< قائمة الدروس

الأستاذ السید منیر الخباز

بحث الأصول

45/03/28

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الأوامر

 

تعقيب: من البحوث التي ذكرها المحقق العراقي قدس سره في نهاية البحث في مادة الأمر أنه هل يمكن انقداح الإرادة عن مصلحة في نفس الإرادة أم لا؟

والبحث في مقامين، إذ تارة يقع البحث في الإرادة التكوينية وأخرى في الإرادة التشريعية.

المقام الأول: في الإرادة التكوينية.

فهل يمكن تحقق إرادة تكوينية عن ملاك في نفس الإرادة وإن لم يكن في المراد أي غرض ومصلحة؟ ولبيان ذلك نذكر مطالب ثلاثة تعرض لها المحقق العراقي قدس سره [1] والسيد الشهيد قدس سره [2]

المطلب الأول: ما هي الأمثلة الفقهية لهذا البحث؟ قد ذكر في المقام ثلاثة أمثلة.

المثال الأول:
إذا علم المكلف أنه إن قصد الإقامة عشرة أيام وصلى رباعية فله أن يبقى على التمام والصيام وإن عدل عن قصد الإقامة ما لم يخرج، فالموضوع لوجوب التمام والصيام نفس إرادة الإقامة، من دون أي غرض للمكلف في الإقامة عشرة أيام، وإنما غرضه في نفس قصد إقامة عشرة أيام، لأنه متى قصد إقامة عشرة أيام وصلى رباعية يبقى على التمام والصيام، فنفس قصد الإقامة ذو ملاك، فهذا مثال لانعقاد الإرادة لملاك في نفس الإرادة.

المثال الثاني:
بناءً على أن الوضوء ليس مستحبا نفسيا ولا محصلا لما هو المستحب النفسي - وهو الكون على الطهارة - وأنه لا يصح شرعا إلا بقصد غرض شرعي آخر غير الكون على الطهارة، كقصد قراءة القرآن مثلا، فحينئذ يكون قصد قراءة القرآن مصححا للوضوء وإن لم يقرأ القرآن، فنفس القصد ذو ملاك، وهذا يعني أن تحقق الإرادة لملاك في نفسها.

المثال الثالث:
إذا فرض أن الماء في المسجد موقوف على من يتوضأ من هذا الماء بقصد الصلاة فيه، فالمكلف يتوضأ بقصد الصلاة في المسجد ليكون وضوؤه صحيحا وإن لم يصل فيه، فنفس هذه الإرادة ذات غرض وإن لم يكن في الصلاة في المسجد غرض .

فهذه أمثلة فقهية على أنه قد تكون نفس الإرادة متحققة لملاك في نفس الإرادة لا لملاك وغرض في المراد.

المطلب الثاني:
ذهب المحقق العراقي قدس سره وتبعه السيد الصدر قدس سره بتفصيلٍ إلى أنه لا يمكن أن تتحقق الإرادة لملاك في نفس الإرادة.

وبيان ذلك بأحد وجهين:

الوجه الأول:
ما ذكره المحقق العراقي قدس سره من أنه إذا كان وجود المراد وعدمه سيان - أي أن وجود الصلاة في المسجد وعدمها سيان بالنسبة إلى المتوضئ - فوجود الإرادة للصلاة فيه من الترجح بلا مرجح، إذ لا مزية لوجوده على عدمه، فانقداح الإرادة حينئذ مستحيل.

وأورد عليه بأن وجود الإرادة مستند إلى المرجح بحسب المدعى، فإن وجود المراد وعدمه وإن كانا سيان ولا غرض متعلقا بوجوده إلا أن وجود الإرادة لغرض في نفس الإرادة، وهذا الغرض مرجح لوجودها وإن لم يكن المراد ذا غرض، وهذا يكفي في دفع محذور الترجح بلا مرجح.

الوجه الثاني:
ما ذكره السيد الصدر قدس سره [3] وحاصله أنه بما أن الحب والبغض والإرادة والكراهة والشوق إلى الشيء كلها من الصفات ذات الإضافة، إذ لا يتصور حب بلا محبوب وشوق بلا مشتاق إليه وإرادة بلا مراد، أي: الصفات التعلقية ذات الإضافة فكيف يعقل وجودها من دون غرض في المضاف؟ فإذا لم يكن مزية في المحبوب فكيف أحبه وإذا لم يكن منفر في المبغوض كيف بغضه وإذا لم يكن غرض في المشتاق إليه فكيف اشتاق إليه؟ فإذا لم يكن مزية في المضاف لم يعقل تحقق الصفة، وهذا أمر وجداني واضح.

ويمكن التأمل في ذلك بأنه تارة نبني على أن الإرادة هي الشوق المؤكد وتارة نبني على أنها العزم والتصميم، والفرق بينهما أنه بناء على أن الإرادة هي الشوق فهي من الأحوال الانفعالية للنفس، فيفتقر وجودها إلى مبرر وسبب حتى تنفعل النفس بها بحب أو شوق أو بغض، فإذا كانت الإرادة هي الشوق المؤكد أي الصفة الآنفعالية فكلام العلمين العراقي والصدر قدس سرهما تام إذ لا يعقل انفعال النفس بحب أو شوق من دون أن يكون هناك مزية في المتعلق .

