< قائمة الدروس

الأستاذ السید منیر الخباز

بحث الأصول

45/03/22

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: الأوامر

 

الجهة الأخيرة من البحث في مادة الأمر: بيان الثمرة المترتبة على اختلاف الأقوال في منشأ استفادة الوجوب.

وقد ذكر السيد الصدر قده والسيد الأستاذ مد ظله عدة ثمرات نقتصر منها على الثمرات ذات الأثر الواضح.

الثمرة الأولى: ما ذكره السيد الصدر قدس سره[1] من أنه بناء على كون الوجوب بحكم العقل فلا يمكن إثبات لوازم الملاك اللزومي، وبيانه: أنه لو قام دليل على وجوب الدعاء عند رؤية الهلال، وعلمنا من الخارج أن نفس الغرض اللزومي الموجود في الأمر بالدعاء عند رؤية الهلال موجود في الدعاء ليلة النصف من شهر رمضان، فحينئذ بناءً على كون دلالة الأمر على الوجوب بالوضع أو بالانصراف أو بمقدمات الحكمة يمكن إثبات وجوب الدعاء ليلة النصف أيضا مع أنه لم يرد بها دليل، ولكن حيث علمنا أن الأمر الأول غرض لزوميا لا محالة، وإلا لما أوجبه المولى وعلمنا أن هذا الغرض اللزومي بنفسه موجود في الأمر الثاني، فمقتضى الملازمة العقلية بين الغرض اللزومي والأمر وجوب الدعاء ليلة النصف من شهر رمضان .

بينما لو كان الوجوب هو حكم العقل - كما هو مسلك سيدنا قدس سره - فإن حكم العقل به ليس مبنيا على وجود غرض لزومي في الأمر - إذ يكفي في حكم العقل بلزوم العمل مجرد الأمر وعدم الترخيص، فإن المدار في حكم العقل على الأمر وعدم الترخيص، لا على ثبوت الغرض اللزومي وعدمه، فالعلم بوجود نفس الغرض اللزومي في الدعاء ليلة النصف لا أثر له أصلا، لأنه لا أثر له في الوجوب في المورد الأول فكيف بالمورد الثاني؟! فلا يستفاد من الأمر بالدعاء عند رؤية الهلال أي طلب بالدعاء ليلة النصف أصلا، والعلم بالغرض اللزومي وجوده كالعدم، إذ لا أثر له في حكم العقل باللزوم فلا يجب الإتيان به عقلا .

وهي ثمرة تامة.

الثمرة الثانية:
ما ذكره بعض الأساتذة مد ظله من أنه لو فرض أن الأمر ليس في مقام البيان، كما لو توهم أن لا أمر بزيارة القبور عن النبي ص، فوردت الرواية عن المعصوم ع تخبر بأن هناك أمرا عن النبي ص بزيارة القبور، فالرواية الواردة ليست في مقام بيان الأمر بل في مقام نفي توهم عدم الأمر، وحيث إنه ليس في مقام البيان من جهة الأمر فإن قلنا بأن منشأ استفادة الوجوب هو الوضع فدلالة الأمر على الوجوب بالوضع حاصلة، وإن قلنا بأن منشأ استفادة الوجوب حكم العقل فقد تحقق موضوعه بالأمر وعدم الترخيص، وأما إذا قلنا بأن منشأ استفادة الوجوب هو الإطلاق المبتني على مقدمات الحكمة - ومنها كون المولى في مقام البيان - فالمفروض أنه ليس في مقام بيان الأمر، فلا ينعقد إطلاق للخطاب كي يستفاد من السكوت عن الترخيص الوجوب، كما أن دعوى انصراف الأمر إلى الوجوب فرع كون المولى في مقام البيان من جهة الترخيص وعدمه، فإذا لم يكن هناك بيانٌ فلا منشأ لاستفادة الوجوب.

وهي ثمرة تامة أيضا.

الثمرة الثالثة:
في مورد حكومة لا ضرر ولا حرج وما دل على رفع القلم عن الصبي على الأحكام الأولية.

وبيان ذلك: أنه إذا ورد عندنا دليل كقوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) وقام دليل حاكم كقوله: (رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم)، أو كان الحج حرجيا فشمله الدليل الحاكم (ما جعل عليكم في الدين من حرج) أو كان ضرريا فشمله (لا ضرر ولا ضرار).

ففي هذه الموارد يكون موطن الحكومة تبديل عدم الترخيص بالترخيص، أي أن مقتضى حكومة لا ضرر ولا حرج ورفع القلم عن الصبي أن عدم الترخيص في ترك الحج بالنسبة للصبي والحج الضرري والحج الحرجي تبدل من عدم الترخيص إلى الترخيص، وهذا يعني أن الأمر بأصل الحج ما زال فعليا، لأن الدليل الحاكم لم يرفع أصل الأمر بالحج وإنما تصرف في عنصر عدم الترخيص بتبديله إلى الترخيص، والأمر بالحج باقٍ، فيستكشف من بقاء الأمر استحباب الحج في حق الصبي والحج الضرري والحرجي . هذا إذا قلنا بأن منشأ استفادة الوجوب حكم العقل أو الإطلاق، إذ على كلا المسلكين الأمر على ما هو عليه وإنما التصرف في الجزء الثاني من الموضوع. وأما بناءً على كون الدلالة بالوضع فلو قلنا: إن الأمر يدل على الوجوب في حق البالغ والحج غير الحرجي والضرري بالوضع ويدل على الاستحباب في حق الصبي والحج الضرري والحرجي لعدم ارتفاع نفس الأمر، وإنما الذي ارتفع هو اللزوم، فيلزم من ذلك أن يكون للأمر الواحد في الآية بالحج معنيان، فهو في حق البالغ غير الحرجي والضرري وجوب وفي حق غيره من المستطيعين استحباب، واستعمال اللفظ في معنيين أو كون المراد الجدي منه معنيان في عرض واحد خلاف الظاهر، والنتيجة أن الأمر الموجود قد انعدمت دلالته على الوجوب في حق الصبي لحديث الرفع، ولكن دلالته على الاستحباب في حقه لو ثبتت للزم استعمال اللفظ في معنيين وهو خلاف الظاهر، فهذا المحذور يمنع من استفادة الاستحباب من الأمر بالحج في حق الصبي والحج الضرري والحرجي.

وأما على مسلك حكومة العقل أو الإطلاق فإن الأمر لم يستعمل في الوجوب أصلا كي يلزم من استفادة الندب في حق الصبي استعمال اللفظ في معنيين، فهو من الأول لم يستعمل إلا في طبيعي الطلب أو في اعتبار الفعل على ذمة المكلف، وأما استفادة الوجوب فمن عنصر آخر لا من نفس الأمر وهو في الإطلاق بالسكوت عن الترخيص وفي حكم العقل بعدم نصب قرينة على الترخيص يتحقق موضوع حكم العقل بالوجوب ، فحيث إن دلالة الأمر لا زالت باقية يستفاد منها مطلوبية الحج في حق الصبي و حال الحرج والضرر - إن لم يكن ضررا محرما وهو الضرر البليغ - .

وهنا إيرادان:

الإيراد الأول: ما ذكر في تقرير كلام سيدنا قدس الشريف[2] ومحصله أن الوجوب بناءً على أنه بحكم العقل ليس قابلا للوضع شرعا كي يكون قابلا للرفع، فلا يمكن رفع نفس الوجوب بلا ضرر ولا بلا حرج ولا بحديث الرفع، وإذا لم يرتفع نفس حكم العقل بالوجوب فما هو المرفوع بهذه الأدلة؟ الصحيح أنها ترفع أصل الأمر، أي: ترفع اعتبار الفعل على ذمة المكلف، لأن الحاكم إما أن يرفع الوجوب وإما أن يرفع الأمر ولا ثالث، و حيث لا يمكن رفع الأول لأنه أمر عقلي، فيتعين أن يكون المرفوع أصل الأمر واعتبار الفعل على الذمة. وحينئذ فلا شاهد على مطلوبية الحج من الصبي والحج الضرري والحج الحرجي.

ولكن يمكن التأمل فيه، بأن ما ذكره قدس سره من أن نفس حكم العقل بالوجوب لا يمكن رفعه وإن كان صحيحا، ولكن موضوع حكم العقل بالوجوب مركب من جزئين الأمر - وهو اعتبار الفعل على الذمة - وعدم الترخيص، ويكفي في رفع المركب رفع أحد جزئيه، فالمرفوع بلا ضرر وبلا حرج ليس الجزء الأول من الأمر و هو الاعتبار بل الثاني برفع عدم الترخيص وتبديله بالترخيص، فيقال: ثبت بحديث الرفع ولا ضرر ولا حرج الترخيصُ، فإذا ضم الترخيص إلى الأمر ثبت الاستحباب.

الإيراد الثاني: إن قلت: هذا الكلام كله مبني على أن الجزء الثاني لموضوع حكم العقل هو عدم الترخيص ليبدل بالترخيص، ولكن بناءً على أن الجزء الثاني هو عدم العلم بالترخيص فلا يرد هذا التوجيه ، فإنه كما أن حكم العقل لا يمكن رفعه فإن العلم وعدم العلم لا يمكن رفعهما لأنهما من الأمور التكوينية، فالمكلف إما عالم بالترخيص وإما ليس بعالم، فإن كان عالما فلاحاجة للدليل الحاكم ، وإن لم يكن عالما فلا معنى للحكومة إذ التصرف في علمه وجهله ليس من شأن الشارع كي يرفع بلا ضرر ولا حرج، فرجع الإشكال وهو تعين كون المرفوع بهما هو أصل الأمر، وحينئذ فلا دليل على الاستحباب.

قلنا: إما أن لا تكون لاضرر حاكما أو حاكما ، والأول خلاف الضرورة من حكومتها على أدلة الأحكام الأولية، وعلى الثاني إما أن ترفع حكم العقل وهو مستحيل لأن رفع الشيء شرعا فرع وضعه وحكم العقل ليس بيد الشارع وضعه كي يكون بيده رفعه، أو ترفع أصل الأمر وهو مما لاوجه له ، لأن الأمر ليس منشأ في حد.ذاته لوقوع المكلف في الحرج والضرر ، وانما منشأ ذلك هو اللزوم لا أصل اعتبار الفعل على ذمة المكلف مضافا الى أن الدليل الحاكم وارد مورد الإمتنان ولاامتنان في رفع أصل الطلب والمشروعية ، فتعين أن موطن الحكومة والتصرف هو رفع عدم الترخيص إلى الترخيص لا الأمر، فإن أصل الطلب أو أصل اعتبار الفعل على الذمة ليس فيه أي حرج أو ضرر فلا امتنان في رفعه، فالمتعين رفع عدم الترخيص إلى الترخيص وإن لم يكن جزءً من موضوع الوجوب عقلا لكنه يكفي في منع حكم العقل بالإلزام . فإنه إذا رفع المولى عدم الترخيص فصار ترخيصا ولم يعلم به المكلف، فوقوع المكلف في الضرر والحرج حينئذ مستند إلى جهله لا إلى موقف الشارع وإبقائه للأمر، وما يرفعه حديث لا ضرر هو منشأ الضرر، ولا منشأ للضرر في الأمر نفسه ، ووقوع المكلف في الضرر مستند لجهله لا لموقف الشارع، فتعين أن يكون المرفوع ما هو منشأ الضرر فعلا، ومنشؤه هو إبقاء الشارع لعدم الترخيص، فيتعين أن يكون هو المرفوع من عدم الترخيص إلى الترخيص.

وهذه ثمرة تامة أيضا.


[1] في بحوثه، ج٢، ص٢٤.
[2] المحاضرات، ج4، ص24.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo