46/05/07
مما يشترط في صحة الإجار// كتاب الإجارة
الموضوع: كتاب الإجارة // مما يشترط في صحة الإجار
الوجه السابع: وهو ما ذكره بعض الأجلة القميين (رحمه الله)[1] واستقربه السيد الحكيم السبط (قدس سره)[2] ومؤداه أنّ حلية التصرف في الثمن للبائع مع فرض بطلان البيع من باب الإلزام، أي إلزام المشتري بما ألزم به نفسه، حيث إن المشتري عندما اشترى الخمر ألزم نفسه بتمليك الثمن للبائع، وبما أنه التزم بتمليك الثمن للبائع فمقتضى إلزامه بما التزم به أن للبائع التصرف في الثمن.
وقد عبر عن ذلك السيد الحكيم السبط (قدس سره) بقوله: (إلا أن الخروج عنها) أي القاعدة وهي أن مقتضى بطلان البيع حرمة التصرف في الثمن (بالحديثين غير عزيز بعد اعتبار سندهما، واحتمال ابتنائهما على نحو من العقوبة للمشتري وإلزامه بما فعل، فإنه قد أخذ الخمر وانتفع بها، فإذا رجع إليه ثمنها كان الرابح محضاً) فمقتضى إلزامه أن لا يعود إليه الثمن وإن كان ما زال على ملكه (فإن ذلك وإن لم ينهض) أي الاحتمال لا يكفي أن يكون (دليلاً على الحكم، إلا أن ابتناء الحديثين عليه قريب جداً) بأن يكون مفاد الحديثين هو عبارة عن إلزام المشتري بما ألزم به نفسه.
لكن صدق الإلزام في المقام بالنظر الارتكازي العرفي غير واضح؛ فإن المشتري إنما أقدم على تسليم الثمن وفاءً بالمعاملة لا غير، ولا يحرز أنه لو كانت المعاملة باطلة لكان ملتزماً بأداء الثمن، وإنما بذل الثمن وفاءً بمقتضى العقد وليس تسليماً مطلقاً، فدعوى أن هذا التحليل من باب الإلزام له بما التزم به على نفسه ليس واضحاً بحسب المرتكز، فابتناؤها عليه بعيد جداً.
الوجه الثامن: أنه من باب التمليك الطولي، أي تمليك الثمن للقابض في طول بطلان التصرف وحرمته تكليفاً على نحو الترتب.
وهذا المطلب بحثه الفقهاء في باب التحليل من كتاب الخمس، حيث ورد في عدة من الروايات تحليل الخمس في ما ينتقل للإمامي من غيره، أو للملتزم بالخمس من العاصي، كما في معتبرة يونس بن يعقوب، بإسناد الفقيه: (وَرُوِيَ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِالله (عليه السلام) فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْقَمَّاطِينَ، فَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ تَقَعُ فِي أَيْدِينَا الْأَرْبَاحُ وَالْأَمْوَالُ وَتِجَارَاتٌ نَعْرِفُ أَنَّ حَقَّكَ فِيهَا ثَابِتٌ وَإِنَّا عَنْ ذَلِكَ مُقَصِّرُونَ فَقَالَ (عليه السلام): مَا أَنْصَفْنَاكُمْ إِنْ كَلَّفْنَاكُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ)[3] .
وظاهرها تحليل الخمس الذي يصل للإمامي من يد غيره، كما لو باعه العامي سلعة متعلقة للخمس فوصلت السلعة للإمامي.
والبحث في تخريج التحليل في ثلاث نقاط:
النقطة الأولى: أن المستفاد من هذه النصوص تحليل الخمس للإمامي تكليفاً ووضعاً، أي كما أنه يجوز له التصرف فيه تكليفاً بأكل أو بنوم وسائر التقلبات فكذلك يجوز له التصرف وضعاً ببيعه أو هبته ونحو ذلك. كما أن ظاهرها كون التحليل لا من باب الإباحة بل من باب التمليك، لدلالتها ولو من باب الإطلاق المقامي على جواز سائر التصرفات المترتبة على الملك مما يكشف عن كونه بنحو التمليك - أي تمليكه الخمس -.
النقطة الثانية: أن ظاهر الروايات أن الوزر - بمعنى الإثم والضمان - على المنتقل عنه المال، فتمليك الإمام للإمامي المنتقل إليه المال مساوق لثبوت وزر هذا الخمس - التكليفي والوضعي - لعدم دفعه للإمام عليه السلام على عهدة من انتقل عنه، كما هو ظاهر عدة نصوص ومنها مفاد روايتين معتبرتين:
إحداهما: معتبرة سيار، كما في التهذيب: (سعد بن عبد الله، عن أبي جعفر، عن الحسن بن محبوب، عن عمر بن يزيد قال: رأيت أبا سيار مسمع بن عبد الملك بالمدينة، وقد كان حمل إلى أبي عبدالله (عليه السلام) مالا في تلك السنة فرده عليه فقلت له: لم رد عليك أبو عبدالله (عليه السلام) المال الذي حملته إليه؟ فقال: إني قلت له حين حملت إليه المال: إنّي كنت وليت الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم، وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم، وكرهت أن أحبسها عنك وأعرض لها وهي حقّك الذي جعل الله تعالى لك في أموالنا، فقال: ومالنا من الأرض وما أخرج الله منها إلا الخمس؟! يا أبا سيّار، الأرض كلّها لنا، فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا، قال: قلت له: أنا أحمل إليك المال كلّه؟ فقال لي: يا أبا سيّار، قد طيبناه لك وحللناك منه فضمّ إليك مالك، وكلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون، ومحلّل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيدي سواهم، فإنّ كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم منها صغرة)[4] .
كما أن هذا هو الظاهر من معتبرة أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: قال رجل وأنا حاضر: حلّل لي الفروج؟ ففزع أبو عبد الله عليه السلام، فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق إنّما يسألك خادماً يشتريها، أو امرأة يتزوّجها، أو ميراثاً يصيبه، أو تجارة أو شيئاً أعطيه، فقال: هذا لشيعتنا حلال، الشاهد منهم والغائب، والميّت منهم والحيّ، وما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال، أما والله لا يحلّ إلاّ لمن أحللنا له، ولا والله ما أعطينا أحداً ذمّة، ولا لأحد عندنا ميثاق)[5] ..
والحاصل أن هناك نكتة مشتركة بين روايات الباب وروايات التحليل، فكما يأتي السؤال في المقام: كيف يجمع بين بطلان بيع الخمر وحرمة التصرف في الثمن، وبين جواز التصرف فيه لمن قبضه بالتصدق أو قضاء الدين؟ يأتي السؤال أيضا في معنى روايات التحليل، وهو كيف يجمع بين قول الإمام ع يحرم على أي أحد أن يتصرف في الخمس الذي تحت يده، فإن التصرف فيه بالبيع والنقل ونحوه غصب وإتلاف موجب للضمان، لكنه إذا وصل للشيعي فله تملكه مع بقاء الضمان على من انتقل عنه.
النقطة الثالثة: إن التحليل متصور على وجهين: الإمضاء، والتحليل الابتدائي.
الوجه الأول: الإمضاء: وبيانه أنه لما كان بيع السلعة المتعلقة للخمس معاملة فضولية لأن البائع لا يملك خمسها، فلا تصح إلا بإجازة المالك، فلو قلنا بأن مرجع التحليل إلى الإمضاء - بمعنى أن بائع السلعة حيث قصد تمليك المشتري الإمامي تمام السلعة - فمقتضى إمضاء المعاملة من الإمام عليه السلام دخول الخمس في ملك الإمامي لكن بإزاء انتقال الخمس من المعوض للعوض - أي الثمن - نظير من باع مالاً متعلقاً لحق من الحقوق فإن صحة البيع تعني انتقال الحق من المثمن للثمن، ومقتضى ذلك ثبوت الوزر تكليفاً ووضعاً على من انتقل عنه المال لثبوت الخمس في الثمن الذي قبضه.