46/03/07
مبحث الأوامر
الموضوع: مبحث الأوامر
الصورة الرابعة: ما إذا التفت إلى أنه لو لم يتعلم الأحكام قبل دخول الوقت وقبل تحقق الشرط لم يمكنه أصل الامتثال للواجب أو للمأمور به في ظرفه.
مثلا: من كان جاهلا باللغة العربية فتارة يلتفت بعد دخول الوقت إلى عدم قدرته على أداء الصلاة وعجزه عن التعلم، وهذا هو المصداق المتيقن لصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام (إن الله فرض من الصلاة الركوع والسجود، ألا ترى لو أن رجلا دخل الإسلام لا يحسن أن يقرأ أجزأه أن يكبر ويسبح ويصلي). وتارة يحرز قبل الوقت أنه لو لم يتعلم أذكار الصلاة قبل دخول الوقت لم يمكنه إطلاقا الإتيان بالصلاة المشتملة على أذكارها بعد دخول الوقت، حيث لا يمكنه التعلم بعد دخول الوقت، فقدرته على أصل الإتيان بالصلاة في ظرفها منوطة بالتعلم قبل دخول الوقت.
ومن الواضح أن هذه المقدمة ليست مقدمة علمية، وإنما هي مقدمة وجودية بلحاظ أن المقدمة العلمية ما يتوقف عليها إحراز الامتثال، وأما إذا توقف أصل الامتثال - أي: أصل الإتيان بالمأمور به - على التعلم فالتعلم حينئذ مقدمة وجودية للإتيان بالمطلوب وليس مقدمة علمية، فلذلك مناط البحث فيها يختلف عن مناط البحث في المقدمة العلمية، فيقال في المقام: إن قلنا بالواجب المعلق فمقتضاه أن الوجوب فعلي قبل دخول الوقت، وأثر فعلية الوجوب وجوب التعلم من أجل إنجازه، وإن قلنا بأن الواجب بالنسبة للوقت من قبيل الواجب المشروط فلهذه الصورة فرضان:
الفرض الأول: أن لا تكون القدرة الناشئة عن التعلم دخيلة في الملاك، بمعنى أن ملاك الإتيان بصلاةٍ جامعةٍ للأفعال والأذكار لا يتوقف على القدرة، بل هو ملاك تام حتى في حق العاجز، وإنما هي دخيلة في استيفاء الملاك، وبناءً على ذلك يجب التعلم قبل دخول الوقت وذلك بأحد وجهين:
الوجه الأول: ما ذكر في بحث المقدمة المفوتة من أنه يجب تحصيل المقدمة المفوتة حفظا للملاك الملزم في ظرفه، مثلا: من يعلم بأنه إن لم يشرب الدواء قبل طلوع الفجر لن يتمكن من الصوم بعد طلوع الفجر، والمفروض أن ملاك الصوم ملاك تام، سواء أكان قادرا أو عاجزا فالصوم ذو ملاك في نفسه، فهنا يجب عليه شرب الدواء حفظا للملاك الملزم في ظرفه، وهذا ما يعبر عنه بالمقدمة المفوتة، حيث إن للمولى حق حفظ ملاكاته اللزومية كما أن له حق الطاعة في امتثال تكاليفه، فإذا علم المكلف أنه لو لم يشرب الدواء فعلا لفات ملاك الصوم في ظرفه يجب عليه شرب الدواء حفظا لذلك الملاك.
الوجه الثاني: أن مقتضى إطلاق دليل وجوب التعلم وجوب التعلم في هذا الفرض، فقد جاء في المعتبرة الواردة في تفسير قوله عز وجل: ﴿فلله الحجة البالغة﴾ (إن الله يقول للعبد يوم القيامة عبدي أكنت عالما فإن قال نعم فيقال له أفلا عملت بما علمت؟ وإن قال كنت جاهلا فيقال أفلا تعلمت حتى تعمل فيخصم ولله الحجة البالغة) أو (فيحصر ولله الحجة البالغة) فمقتضى إطلاق هذا الدليل شموله للفرض المبحوث عنه، وهو ما لو التفت إلى أنه لو لم يتعلم لفات الملاك الملزم في ظرفه.
الفرض الثاني: أن الملاك منوط بالقدرة، فلا ملاك في حق العاجز، كما لو التفت المكلف إلى أنه لو لم يتعلم صلاة الآيات لم يمكن الإتيان بصلاة الآيات في ظرفها، إلا أن صلاة الآيات تختلف عن الصلاة اليومية، فإن ملاك صلاة الآيات منوط بالقدرة الناشئة من التعلم بحيث لا ملاك في صلاة الآيات في حق العاجز عجزا ناشئا عن الجهل، وهنا قد يقال بعدم وجوب التعلم لأحد بيانين:
البيان الأول: أن التعلم تحقيق لشرط الوجوب والتكليف، ولا يجب على المكلف أن يحقق شرط التكليف إذ المفروض أن التكليف بصلاة الآيات في ظرفه منوط بالقدرة، والقدرة منوطة بالتعلم، فالتعلم صار تحقيقا لشرط التكليف، وليس تحقيقا لشرط المأمور به، ولا يجب على المكلف تحقيق شرط التكليف.
مثلا: لا يجب على المكلف تحقيق الاستطاعة، ولكنه إذا استطاع وجب عليه الحج، فإذا لم يجب الإتيان بشرط التكليف لم يجب عليه التعلم المحقق للتكليف.
البيان الثاني: أنه لا تكليف في حق البالغ العاقل بناءً على أن الواجب مشروط لا معلق، ، لا قبل الوقت لعدم فعلية الوجوب قبل فعلية الوقت، ولا بعد الوقت لعجزه والعاجز لا يجب عليه الإتيان بالعمل، فإذا لم تجب عليه صلاة الآيات لا قبل الوقت ولا بعده فلا يحرز أن هناك ملاكا لزوميا ثابتا في حق هذا المكلف حتى يجب عليه التحفظ عليه.
ومقتضى هذين البيانين عدم وجوب التعلم.
وقد اختلفت كلمات سيدنا الخوئي قدس سره، فبنى في مصباح الأصول على عدم وجوب التعلم[1] وبنى في التنقيح في باب الاجتهاد والتقليد على وجوب التعلم[2] فقد أفاد «أنه لا تكليف قبل الوقت بذي المقدمة حتى تجب المقدمة وبعده لا تجب لعدم القدرة على الواجب ، وانتفاء كل من الملاك والخطاب ، ولا دليل على وجوب حفظ القدرة قبل الوقت والشرط للواجب بعدهما، لكن الصحيح أن التعلم ليس كسائر المقدمات المفوتة فهو واجب في المقام تمسكا بإطلاق دليل وجوب التعلم» أي: أن الوجهين العقليين المذكورين وإن كانا ينفيان وجوب التعلم، ولكن الدليل النقلي يدل على وجوبه مطلقا، وهو ما ورد في المعتبرة المتقدمة (أفلا تعلمت حتى تعمل).
وربما يشكل عليه بالتفصيل بين حالتين:
الحالة الأولى: فرض العلم بأن القدرة دخيلة في الملاك وأنها منوطة بالتعلم، وهذا الفرض لا يشمله دليل وجوب التعلم، لأن ظاهر قوله عليه السلام: (أفلا تعلمت حتى تعمل) أن هناك حكما فعليا يراد تعلم كيفية امتثاله، وأما إذا كانت فعلية الحكم مما تتحقق بالتعلم فالدليل منصرف عنه، فإن ظاهر اللسان وجود تكليف فعلي بغض النظر عن التعلم، وأنه بالتعلم يراد امتثاله وتطبيقه لا أنه يراد بالتعلم إيجاد فعليته.
الحالة الثانية: أن يشك المكلف في أن القدرة الناشئة عن التعلم هل هي دخيلة في الملاك فلا يجب عليه التعلم أم ليست دخيلة فيه فيجب عليه التعلم؟
ومقتضى إطلاق دليل وجوب التعلم شموله لهذه الحالة، فيجب عليه التعلم في فرض عدم إحراز كون القدرة الناشئة عن التعلم دخيلة في الملاك.
ولكن التفصيل كما ترى، لأن قوله عليه السلام: (أفلا تعلمت حتى تعمل) إما أن يكون ظاهرا في ثبوت تكليف فعلي في رتبة سابقة وإما أن يكون ظاهرا في ثبوت تكليف شأني، فإن قلنا بظهورها في الأول وأن التعلم لأجل الإمتثال فلا يجب التعلم في فرض الشك لأنه تمسك بالدليل في الشبهة المصداقية للشك في كون التكليف فعليا في رتبة سابقة على التعلم أم هو متقوم به، وإن قلنا بظهورها في الثاني فلا فرق بين الحالتين، حيث يجب التعلم في كلتا الحالتين، فيتم ما قاله السيد الخوئي قدس سره من التمسك بإطلاق دليل وجوب التعلم في كلتا الحالتين، فإن ظاهر دليل وجوب التعلم عنده هو قضية شرطية، وهي أن كل ما استند فوت المأمور به في ظرفه إلى ترك التعلم يجب التعلم لأجله، فمتى ما كان فوت المأمور به في ظرفه مستندا إلى ترك التعلم وجب التعلم، كما هو ظاهر سياق (أفلا تعلمت حتى تعمل)، أو فقل: ظاهر دليل وجوب التعلم أن ملاك جميع الأحكام غير منوط بالقدرة الناشئة عن التعلم ، فلذلك انعقد دليل وجوب التعلم مطلقا .