< قائمة الدروس

الأستاذ السید منیر الخباز

بحث الأصول

45/03/29

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: الأوامر

 

وخلاصة مطلب السيد الصدر قدس سره في مفاد الروايات التي دلت على أن من قصد الإقامة وصلى رباعية كفاه ذلك في تمام صلاته وصحة صيامه وإن لم يقم عشرة أيام ما لم يخرج:

أنه تارة نقول بأن الموضوع للتمام والصيام إرادة إقامة عشرة أيام، ومعنى الإرادة: الحب أو الشوق، وتارة نقول بأن موضوع التمام والصيام الالتزام والبناء النفسي على إقامة عشرة أيام لا الحب والشوق إلى ذلك، وتارة نقول بأن موضوع التمام والصيام إحراز إقامة عشرة أيام.

فإذا قلنا بالمبنى الأول - وهو أن موضوع التمام والصيام الإرادة بمعنى الحب أو الشوق - فيكون مفاد النصوص مخالفا للعقل، لأنه يقتضي أن موضوع صحة الصوم نفس الإرادة من دون دخل للإقامة عشرة أيام فإنه متى قصد الإقامة وصلى رباعية صح منه التمام والصيام وإن عدل عن الإقامة، أي: أن نفس الشوق للصوم عشرة أيام كافٍ في صحة الصوم وإن لم يقم، فمفاد الروايات على هذا المبنى أن نفس الإرادة موضوع لصحة الصوم والتمام في الصلاة، فمن أراد إقامة عشرة أيام لأجل تصحيح التمام والصيام فقط من دون أي غرض له ولا رغبة له في إقامة عشرة أيام، فمقتضى ذلك تحقق إرادة نحو إقامة العشرة بمعنى الشوق أو الحب لملاك في نفس الإرادة لا في وجود المراد، لأن نفس الإقامة لا ربط لها بغرضه وهو صحة التمام والصيام، فيكون مفاد الرواية منافيا لحكم العقل القطعي بأنه لا يعقل تحقق الإرادة لملاك في نفسها.

وهذا يفضي إما إلى توجيه مفاد الرواية وحملها على غير ظاهرها، وإما إضافة عنصر في مقام التطبيق بأن يقال: إن مفادها لا يتصور عقلا إلا بضم عنصر في مجال التطبيق، فكأن الرواية تدل عليه بالاقتضاء، وهو أن يحقق لنفسه غرضا في المراد كي لا تكون الإرادة ناشئة عن غرض في نفسها بل عن غرض في المراد، من أجل تطبيق مفاد الرواية خارجا - وهو كون صحة الصوم مشروطة بإرادة إقامة عشرة أيام لا بنفس الإقامة - فهو مضطر لأن يصنع غرضا لنفسه في المراد كي يكون الغرض في المراد وتكون الإرادة ناشئة عنه، فيحدث غرضا في نفس الإقامة كأن يقول مثلا: إني أشتاق إلى إقامة عشرة أيام في هذا البلد لطيب مناخه أو لزيارة العتبات المقدسة فيه أو لزيارة الأرحام، فإذا صار له غرض واقعي في الإقامة كانت إرادته للإقامة ناشئة عن غرض في المراد، فيكون تطبيق مفاد الرواية بضميمة هذا العنصر موافقا لحكم العقل، نعم لو كان ممن يصوم ولا يصلي فهو يعلم أنه لا يمكنه التوصل لصحة الصوم إلا بإقامة عشرة أيام خارجا، وبالتالي يحصل له شوق غيري تبعي لإقامة عشرة أيام، وهنا - وهو فرض نادر - يمكن تحقق مفاد الرواية واقعا من دون ورود المحذور العقلي وهو نشؤ الإرادة عن ملاك في نفسها بل عن ملاك في المراد.

وإذا قلنا بالمبنى الثاني - وهو أن موضوع صحة الصوم الإرادة بمعنى البناء النفسي وإلزام النفس والتعهد بينه وبين نفسه على أن يقيم عشرة أيام - فلا يرد عليه الإشكال العقلي من عدم معقولية نشوئه عن ملاك في نفسه، لأن البناء والالتزام والتعهد ليس من الأحوال الانفعالية للنفس كي تحتاج إلى غرض في متعلقها، بل هو من أفعال النفس، وبما أنه من أفعال النفس فيمكن للنفس أن تصنعه بلا أي غرض في متعلقه، فلها صنعه اعتباطا ما دام فعلا من أفعالها، ولكن هنا مشكلة أخرى، وهي أنه لا يتأتى البناء الجدي على إقامة عشرة أيام ممن يعلم بأن هذا البناء سينتقض وسيزول قبل انتهاء العشرة، لأن البناء على الأمور التدريجية الوجود لا يتحقق جدا إلا مع ضمان استمراره فيها، مثلا: من يبني على حضور الدرس أسبوعا كاملا لا يتأتى منه البناء الجدي على حضور الدرس حضورا كاملا إلا إذا كان يضمن أنه سيستمر كذلك، فلو علم أنه سينتقض الحضور يوما من الأيام فلا يعقل أن يتأتى منه البناء والالتزام الجدي بالحضور أسبوعا، وكذلك الأمر في المقام، إذ كيف يعزم ويصمم على إقامة عشرة أيام وهو يعلم أنه سينتقض هذا البناء قبل العشرة؟ فصدور الالتزام الجدي منه بالإقامة غير معقول.

فلو كان هذا المبنى هو مفاد الروايات فلا بد من توجيهها أو ضميمة عنصر لها فيقال: لا بد للمكلف من أن يصنع له غرضا ملزما بالإقامة عشرة أيام حتى يضمن الإستمرار ويتأتى منه البناء الجدي، ولو بأن ينذر أن يقيم عشرة أيام أو يتعهد بذلك أمام الناس، فإنه يحقق غرضا جديا في الوفاء بنذره أو تعهده فلا بد له من الالتزام جدا بالإقامة عشرة أيام.

وإن قلنا بالمبنى الثالث - وهو ما اختاره في فقهه من أن المناط في تمام الصلاة والصيام هو إحراز الإقامة عشرة أيام لا النية والعزم - فما لم يحرز إقامة عشرة أيام فلا يصح منه الصوم ولا تمام الصلاة، ومجرد الاحتمال للخروج قبل تمام العشرة يرفع الإحراز، وعليه فلا بد أن يكون له غرض في الإقامة غير الصلاة والصيام، إما بأن ينذر أويتعهد أمام الناس أو نحو ذلك.

فتلخص أنه على جميع المباني الثلاثة في موضوع صحة الصوم لا يمكن تطبيق مفاد الروايات في الفروض المتعارفة بحيث يكون ممكنا عقلا إلا بإضافة عنصرٍ، وهو صنع غرضٍ في متعلق الإرادة أو البناء، وإلا فلا يعقل نشؤ الإرادة عن ملاك في نفسها، وإن عقل - كما إذا كان المراد من الإرادة هو البناء والالتزام - فلا يتأتى جدا من المكلف مع علمه بالانتقاض.

هذا ما أفاده السيد الصدر قدس سره، ولكن يمكن التأمل في ذلك بأن الممتنع صورة واحدة وهي أن تجتمع نية البقاء مع نية الخروج، أي: أن المانع من العزم على البقاء أو إرادة البقاء هو نية الخروج فقط، فإذا لم تكن له نية الخروج فيكفي عدم نية الخروج في تحقق العزم الجدي على الإقامة، فإن العزم الجدي لإقامة عشرة أيام لا يرفعه إلا نية الخروج، فإن لم تكن له نية للخروج فيتحقق منه العزم الجدي لإقامة عشرة أيام وإن احتمل الخروج وإن كان يعلم بالحكم الشرعي، وهو أن من قصد الإقامة وصلى رباعية صح منه الصوم وإن عدل عن الإقامة وأمكنه الخروج، فإن كل ذلك لا ينافي تحقق عزم جدي له على البقاء عشرة أيام.

وتنقيح المطلب أن هنا أمرين:

الأول:
أن الصحيح - كما مر - هو أن الذي يمكن نشؤه عن ملاك في نفسه هو البناء والعزم لا الشوق.

الثاني:
أن البحث فعلا ليس في معقولية نشؤ العزم عن ملاك في نفسه فهو ممكن وجدانا، وإنما البحث في إمكان تحقق العزم الجدي منه مع احتمال أن يخرج قبل العشرة.

ونتيجة الأمرين أنه إذا حمل مفاد الروايات على النظر لهذا المبنى فالصحيح إمكان تحقق العزم الجدي ممن يحتمل الخروج لطارئ، بلا حاجة لضم غرض في المراد وهو الإقامة نفسها، وتقريب ذلك: أنه متى علم المكلف بأن الأثر شرعيا أو عرفيا لا يتحقق إلا بالعزم الجدي حرص على أن يحقق العزم الجدي كي يترتب عليه الأثر، فمثلا: إذا قال المولى: من ترك المعصية جاء يوم القيامة آمنا مطمئنا ومن عزم على ترك المعصية - وإن احتمل العود إليها - تحققت منه التوبة، وتحقق التوبة منه شافع له يوم القيامة في الورود على الكوثر، فإن تحقق التوبة بالعزم الجدي على ترك المعصية ممكن من المؤمن وإن احتمل أنه يعود إلى المعصية، فإن العبد إذا التفت إلى ذلك حرص على أن يصدر منه عزم جدي لترك المعصية لنيل الشفاعة يوم القيامة وإن كان يحتمل أنه قد يغويه الشيطان فيعود إلى المعصية، إلا أن هذا الاحتمال لا ينافي عزمه الجدي على ذلك. فكذلك الأمر في المقام، فإن المكلف إذا التفت إلى أن الأثر الشرعي - وهو صحة التمام والصيام - يتوقف على أن يعزم جدا على إقامة عشرة أيام فهو حريص ومضطر على أن يحقق العزم الجدي وإن احتمل أنه قد يقع طارئ يدفعه نحو الخروج كأن يموت له قريب أو تطلب منه أسرته الرجوع أو يحصل له طارئ يستدعي الرجوع إلا أنه فعلا لا نية له للخروج قبل العشرة لعدم وجود غرض له يقتضي ذلك، وإن لم يكن له غرض في البقاء إلا الصوم، فمع ورود هذا الاحتمال إلا أنه مع ذلك يعزم جدا على البقاء ما لم يطرأ ذلك الطارئ، فيكفي في تحقيق مفاد الروايات الشريفة أن يعزم جدا على البقاء، ولا ينافيه احتمال الخروج ولا حاجة في تحقيق مفاد الروايات الشريفة خارجا إلى أن يصنع له غرضا في نفس الإقامة كي تكون إرادة الإقامة ناشئة عن غرض في الإقامة لا عن غرض في نفسها، إلا أن يكون المقصود بالإرادة هو الشوق الذي لا يمكن حصوله لغرض في نفسه، فإنه يحتاج لضم غرض في المراد، وأما لو اخترنا المبنى الوسط - وهو أن الموضوع العزم والبناء الجدي - فلاحاجة إلى إضافة عنصرٍ للتخلص من المحذور العقلي وهو عدم إمكان العزم الجدي منه مع احتمال الخروج قبل العشرة - بأن يصنع غرضا له في المراد - بل يمكن تحقق العزم الجدي منه ولو لأجل أن الإقامة عشرة أيام طريق لإحراز جدية عزمه على البقاء عشرة أيام.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo