46/03/28
مبحث الاوامر
الموضوع: مبحث الاوامر
الوجه الثاني لإثبات إمكان الشرط المتأخر: ما ذكره المحقق العراقي قدس سره.
وتوضيحه على ما جاء في[1] في عدة مقدمات:
المقدمة الأولى: أن أجزاء العلة هي المقتضي والشرط وعدم المانع، وهناك اختلافٌ بين هذه الأجزاء الثلاثة من حيث الدخل في وجود الأثر، فالمقتضي ما يلزم من وجوده الوجود على نحو الاقتضاء، والشرط ما يلزم من عدمه العدم، والمانع ما يلزم من وجوده العدم، مثلا: فعلية احتراق الجسم بالنار يتوقف على ثلاثة أجزاء: المقتضي وهو ما منه الوجود مثلا النار التي منها وجود الاحتراق، والشرط – كاقتراب الجسم من النار – لا يلزم من وجوده الوجود، ولكن يلزم من عدمه العدم، إذ لا يتصور احتراق مع عدم الاقتراب، وأما المانع -كرطوبة الجسم- فلا يلزم من وجوده الوجود، ولا من عدمه العدم ولكن يلزم من وجوده العدم أي عدم فعلية الأثر. وهذا الاختلاف في أنحاء الدخل يرشد إلى أن المحقق لوجود الأثر ليس إلا المقتضي فقط، وأما الشرط وعدم المانع فلا دخل لهما في وجود الأثر، وإنما لهما الدخل في أمرٍ آخر، لأن المقتضي هو الذي منه الوجود وإفاضة الأثر، وأما الشرط وعدم المانع فليس منهما إفاضة ولا توليد كي يكونا دخيلين في التأثير، والشاهد على ذلك أن عدم المانع من مقدمات وجود المعلول مع أنه لا يعقل دخل العدم في الوجود ، فما هو نوع دخل الشرط؟
المقدمة الثانية: قد اشتهر أن الشرط إما مصحح لفاعلية الفاعل أو متمم لقابلية القابل، فما هو المقصود بتصحيح فاعلية الفاعل أو تتميم قابلية القابل؟ أما كون الشرط تصحيحا لفاعلية الفاعل كما لو قلنا بأن الشرط في تأثير النار في احتراق الجسم هو اقتراب الجسم من النار، وأن اقتراب الجسم من النار مصحح لفاعلية الفاعل – وهو النار – فإنه ليس المقصود به أن الشرط مؤثر في الفاعلية كالنار، وإلا لكان الشرط في عرض المقتضي، فكما أن المقتضي مؤثر في الفاعلية فالشرط أيضا مؤثر في الفاعلية بحيث يترتب الأثر على وجودهما معا، وهذا خلف كونه شرطا، وإنما المقصود من كون الشرط مصححا لفاعلية الفاعل هو كون الشرط طرفا للإضافة وموجبا للمحدودية والتحصص بحيث يكون الفاعل التام هو ما كان محدودا بحد ناشئ عن إضافته للشرط.
وبيان ذلك: أنه إذا أمر المولى بالصلاة فإنه لم يأمر بها إلا لكونها ذا ملاك ككونها ناهية عن الفحشاء والمنكر، إلا أن الناهي عن الفحشاء والمنكر على نحو الإقتضاء ليس إلا ذات الصلاة، والمؤثر التام في تحقيق كمال العبد من هذه الناحية هو حصة خاصة من الصلاة، وهي الصلاة المضافة إلى القبلة والوقت والستر والطهارة ونحو ذلك، مما يعني أن دور الشرط كالقبلة مثلا ليس إلا كونه طرفا للإضافة، والمتصف بالإضافة هو الصلاة، حيث إن الصلاة ببركة الشرط أصبحت محدودة بحد، وهذه الإضافة والمحدودية القائمة بالصلاة هي المؤثر في الملاك لا نفس القبلة، ومناط دخل الشرط كالقبلة والستر في وجود الأثر من باب دخل منشأ الإعتبار في الأمر الإعتباري لا من باب المؤثرية، وهذا هو الصحيح في تقريب كون الشرط – كالقبلة والوقت – مصححا لفاعلية الفاعل، أي: محققا لإضافةٍ دخيلةٍ في وجود الأثر. ولمزيد من التوضيح نقول: إن دخل منشأ الإعتبار في الأمر الإعتباري ليس من باب التأثير والتأثر لاختصاص عالم التأثير والتأثر بالأمور التكوينية، وإنما هو من باب حكم العقل بها عند تحقق منشأها، مثلا: لو قال المولى اعتبرت لبس العمامة لطالب العلم منشأ لقبول دخوله في الحوزة ، فإن دخل الجعل الصادر من المولى في البناء على قبول دخول المعمم ليس من باب التأثير التكويني، وإنما من باب أن عملية الإعتبار والجعل إذا حصلت يترتب عليها حكم العقل بتحقق الأمر الإعتباري - وهو القانون المزبور أي: قبول دخول المعمم للحوزة - فكذلك وجود الشرط كالستر والإستقبال ليس دخيلا في وجود أثر الصلاة وملاكها دخلا تكوينيا، وإنما وجوده موجب لحكم العقل بتقيد الصلاة ومحدوديتها بحد معين، وتلك الحصة وهي الصلاة المتقيدة هي الدخيل في الملاك دخلا تكوينيا، وبذلك يتضح ما اشتهر من الفرق بين الشرط والجزء وهو :أن الشرط ما كان دخيلا تقيدا خارجا قيدا، والجزء ما كان دخيلا تقيدا وقيدا، فمثلا الفارق بين القبلة والركوع أن الركوع جزء من المقتضي المحقق للأثر وهو الصلاة ، لكونه دخيلا قيدا وتقيدا، وأما القبلة فهي خارجة قيدا داخلة تقيدا، مما يعني أن دور الشرط هو حكم العقل بالتقيد، والتقيد هو الدخيل في إيجاد الأثر وليس القيد الذي هو القبلة.
وأما كون الشرط متمما لقابلية القابل، فليس معنى ذلك هو أن الشرط له دور له في إيجاد الأثر بل دوره الإعداد للقابلية، وتلك القابلية هي الدخيلة في إيجاد الأثر، مثلا: الإنسان القابل للانتهاء عن الفحشاء والمنكر هو المصلي ذو الإضافة للشروط المعينة ، فشرط الصلاة لا دور له في إيجاد الأثر، وإنما دوره في إعداد الشأنية والقابلية في الإنسان لأن يتأثر بأثر الصلاة.
والنتيجة من ذلك أن لا دور للشرط في التأثير، وإنما دوره في حكم العقل بالإضافة، وهذه الإضافة هي الدخيلة في التأثير.
المقدمة الثالثة: تبين مما سبق اندفاع الإشكال في تأثير الشرط المتأخر في تحقق الملاك للحكم أو تحقق الإتصاف بالملاك، حيث إن مبنى الإشكال في الشرط المتأخر أنه يستلزم تأثير المعدوم في الموجود أو المتأخر في المتقدم، ووجه الاندفاع أن الشرط لا دخل له في التأثير كي يستلزم الإشكال، بل لا دور له إلا تحقيق الإضافة، والإضافة هي المؤثر، فلا فرق بين المقارن والمتقدم والمتأخر، فكما أن الشرط المقارن – كاشتراط الصلاة بالطهارة – لا يعني إلا أن تحقق الطهارة قد أوجب عقلا إضافة ومحدودية وتحصصا في الصلاة، وتلك الإضافة والمحدودية هي الدخيلة في الأثر، فكذلك الشرط المتقدم مثلا تحقق صلاة الظهر في ظرفها شرط متقدم لصحة العصر، ومعنى ذلك أن تحقق الظهر موجب عقلا لتقيد العصر بذلك وذلك التقيد دخيل في ملاك العصر، أو فقل: إن الشرط المتقدم يحقق استعدادا وشأنية في النفس، وحيث إن تلك الشأنية باقية ما لم يمنع مانع إلى أن يوجد المشروط في ظرفه، فإذا وجد المشروط في ظرفه يصبح ببركة الإستعداد قابلا للتأثير، وكذلك الأمر في الشرط المتأخر، فإنه لا دور له إلا أنه موجب لتحقيق إضافة في المتقدم عقلا، مثلا: إذا لوحظ صوم المستحاضة بالنسبة إلى الغسل في الليل التالي لنهار الصوم صار للصوم إضافة عقلا بالنسبة اليه، وتلك الإضافة هي الدخيلة في وجود الملاك لا نفس الغسل الليلي، فالغسل الليلي دوره تحقيق الإضافة قهرا، والإضافة هي الدخيلة في التأثير.
المقدمة الرابعة : إن ما مضى من بيان إمكان الشرط المتأخر في ملاك المأمور به يأتي في شرط الحكم أيضا، فمثلا إذا قيل: إنه يشترط في وجوب الحج عند تحقق الاستطاعة شرطٌ متأخر وهو كون المكلف حيا عاقلا قادرا في اليوم التاسع من ذي الحجة، فليس معنى ذلك أن كون المكلف حيا عاقلا قادرا في التاسع من ذي الحجة له دخل في تحقق الأثر تكوينا، ولكن وجوب الحج حال الاستطاعة بالنسبة لكون المكلف قادرا في اليوم التاسع بحكم العقل وجوب ذو إضافة، وكونه ذا إضافة صار محققا للاتصاف بالملاك، فالمحقق لاتصاف الحج بالملاك حال وجود الاستطاعة هو الإضافة والمحدودية في الحكم، فلا يلزم تأثير المعدوم في الموجود ولا تأثير المتأخر في المتقدم. وقد اتضح بما سبق أن الحل لمعضلة الشرط المتأخر بحسب نظر المحقق العراقي قده ترفع الإشكال في دخالة الشرط المتأخر في المشروط المتقدم في عالم التكوينيات فضلا عن الاعتباريات، لعدم دخل الشروط في التأثير حتى في الآثار والملاكات التكوينية، وأنه لا فرق في نكتة حل المعضلة بين شرط الحكم وشرط المأمور به، ومبنى المحقق العراقي قده وإن كان هو التفصيل بين التكليف والوضع وأن شرائط التكليف لادخل لها في فعليته، وإنما هي دخيلة في الفاعلية كما مضى بيانه، بخلاف الحكم الوضعي فإنها دخيلة في فعليته، ولذلك ساق وجها مستقلا لبيان إمكان الشرط المتأخر في الأحكام الوضعية غير ما ذكر، إلا أن البيان السابق بمقدماته المفصلة بيان لحل المعضلة مطلقا وعلى جميع المباني بحسب نظره .