< قائمة الدروس

الأستاذ السید منیر الخباز

بحث الأصول

45/03/14

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: الأوامر/ /القول الثاني فيي منشأ استفادة الوجوب من الأمر

 

القول الثاني في منشأ استفادة الوجوب: وهو ما ذهب إليه المحقق العراقي من أن المنشأ هو الإطلاق المبتني على مقدمات الحكمة.

وبيان ذلك بذكر أمرين:

الأمر الأول: أن الإطلاق قد يقع في تحديد المفهوم وقد يقع في تحديد المصداق، إذ تارة يكون المنظور هو المفهوم ويبحث هل أن المفهوم ضيق أم لا؟ ويراد بالإطلاق بيان عدم ضيق المفهوم، كما إذا قال: (ائتني بماءٍ) فاستفيد من مقدمات الحكمة - وهي كون المتكلم في مقام البيان ولم ينصب قرينة على التقييد - أنه لا ضيق في موضوع الطلب، بل هو طبيعي الماء لا بشرط. وتارة يراد من الإطلاق تنقيح المصداق لا بيان حدود المفهوم سعةً، كما إذا قال: (زر المرجع) حيث لا يراد بذلك الطبيعي، وإنما يراد الفرد الخاص والحصة الخاصة في مورد يكون اللفظ صالحا لبيان أحد الفردين أو إحدى الحصتين، فيقال: إن مقتضى إطلاق لفظ (المرجع) وعدم تقييده بقيد خاص أن المنظور هو المرجع المعروف المشهور، فيتوسل بالإطلاق لا لبيان سعة المفهوم بل يتوسل به لبيان كون المراد حصة من هذا المفهوم، وهي الحصة المشهورة أو الأعلائية أو ما أشبه ذلك.

فليس الإطلاق منحصرا في أن يكون مورده المفهوم، بل قد يكون المنظور في الإطلاق بيان المصداق، ولهذا اشتهر في الأصول أن مقتضى إطلاق الوجوب أنه الوجوب النفسي العيني التعييني مع أنه ليس المقصود هنا المفهوم، وإلا لكان المستفاد من الوجوب طبيعي الوجوب، بينما المدعى أن المستفاد من إطلاق الوجوب حصة من الوجوب، وهي الوجوب النفسي مقابل الغيري والعيني مقابل الكفائي والتعييني مقابل التخييري، لأن الإطلاق ليس على نسق واحد، بل قد يتجه لبيان سعة المفهوم وقد يتجه لبيان إرادة الحصة الخاصة، وهذا ما نريده في المقام فإن المحقق العراقي قدس سره يريد بالإطلاق أن يصل إلى حصة من الطلب وهي الطلب الوجوبي مقابل الطلب الندبي لا طبيعي الطلب على سعته.

الأمر الثاني: إن كاشفية إطلاق الطلب عن حصة من الطلب يستند الى ثلاثة تقريبات ذكرت [في نهاية الأفكار ج١ص١٦٢] للمحقق العراقي قدس سره وكلمات غيره .

التقريب الأول: بيان الأتمية في نفس الطلب، والوجه في ذلك أن الطلب نوعان: طلبٌ ناقص يشوبه الضعف ولأجل أنه ناقص لا يمنع من الترك، بل يجتمع معه الرضا بالترك، فهذا هو الطلب الندبي. وطلبٌ تام لا يشوبه نقص ولتماميته يمنع من الترك، وهو الطلب الوجوبي.

وإذا دار الأمر بين الطلبين كان مقتضى الإطلاق هو إرادة اللزوم، حيث إن الآمر في مقام البيان ولم ينصب قرينة على الطلب الخاص الذي يحتاج بيانه لمؤنة وهو الطلب الندبي لكونه طلبا مشوبا بالضعف محتاجا إلى الضميمة وهي ضميمة الرضا بالترك، فمقتضى ذلك إرادة الطلب التام الوجوبي.

أو فقل: إن الطلب التام طلب وشدة ، والناقص طلبٌ وعدمُ تلك الشدة ، فهو طلب مع قيد خارج عن إطار الطلب، بينما الطلب الوجوبي هو طلب وتأكد، وهذا التأكد والشدة من صميم الطلب لا من خارج عن الطلب. فلذلك يكون إطلاق الطلب بيانا لما هو محض الطلب، ولا يشمل ما كان طلبا وشيئا خارجا عن إطار الطلب.

التقريب الثاني: أن الطلب الوجوبي أكمل لا من حيث ذات الطلب - كما في التقريب الأول - بل هو أكمل من حيث اقتضاء الوجود.

وبيان ذلك بذكر مقدمتين:

الأولى: أن كل طلب يقتضي تحريك المكلف نحو الوجود والعمل بلحاظ أن الطلب إذا وصل حكم العقل بأنه ينبغي للمكلف أن يعمل ويستجيب للأمر .

الثانية: أن اقتضاء الطلب لتحريك العبد نحو العمل على نوعين: النوع الأول: اقتضاء أن ينتقل العمل من اللاوجود إلى الوجود، لكن لا بنحو سد الأبواب كلها بل بنحو الترجيح الذي يحكم العقل به رغبةً في الثواب، وهذا هو الطلب الندبي. النوع الثاني: الاقتضاء الباتّ التي يقتضي سد كل أبواب العدم بحيث يكون موضوعا لحكم العقل بضرورة الحركة والامتثال ولو فرارا من العقاب، فإذا دار الأمر بين الاقتضاءين فبما أن الاقتضاء الأول يقف عند الدرجة الأولى ولا يتكامل - لأنه لا يسد كل أبواب عدم الفعل - فلذلك لو كان هو مراد المولى لتصدى لبيانه وتمييزه، وأما النوع الثاني فقد بلغ أوج الإرادة وهو السببية لإخراج الفعل من اللاوجود إلى الوجود، فحيث إن الثاني ليس واقفا عند مرتبةٍ كي يحتاج إلى البيان فيكفي في تعيين إرادة الحصة الوجوبية اللزومية أن المولى في مقام البيان ولم ينصب قرينة على قيد خاص .

التقريب الثالث: في كلمات غير العراقي قدس سره: إن الطلب الندبي حده وجودي، وهو طلبٌ مع الرضا بالترك، بينما الطلب الوجوبي حده عدم الحد وهو عدم الرضا بالترك، وإذا دار أمر المطلوب بين ما له حد وجودي وما ليس له حد وجودي فالذي يحتاج إلى البيان هو ذو الحد الوجودي، فيقال: هو طلب وشيء - وهو الرضا - فيحتاج لمؤنة البيان، وأما ما ليس له حد وجودي فلا يحتاج بيانه إلى أكثر من بيان نفس الطلب، فلذا كان الطلب عند تمامية مقدمات الحكمة ظاهرا في الطلب اللزومي الوجوبي.

وهنا ملاحظات ثلاث:

الملاحظة الأولى: أن الإطلاق من أي جهةٍ فرعُ كون المولى في مقام البيان من تلك الجهة، فهل المولى هنا في مقام البيان من جهة الحصص وخصوصياتها وجوبية وندبية وتمييز إحداهما على الأخرى؟ أم أن المولى في مقام البيان من جهة القدر المشترك؟ فإذا أريد التمسك بإطلاق قوله: ( أنت مأمور بالصدقة) أو (صل) أو (تصدق) لا من أجل سعة المفهوم بل لتنقيح المصداق وأن المراد أحد المصداقين من الطلب - وهو الوجوبي - فحيث لم يحرز كون المولى في مقام البيان من هذه الجهة لم يصح عرفا التمسك بالإطلاق لإثبات أن المراد حصة معينة وهي الحصة اللزومية.

الملاحظة الثانية: إنما يكون الإطلاق كاشفا عن إرادة الحصة إذا لم يكن اللفظ أداة عرفا لبيان القدر المشترك، ولم يكن المشترك ذا أثر، وإلا فلو كان اللفظ عرفا أداة لبيان القاسم المشترك لوجود مبررات عقلائية لإرادته، فلا يكون مقتضى إطلاق اللفظ إرادة الحصة.

وبيان ذلك أنه في بعض الموارد تكون إرادة القدر المشترك مما لا معنى له، لأنه ليس له أثر شرعي أو عقلي، فلا مبرر لإرادته كما إذا قال: (اجلس في المكان) حيث من الواضح أنه لا معنى لأن يكون مراده طبيعي المكان الذي لا بد من الكون فيه، فلا محالة حيث إن اللفظ لا يصلح مبرزا للطبيعي بما هو - لعدم مبرر عقلائي لإرادته - فيتعين أن المراد منه هو الحصة من المكان وهو المكان الآمن أو المباح النظيف. وأما إذا كان اللفظ بالنظر العرفي مبرزا للطبيعي لوجود مبرر له وهو أن له أثرا عقليا أو شرعيا - كما إذا قال المولى: (ادخل الحرم بطهارة وتسبيح وتهليل) وهو يريد طبيعي الحرم، لاخصوص حرم معين بمكة أو المدينة أو العراق أو مشهد، باعتبار أنه كما أن لكل حرم آدابا خاصة فإن لطبيعي الحرم أدبا مشتركا أريد بيانه، وكما إذا قال: (ائتني بماء) تسهيلا على المكلف أن يأتي بأي ماء - فلا يستفاد من الإطلاق إرادة خصوص ماء الفرات، إذ اللفظ صالح لإبراز الطبيعي لوجود مبرر لإرادة الطبيعي وهو التسهيل على المكلف، كذلك في المقام فإن عنوان الطلب أو البعث أو الإرادة صالح لأن يكون مبرزا عرفا لطبيعي الطلب، لوجود مبررات عقلائية تقتضي إرادة طبيعي الطلب، كما لو قال المولى: (إن لي مطالب أو طلبات في شهر رمضان ومنها إظهار التوبة) إذ أن لطبيعي الطلب المولوي أثرا عقليا وهو كفايته في الداعوية والمحركية، وإن لم يكن لزوميا، كما أنه مما يصح التقرب بامتثاله للمولى مضافا الى أن في امتثاله ثوابا، وربما يكون للمكلف نذر بأن يحقق مطلوبا للمولى وتحقيق مطلوبه هنا وفاء بالنذر، نعم حيث لم تقم قرينة على كونه إلزاميا فربما كان مقتضى الإطلاق المقامي عدم اللزوم أو جريان البراءة عن لزومه، إلا أن هذا لا يعني أن المولى كان في مقام بيان الحصة، بل هو في مقام بيان الطبيعي ذي الأثر العقلي والشرعي، وإن كان لا ينفك خارجا عن إحدى الحصتين، إلا أن لزوم كونه إحدى الحصتين واقعا شيء وكون المولى في مقام بيان الحصة ذات الأثر الخاص شيء آخر، وهذا لا ينافي كون المولى في مقام التقنين لا الإهمال فإن التقنين لا ينحصر ببيان الحصة، فهنا في هذا الفرض لا يكون مقتضى الإطلاق عرفا إرادة الحصة.

الملاحظة الثالثة: أن الفرق بين الوجوب والندب وإن كان بحسب الدقة العقلية أن الأول محض الطلب والثاني طلب وزيادة، أو أن الندب حده وجودي واللزوم حده عدم الحد، إلا أنهما بالنظر العرفي أمران وجوديان، ولكل منهما خصوصية وجودية مقابل الآخر، وليست النسبة بينهما الأقل والأكثر بل هي نسبة التباين والتقابل، فالندب عرفا طلب مع الرضا بالترك، والوجوب عرفا طلب مع سد باب الترك أو المنع من الترك، وبما أنهما وجوديان متقابلان فتعيين أحدهما مقابل الآخر من نفس الإطلاق مما يحتاج إلى القرينة الخاصة.

ولهذا إذا كان الوجوب والندب من الأمور الاعتبارية - كما هو أحد المباني المتقدمة - أو قلنا بمقالة السيد الأستاذ مد ظله - من أن الفارق بينهما في العنصر الجزائي وهو الوعد في الندب و الوعيد في الوجوب - فكلاهما أمر وجودي ذو خصوصية وجودية فلا يمكن اقتناصه من الإطلاق المبتني على مقدمات الحكمة.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo