46/03/04
مبحث الأوامر
الموضوع: مبحث الأوامر
البحث في مقدمة الواجب
تنقسم المقدمة إلى مقدمة الوجوب ومقدمة الواجب، والثانية داخلية وخارجية، والخارجية مقدمة الوجود ومقدمة الصحة والمقدمة العلمية، ومقدمة الصحة قد تكون سابقة ومقارنة ولاحقة.
التقسيم الأول: تقسيم المقدمة إلى مقدمة الوجوب ومقدمة الواجب
إن الفرق بين مقدمة الوجوب والواجب هو أن مقدمة الوجوب ما يكون القيد دخيلا في فعلية الحكم بحيث تدور الفعلية مداره، ومقدمة الواجب ما يكون دخيلا في تحقق الامتثال، فالأول كشرطية الاستطاعة في وجوب الحج، والثاني كالسفر لمكة لأداء النسك وكشرطية الطهارة للصلاة.
ولكن وقع البحث في ما هو السر والمناط في جعل قيد دخيلا في الحكم كالوجوب أو جعله قيدا في الواجب؟
وقد اشتهر في كثير من الكتب الأصولية أن قيد الوجوب هو ما له دخل في أصل الاتصاف بالملاك أي: أصل الاقتضاء للملاك، وقيد الواجب ما له دخل في فعلية الملاك واستيفاءه إما بايجاد شرط أو رفع مانع، نظير ما ذكر في الفرق بين دخالة المرض في شرب الدواء ودخالة تناوله بعد الوجبة الغذائية في ملاكه.
ويلاحظ على ذلك:
أولا: أن المناسبة الارتكازية العرفية تقتضي انتفاء البعث عن المقدمات التي لا دخل لها في استيفاء الملاك، أو أن دخلها في أصل المقتضي للاتصاف، إذ لا معنى للبعث المولوي نحو قيدٍ لا يسهم في استيفاء الملاك، لا أنها تقتضي أخذه قيدا في فعلية الحكم.
فإن قلت: كل قيد لا محالة إما قيد وجوب أو واجب، فإذا لم يكن قيدا في الواجب لعدم صحة البعث نحوه، فيتعين كونه قيدا في الوجوب.
قلت: لاملازمة بين الأمرين حيث سيأتي في الواجب المعلق أن القيد الذي لا يمكن البعث نحوه لا يتعين أخذه في الوجوب، بل يمكن أن يكون الوجوب بالنسبة له على نحو اللا بشرط كالفجر بالنسبة للصوم الواجب، مع أن الوجوب سابق عليه في الفعلية.
وثانيا: لا برهان من عقل أو ارتكاز عقلائي على هذا التحديد بنحو الموجبة الكلية، وهي أن كل ماهو دخيل في الاتصاف فهو قيد الوجوب وكل ما هو دخيل في الفعلية فهو قيد الواجب أو كل ما هو قيد في الحكم فهو دخيل في الاتصاف وكل ما هو قيد في الواجب فهو دخيل في الفعلية، بل ربما يكون القيد دخيلا في الفعلية ومع ذلك قد يؤخذ في نفس الحكم - الوجوب - لمبرر عقلائي نحو استهجان البعث لدى العقلاء قبل تحققه كالقدرة، أو اقتضاء مقام الامتنان والرفق عدم التكليف معه نحو الحرج والضرر والحيض والنفاس، أو ضبط نظام التكليف كما في شرطية البلوغ في أصل الإلزام، حيث لا فرق بحسب المرتكزات بين المميز المراهق للبلوغ وبين البلوغ بكمال السن المعين من حيث الدخل في أصل الاتصاف أو الدخل في الفعلية، وإنما أخذ البلوغ لضبط نظام التكليف بلحاظ اختلاف التمييز باختلاف الاشخاص والظروف، فلا وجه لإناطة التكليف به.
وقد يكون القيد دخيلا في الاتصاف ومع ذلك لا يؤخذ قيدا في الحكم الإلزامي كما في باب الحرمة، فإن الصحيح - كما ذكر سيدنا الخوئي قدس سره - هو فعلية الحرمة بمجرد فعلية البلوغ والعقل وإن لم تكن القيود فعلية، فمن كان سجينا عاجزا لا يستطيع ممارسة أي معصية كالزنا وشرب الخمر فإن الحرمة فعلية في حقه، حيث يكفي في فعلية الحرمة تحقق أثر عملي لها وان لم تكن القيود فعلية، نحو عقد القلب على الاجتناب حتى على تقدير التمكن منها، كما يكفي في فعلية حرمة شرب الخمر قبل وجود الخمر مثلا علم المكلف أنه لو صنعه لشربه، ولا يختص ذلك بالتكاليف التحريمية، بل يشمل بحسب النكتة التكاليف الوجوبية، فمثلا: بناء على تكليف الكفار بالفروع فإن الإنسان مخاطب بالعبادة ولو بأن يسلم ليعبد ربه مع دخالة الإسلام في أصل اتصاف العبادة الواجبة بالملاك، خصوصا مع تضمن العبادة الإقرار بالوحدانية والنبوة.
وثالثا: للحكم غرضان ضروريان:
الأول: غرض في المتعلق ولحاظه من قبل المولى يقتضي لحاظ كل ما له دخل في ملاكه فعلا أو اتصافا، وتوجيه البعث نحو ما يمكن من القيود، وهو ما له الدخل في استيفاء الملاك.
الثاني: غرض في الحكم نفسه وهو ضمان فاعليته على فرض وصوله، ومقتضى ذلك أخذ القيود الدخيلة في فاعلية الحكم في فعليته نحو عدم الاضطرار والإكراه والنسيان والخطأ ونحو ذلك مما تضمنه حديث الرفع وغيره.
والنتيجة: عدم وجود قاعدة كلية عقلائية تصلح لتحديد ما هو دخيل في الحكم - كالوجوب - وماهو دخيل في المتعلق وهو الواجب.