46/07/17
مما يشترط في صحة الإجارة// كتاب الإجارة
الموضوع: كتاب الإجارة // مما يشترط في صحة الإجارة
الوجه الثالث: وهو أن مقتضى المرتكز العقلائي التفصيل بين الوكالة في إنشاء العقد والوكالة بنحو التفويض، وذلك لأن السفه موجب لنقص الإرادة العقدية، ومقتضى كون السفه موجباً لنقص الإرادة العقدية عدم احترام العقلاء لمعاملات السفيه وعدم ترتيب الأثر عليها، وأثر ذلك أن لا نفوذ لمعاملاته في فرض كونه وكيلاً مفوضاً.
ولكن قد سبق أن قلنا: إن السفه عند العقلاء ليس ملحوظاً على نحو الموضوعية، بل هو ملحوظ على نحو الطريقية لسفهية المعاملة، وأن المتيقن من سيرة العقلاء اجتناب المعاملة مع السفيه لكون معاملاته في معرض السفه وعدم الانضباط، لا أن للعقلاء بناءً على بطلان معاملة السفيه، فإن هناك فرقاً بين اجتناب العقلاء للتعامل مع السفيه حذرا من سفهية المعاملة، وبين حكم العقلاء ببطلان معاملات السفيه وعدم ترتيب الأثر عليها حتى لو كانت معاملة جامعة للشروط، فإن هذا مما لم يحرز من بناء العقلاء، ولكن لو سلمنا الكبرى وهي عدم احترام المرتكز العقلائي لمعاملات السفيه، بمعنى أنهم لا يرتبون الأثر عليها فمقتضى هذه الكبرى التفصيل بين توكيل السفيه في مجرد إنشاء العقد فهذا لا ضير فيه، وبين توكيل السفيه في نفس العقد بسائر تفاصيله وشؤونه فهذا ليس محلا لترتيب الآثار.
فإن قلت: إن ظاهر صحيح هشام بن سالم كما في التهذيب: (أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن عيسى، عن منصور، عن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: انقطاع يتم اليتيم الاحتلام وهو أشده، وإن احتلم ولم يؤنس منه رشد وكان سفيها أو ضعيفا فليمسك عنه وليه ماله)[1] أن الشارع لم يمض المرتكز العقلاء على ما هو عليه، وإنما فصّل بين مال للسفيه ومال غيره، في أن السفه مانع من تسليمه ماله، لا أنه مانع من نفوذ معاملاته في مال غيره، فلو كان وكيلاً عن غيره في أمواله فلا محذور، حيث قيّد المنع في صحيحة هشام (فليمسك عنه وليه ماله) بأمواله.
قلت: إن دفع المال أو عدم إمساك المال عليه الوارد في الصحيحة إذا ثبت المنع عنه في ماله ثبت عدم نفوذ تصرفاته في مال غيره من باب أولى، أي أن المشرّع إذا منع عن تصرفاته في ماله منع عن تصرفاته في مال غيره من باب أولى.
إلا أن في كلمات بعض الأعلام قدس سره دغدغة في ذلك، حيث أفاد بأن دعوى الأولوية ممنوعة، لأن الملاك في الحجر على أمواله حفظ مصلحته لكونه سفيهاً، وهذا بخلاف مال الغير كما إذا وكله الغير في المعاملة على أمواله، فإن الغير هو الذي أقدم على تضييع ماله بإعطائه الوكالة والتفويض إلى السفيه، فلا ملازمة بين الحجر على السفيه في أمواله لكون الشارع ذا غرض في حفظ أموال السفيه وبين حجر السفيه عن الوكالة في أموال غيره مع إقدام غيره على تسليم المال إليه.
ولكن لا يبعد أن المرتكز العقلائي يرى أن النكتة كل النكتة في السفه الموجب لمعرضية تلف المال وإفساده، فإذا كانت النكتة في حجره عن التصرف في ماله هي حفظ الشارع للمال عن التلف والإفساد كما قال تبارك وتعالى: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً) فمقتضى هذه النكتة المنع عن تصرفه أيضاً في مال غيره، ولا يحتمل بحسب المرتكزات العرفية خصوصية لمال نفسه، فمنع الشارع من تصرفه في ماله بنكتة حفظ المال عن التلف، مما يشمل مال غيره، فالصحيح هو التفصيل بمقتضى دلالة الآية والصحيحة بضميمة المرتكز العرفي.
مسألة جديدة:
قال سيدة العروة قدس سره: (مسألة 4: لا بدّ من تعيين العين المستأجرة، فلو آجره أحد هذين العبدين أو إحدى هاتين الدارين لم يصحّ، ولا بدّ أيضاً من تعيين نوع المنفعة إذا كانت للعين منافع متعدّدة. نعم، تصحّ إجارتها بجميع منافعها مع التعدّد فيكون المستأجر مخيّراً بينها).
وقد أفاد سيدنا الخوئي قدس سره الشريف[2] بقوله: (إن تعيين العين لا موضوعيّة له، وإنّما هو من أجل أنّ الجهل به يستلزم الجهل بالمنفعة، وقد تقدّم لزوم معلوميّة العوضين، فالتعيين المزبور مقدّمة لتشخيص العمل أو المنفعة الواقعين مورداً للإجارة.
على أنّه لا يستقيم على إطلاقه، وإنّما يتّجه فيما إذا كان اختلاف بين العينين في الذات أو الصفات، الموجب لاختلاف الرغبات، المؤدّي طبعاً إلى جهالة المنفعة كإجارة واحد من العبد، أو الجارية، أو من الفرس أو السيّارة، أو إحدى الدارين الكبيرة أو الصغيرة، وهكذا.
أمّا إذا اتّحدا من جميع الجهات وتساويا في تمام الخصوصيّات الدخيلة في اختلاف الرغبات إلّا ما شذّ ممّا لا يُعبأ به عند العقلاء، كأحد هذين العبدين، أو إحدى هاتين الدابّتين، أو هاتين السيارتين المشتركتين في تمام الصفات، فلم ير بأس حينئذٍ في صحّة مثل هذا الإيجار.
لا بمعنى إيجار الفرد المردّد حتى يقال: إنّه لا وجود له خارجاً حتى في علم الله سبحانه، إذ كلّ ما في الخارج فهو معيّن لا تردّد فيه، والشيء ما لم يتشخّص لم يوجد، فلو فرضنا أنّه مات أحد العبدين، أو انهدمت إحدى الدارين، فما هي تلك المنفعة التي يتملّكها المستأجر وقتئذٍ؟!
بل بمعنى كونه من قبيل إجارة الكلّي في المعيّن، نظير بيع الصاع من الصبرة على هذا الوجه، فكما أنّ المبيع هناك هو الكلّي الطبيعي في إطار معيّن ملغاة عنه الخصوصيّات الفرديّة، بل هي باقية على ملك المالك ومن ثمّ كان اختيار التطبيق بيد البائع، فكذا العين المستأجرة في المقام بمناط واحد، فيؤجّره مثلاً إحدى دورات الجواهر من الطبعة الكذائيّة التي لا امتياز لبعضها على بعض إلّا بما لا ماليّة له ككون جلده أسود أو أحمر، ويكون اختيار التسليم بيد المؤجر، كما أنه ربّما يبيعه ويكون الاختيار المزبور بيد البائع قاصداً به الكلّي في المعيّن في كلا الموردين.
وبالجملة: فإطلاق كلام الماتن كغيره من الفقهاء لا بدّ من حمله على غير هذا المورد، وإلّا فالإجارة في هذا المورد قد وقعت على شيء معيّن معلوم وهو الكلّي منعزلاً عن الخصوصيّات من غير تردّد فيه حسبما عرفت).
وقد سبقه في النكتة سيد المستمسك قدس سره الشريف[3] : (هذا إذا كان على وجه الترديد، لأن المردد لا وجود له في الخارج، فلا تصح إجارته. أما إذا كان على وجه الكلي في المعين، فلا بأس بإجارته كما لا بأس ببيعه. كما أنه إذا كان أحد العبدين معيناً في نفسه، مردداً عندهما أو عند أحدهما - مثل الأكبر أو الأصغر - فالبناء على البطلان فيه مبني على مانعية الجهل، وإلا فلا مانع عنه عقلاً ولا عرفاً، والأدلة المطلقة تقتضي الصحة. وأدلة نفي الغرر قد عرفت الاشكال فيها. مع أنه قد لا يكون غرر، كما إذا كان العبدان لا يختلفان بالصفات التي تختلف بها الرغبات أو المالية. فالعمدة في وجه البطلان ظهور التسالم عليه) وحاصل ما ذكره العلمان سيد المستمسك وسيدنا الخوئي قدس سرهما أنه إنما يلزم التعيين إذا كان العينان مختلفين في الصفات الموجبة لاختلاف الرغبات المفضية لاختلاف المالية