بينما لو قلنا إن الإرادة تصميم وبناء - فهي فعل من أفعال النفس وليست صفة انفعالية في النفس - فهي وإن كانت ذات إضافة - إذ لا تصميم بدون ما يصمم له ولا بناء بدون ما يبنى عليه - إلا أنها لما كانت فعلا من أفعال النفس ولم تكن انفعالا فيمكن عقلا تحققها لملاك في نفس هذا البناء والتصميم، وإن لم يكن له أي غرض في المصمم إليه أو المبني عليه. فمثلا: إذا قال الأب لأولاده أو الأستاذ لطلابه: (من زار الحسين عليه السلام فله ثوابان ومن صمم وعزم في نفسه على أن يزور الحسين عليه السلام فله ثواب جائزة على نفس ذلك العزم) فبالإمكان أن يتحقق من الإنسان عزم وتصميم على زيارة الحسين عليه السلام لأجل تحصيل الجائزة والمثوبة على نفس العزم، وكذا إذا قيل: إن في التوبة أجرا ومثوبة وأن التوبة هي العزم والبناء على ترك المعصية، وإن احتمل المكلف العود للمعصية، لكن المطلوب منه فعلا الهزم والتصميم على الترك فيمكن للنفس أن تصنع تصميما وبناء نفسيا لملاك في العزم والتصميم وإن لم يكن هناك غرض في متعلق العزم والتصميم.

المطلب الثالث:
حيث إن السيد الصدر والمحقق العراقي قدس سرهما بنيا على استحالة تحقق الإرادة لملاك في نفس الإرادة أفادا أن هذه الأمثلة المذكورة في الفقه ليست مثالا لتحقق الإرادة لملاك في نفس الإرادة، وتقريب كلام السيد الصدر قده في معالجة الأمثلة :

المثال الأول: وهو من قصد إقامة عشرة أيام لا لغرض في الإقامة بل لغرض في القصد ليصلي تماما ويصوم وإن بدا له الخروج بعد أداء صلاة رباعية - وعلاجه بأن الموضوع للتمام والصيام إما إرادة إقامة عشرة أيام وإما البناء على إقامة عشرة أيام وإما إحراز الإقامة عشرة أيام، وعبر عن الأخير بأنه الصحيح فقهيا. فعلى المبنى الأول يكون موضوع التمام والصيام القصد والإرادة، وعلى هذا المبنى ترد صور ثلاث:

الصورة الأولى:
أن غرض المكلف في التمام والصيام أقل من عشرة أيام، وحيث إن صحة الصوم في بلد السفر متوقفة على قصد الإقامة وصلاة رباعية فالمكلف يعلم أنه متى قصد الإقامة وصلى رباعية صح له أن يعدل و يصوم خمسة أيام مثلا، فغرضه الأساس أن لا يصوم عشرة أيام بل الأقل منها، ولكن قصد الإقامة وصلى رباعيةً توصلا لهذا الغرض، ففي هذه الصورة لا يعقل أن يصدر منه قصد إقامة عشرة أيام، إذ لا يجتمع حصول قصد الإقامة عشرة أيام مع التفاته إلى أن غرضه صوم خمسة أيام فلا يتولد في نفسه قصد الإقامة أصلا فضلا عن كونه لملاك في نفسه، إذ كيف يعقل أن يريد إرادة حقيقة إقامة عشرة أيام مع أن غرضه من ذلك أن يصوم خمسة أيام لا غير، فقصد الإقامة لم يحصل أصلا، ولو حصل لكان من وجود الإرادة لملاك في نفسها وهو محال.

الصورة الثانية:
أن غرضه صيام عشرة أيام، ولكنه يعلم أن من قصد إقامة عشرة أيام وصلى رباعية له أن يصوم وإن عدل، بحيث يكون علمه منشأ لاحتمال العدول وتولد غرض له في الخروج على فرض العدول أثناء العشرة، وبناء على ذلك فلا يعقل أن تحصل إرادة حقيقية لإقامة عشرة أيام مع أنه له داعيا وجدانيا للخروج على فرض العدول .

الصورة الثالثة:
ما إذا كان إنسان يصوم ولا يصلي، وبالتالي فهو مضطر إلى إرادة إقامة عشرة أيام إرادة حقيقية لأجل أن يصوم عشرة أيام حيث لا يمكنه الصوم بعد العدول من دون صلاة رباعية، فهو مضطر أن لا يعدل وأن يستمر في قصد إقامة عشرة أيام، فهذه الصورة وإن كانت مثالا لوجود إرادة حقيقية من دون غرض في المراد إلا أنه فرض نادر، وأضاف بعض المعلقين على كلامه قده بأن هذه ليت مثالا لانعقاد الإرادة لملاك في نفسها حتى يصح نقضا على من يقول بالاستحالة، إذ الملاك هنا تبعي غيري، فغرضه الأساس صوم عشرة أيام، وقد اقتضى هذا الغرض أن يريد إقامة عشرة أيام بدون عدول، فإرادة الإقامة عشرة أيام ذات ملاك تبعي غيري. و ليست مثالا لانقداح الإرادة لملاك نفسي فيها.


[3] البحوث، ج2، ص41.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo