46/05/06
مبحث الأوامر
الموضوع: مبحث الأوامر
الأمر الثاني : ما أفيد في تقرير مبنى سيدنا الخوئي قدس سره من أن المعنى الحرفي وضع لتضييق المعاني الاسمية، بمعنى أن المعاني الاسمية لها لحاظان: لحاظ اللابشرطية ولحاظ البشرط، فمثلا الصلاة لها لحاظان: لحاظ أنها لا بشرط وهي الصلاة المطلقة، ولحاظ الصلاة في المسجد - كما إذا قيل: الصلاة في المسجد مستحبة، أو الصلاة قائما واجبة، وهذه الصلاة الضيقة - مما يعني أن دور المعنى الحرفي تحصيص المعنى الاسمي وتضييقه، فإن التعقيب بالحرف - كقولنا: الصلاة في المسجد - أو الهيئة - كقولنا: - الصلاة قائما - يضيق ويحصص المعنى الاسمي بحصة خاصة.
الأمر الثالث: ما أفاده سيد المنتقى قدس سره[1] بأنه بناء على هذا المبنى فإن المعنى الحرفي لا يقبل الربط والتقييد، حيث إن الوضع للحرف لم يقع بإزاء مفهوم التضييق لأنه من المعاني الإسمية ، وإنما هو بإزاء واقع التضييق ، والمصداق الوجودي من التضييق ليس له سعة لغير ذلك كي يكون قابلا للتقييد أو الربط.
والنتيجة أن المعنى الحرفي على جميع المباني لا يقبل التقييد والربط، ومقتضى ذلك عدم رجوع القيد إلى المعنى الحرفي بل إلى المعنى الاسمي.
هذا ما قرره سيد المنتقى قدس سره الشريف في تحرير الإشكال على اختلاف المباني في حقيقة المعنى الحرفي.
والتأمل في ذلك تارة في المبنى وأخرى في البناء، فهنا جهتان:
الجهة الأولى: في المناقشة المبنائية.
هل أن ما عرضه سيد المنتقى قدس سره من تحقيق المعنى الحرفي على ضوء مباني المحققين النائيني والإصفهاني والسيد الخوئي قدهم تام أم لا .
ومن أجل بيان ذلك فهنا عدة مطالب:
المطلب الأول: كرر سيد المنتقى قدس سره الشريف[2] أن المعنى الحرفي في مبنى المحققين ليس من سنخ المفاهيم أصلا بل هو من سنخ الوجود، كما ذكر[3] أن المعنى الحرفي من سنخ الوجود فلا يقبل الخطور والتصور، وأفاد عند عرضه لمبنى المحقق الإصفهاني أن المعنى الحرفي من سنخ الوجود الرابط وإن كان ربطا ذهنيا، فلذلك لا يقبل التصور.
إلا أن السيد الصدر قدس سره عند بحثه حول حقيقة المعنى الحرفي واختياره لمبنى المحقق النائيني قدس سره - في خصوص النسب الأولية: وهي النسب الخارجية كالظرفية والابتداء والإستعلاء[4] - أفاد بأن الماهيات على قسمين:
القسم الأول: الماهية التي لها تقرر ماهوي استقلالي،وهي الماهية التي يكون لها وجودان: وجود ذهني ووجود خارجي، كماهية الإنسان والدار، فإن الإنسان له وجود خارجي ووجود ذهني، والدار كذلك، والسر في ذلك أن هناك جامعا ذاتيا بين الوجود الذهني والوجود الخارجي، أي: أن هناك جامعا بين هاتين الحصتين: الإنسان في الخارج والإنسان في الذهن، وهذا الجامع هو الحيوان الناطق مثلا، كالجامع بين الأفراد الخارجية للإنسان، ولأن هناك جامعا ذاتيا حقيقيا بين أفراد الإنسان فلذلك يكون لمفهوم الإنسان : تقرر ماهوي استقلالي.
القسم الثاني: الماهية التي ليس لها تقرر استقلالي، والسر في ذلك أنها لنقصانها الذاتي يستحيل أن يكون لها وجود ذهني وهو الوجود اللحاظي التصوري، لأن ذلك متفرع على وجود جامع ذاتي بين أفرادها وهو غير معقول كما سبق بيانه، فلا يعقل أن يكون لها وجودان: خارجي وذهني، وإذا لم يكن لها وجودان فليس لها تقرر ماهوي استقلالي
وبيان ذلك أننا إذا تصورنا: (الإنسان في الدار) فالإنسان ماهية استقلالية والدار كذلك، وأما (في) المنبئة عن ظرفية الدار للإنسان فهذه الماهية ليس لها تقرر استقلالي في الذهن، لأنه لا يوجد جامع ذاتي بين النسب، فإن النسبة الخارجية وهي ظرفية الدار للإنسان متقومة بطرفين: وهما الوجود الخارجي للإنسان والوجود الخارجي للدار، والنسبة في الذهن بين مفهوم الإنسان ومفهوم الدار مغايرة للنسبة الخارجية، لأن النسبة الموجودة في الذهن ربطٌ بين المفهوم للإنسان والمفهوم للدار وليس ربطا بين وجود الإنسان ووجود الدار، فبما أن طرفي النسبة الخارجية مغايران لطرفي النسبة الذهنية فلا يوجد جامع ذاتي بين النسبتين، بل حتى لو كررنا تعقل النسبة في الذهن أي : الإنسان في الدار، الإنسان في الدار، الإنسان في الدار، فإنه كلما كررنا ذلك وجدت نسبة جديدة متقومة بطرفين آخرين، لذلك لا يوجد جامع ذاتي بين النسب أصلا، وهذا يعني أن النسبة ليس لها تقرر استقلالي ، بل لاحقيقة لها إلا وجودها الخارجي وإن كان وجودها الخارجي ذهنيا، أي: ليس لها في ما وراء وجودها تصور لها، وهذا معنى أن النسب ليس لها وجود ذهني، فليس لها تقرر استقلالي في الذهن.
وأفاد أيضا[5] أن أركان المعنى الحرفي ثلاثة:
الركن الأول: أن هناك فرقا بين الغرض من إخطار المعنى الاسمي والغرض من إخطار المعنى الحرفي، فالغرض من إخطار مفهوم الإنسان في الذهن هو الحكم عليه، ويتحقق هذا الغرض بتصوره، ولكن إذا أردنا إخطار النسبة فلا يمكن ذلك إلا بإيجاد نسبة في الذهن، إذ لا يمكن إخطارها إلا بطرفين، وهذا يعني أنه لا يتحقق الغرض من إخطارها إلا بنظر تصديقي أي: بإيجادها، لا بنظر تصوري ، فالنسبة لا ذهنية لها إلا بالوجود، لا بالتصور كما في المعاني الاسمية، وهذا معنى أن إخطار النسبة يكون بعين حقيقتها أي بالنظر التصديقي وهو الوجود ، بينما إحضار حقيقة المفاهيم الإسمية يتم بالنظر التصوري .
الركن الثاني: أن المعنى الحرفي منتزع في طول وجوده خارجا أو ذهنا، بخلاف المعنى الإسمي فإنه محفوظ في رتبة سابقة على الوجودين، لذلك قد ينتزع المعنى الإسمي من أمر فرضي لا وجود له كالغول وشريك الباري والعدم واجتماع النقيضين، فإنها معاني اسمية منتزعة بتصورها وإن لم يكن لها وجود حقيقيّ، وأما المعنى الحرفي فلا ينتزع إلا في طول وجوده، بأن توجد نسبة ذهنية أو كلامية أو خارجية، فإذا أوجدتها انتزعت من وجودها مفهوما لها فقلت: النسبة الظرفية بين الإنسان والدار.
وهذا يؤكد أن المعنى الحرفي من سنخ المفاهيم لا الوجودات، غاية ما في الباب أن المفاهيم على قسمين.
الركن الثالث: أن نسبة الوجود الذهني للوجود الخارجي ليست نسبة الحكاية بل نسبة المماثل للمماثل، فمثلا: نسبة مفهوم الإنسان للإنسان الخارجي نسبة الحكاية حكاية المفهوم لمصداقه، بينما إذا تصورنا الإنسان في الدار وكان فعلا في الخارج إنسانٌ في الدار فالعلاقة بين النسبتين حينئذ ليست نسبة المفهوم لمصداقه، بل نسبة المماثل لمماثله وإنما تحكي النسبة الذهنية عن ما في الخارج بتبع حكاية المعنى الإسمي .
والحاصل أنه قد اختلف تقرير العلمين قدس سرهما لكلامي المحققين النائيني والإصفهاني طاب ثراهما، وقد أفاد السيد الصدر قدس سره عند تقرير كلام المحقق النائيني[6] : ما نصه: (وما ذكرناه هو المظنون في مقصود شيخ المحققين - المحقق النائيني قدس سره - حيث ذهب إلى إيجادية المعنى الحرفي ).