بعنوان العدم، لا من باب إشارة المفهوم لمصداقه بل من باب إشارة العنوان للمعنون .

والحاصل أن عنوان النسبة الابتدائية الناقصة التي لا تقبل الوجود النفسي قابل لأن يكون إخطارا لتلك النسب الوجودية من باب خطور الشيء بعنوانه الإجمالي.


[1] نهاية الدراية ج1 ص55.
[2] نهاية الدراية ج1 ص53.
logo