46/04/16
مما يشترط في صحة الإجارة// كتاب الإجارة
الموضوع: كتاب الإجارة // مما يشترط في صحة الإجارة
وفي المقابل من تصدى لترجيح كون الراوي المباشر عنوان "صابر"، وذلك لأحد وجهين:
الوجه الأول: ما ذكره بعض الأجلة (رحمه الله)[1] ، حيث قال: (فلأنَّ لصاحب الوسائل سنداً متصلاً إلى أصحاب الكتب) في الخاتمة من الوسائل حيث ذكر الحر العاملي مشيخته إلى أصحاب الكتب (وهو سلسلة اجازاته التي يوصل بها أسانيده ومشايخه إلى الشيخ الطوسي (قدس سره) وغيره) من المصنفين (وينقل من خلالها كتبهم، فيكون هذا حجة تعبدية على انَّ الرواية ينقلها الشيخ بعنوان (صابر)، ولا يعارضه حجة تعبدية اُخرى، لأنَّ النسخ الموجودة للكتب بايدينا ليست حجة تعبدية بل وجدانية ومن باب الاطمئنان والقطع، وهو غير حاصل في مورد التهافت) بين النسخ.
وما أفيد يرتبط بمطلب كلي، وهو هل أنّ ما ينقله صاحب الوسائل (عليه الرحمة) عن الكتب مباشرة حجة أم لا؟
أي هل يكفي في حجية نقل صاحب الوسائل (رحمه الله ) عن النسخة التي وصلت إليه بعنوان الكتاب أنّ له سلسلة من الإجازات تصل إلى صاحب الكتاب نفسه كالشيخ الطوسي (رحمه الله) أو من نقل عنه؟
في ما إذا شك في أنّ النسخة التي نقل عنها صاحب الوسائل (عليه الرحمة) -نسخة الكافي أو التهذيب وغيره من الكتب- هل هي مطابقة لنسخة المؤلف التي كتبها أو أملاها؟ سواءً وقع الشك في التطابق من حيث السند أو متن الرواية أو أصل وجودها في الكتاب أم لا؟
وتمامية هذا المدعى من قبل بعض الأجلة (رحمه الله) تتوقف على إضافة: وهي أنّ ذلك مقتضى أصالة الحس؛ لأنّ الشك في كون شهادته بأنّ النسخة التي بين يديه هي نسخة التهذيب عن اجتهاد أو نقل عن حس.
وهنا قاعدة في الأصول في باب حجية خبر الثقة، ويمكن تطبيقها في نقل الروايات من قبل المصنفين وفي باب التوثيقات الرجالية، وهي: أنّه إذا كان المخبر به أمراً حدسيا كالإخبار بأن تطوق القمر علامة على كونه من الليلة الثانية، لم يكن الخبر حجة إلا من باب حجية قول الخبير، فلابُدّ من إحراز خبرة المخبر، وإنْ كان المخبر به أمراً حسياً فتارة يحرز أنّ الإخبار حسي وهو حجة، وتارة يحرز أنّ الإخبار بالأمر الحسي نشأ عن حدس لا عن حس فليس بحجة.
فإنّ ما قام عليه البناء العقلائي من حجية خبر الثقة هو ما كان المخبر به حسياً وكان الإخبار به عن حس، وإنْ لم يحرز أنّ الإخبار كان عن حس أو حدس، فهناك أصلٌ عقلائي يعبر عنه بأصالة الحس، أي البناء على أن النقل عن حس.
فمثلاً: لو قال الثقة: (فلانٌ مريض)، فإنّ المخبر به أمر حسي وهو المرض، ولكن لا يعلم هل أخبر بذلك عن حس -أي أنّه رآه بالوجدان مريضاً- أو عن حدس -كما لو رأى بعض العلامات فاستنتج أنّه مريض-.
فإذا شكّ في أنّ النقل عن حس أم حدس مع كون المخبر به حسياً فمقتضى أصالة الحس أنّ إخباره عن حس.
وتطبيق ذلك على المقام: أنّه عندما ينقل صاحب الوسائل (رحمه الله) عن نسخة بين يديه قائلاً إنّها نسخة التهذيب، وشُكّ في أنّ إخباره وشهادته عن حس أم حدس، فمقتضى أصالة الحس أنّ إخباره عن حس؛ فإنّ انتساب النسخة للمؤلف أمر حسي.
والخبر عن الأمر الحسي عن حس من الثقة حجة عقلائية وتعبدية، ومقتضى حجيته أنّ ما أخبر به إخبار عن التهذيب.
وهذا هو عمدة الاستدلال في هذه المسألة التي يترتب عليها ثمرات كثيرة في الفقه، وقد ذهب جملة من الأعاظم منهم سيدنا الخوئي (قدس سره) وغيره، بأنّ نقل صاحب الوسائل أو البحار أو جامع الرواة عن الكتب الحديثية حجة تعبدية.
ولكن قد يقال: بأنّ أصالة الحس أصل عقلائي، ولا يحرز إجراء العقلاء أصالةَ الحس في مورد قامت الأمارات على خلافه، أي قامت الأمارات على الحدس.
كما في المقام لوجود عدة علامات واضحة على أنّ شهادة صاحب الوسائل بالنسخ عن حدس لا حس، منها:
أنّ العلامة الحلي (قدس سره) أجاز لجماعات ومنهم بنو زهرة أنْ يرووا عنه كتب الشيخ الرواندي (رحمه الله)، ولم يذكر في إجازته هذه الكتب، مما يعني أنّ متعلق الإجازة عناوين الكتب المعروفة للشيخ الراوندي (رحمه الله).
إذ لا شاهد على أنّ بني زهرة أو غيرهم قد قرأوا الكتب بين يدي العلامة (قدس سره) أو تسلموا نسخ الكتب منه بحيث تكون الإجازة في الرواية إجازة لما هو المعلوم أنّه من محتوى الكتب، بل غاية ذلك أنّها إجازة للرواية متعلقة بالعناوين المعروفة لتلك الكتب .
وصاحب الوسائل (عليه الرحمة) من جملة من شملته الإجازة، لا بالمباشرة، بل بواسطة سلسلة المشائخ إلى العلامة (قدس سره).
ولكن صاحب الوسائل (رحمه الله) بذل الجهد في إحراز كتب الراوندي (رحمه الله) التي له إجازة الرواية عنها، لا أنّ نسخ الكتب المعهودة وصلت إليه يداً بيد عن العلامة (قدس سره) أو المؤلف أو النقلة المباشرين.
وذلك لشواهد، منها:
ما جاء في أمل الآمل للحر العاملي (رحمه الله) نفسه قال: (أقول: قد رأيت له) يعني للشيخ الرواندي (كتاب قصص الأنبياء وكتاب فقه القرآن ورسالة في أحوال أحاديث أصحابنا وإثبات صحتها) وظاهر كلامه أنّ لديه إجازة عامة في رواية كتب الراوندي (رحمه الله)، وحيث رأى بعض الكتب المنتسبة له أدخلها ضمن الإجازة.
ومن الشواهد: أنّه كتب على ظهر كتاب النوادر لأحمد بن محمد بن عيسى -الذي ينقل عنه بشكل مباشر: (واعلم أني قد وجدت لهذا الكتاب نسختين صحيحتين عليهما آثار الصحة والاعتماد، ثم إنني تتبعت ما فيه من الأحاديث فوجدت أكثرها في الكتب المعتمدة وأمثالها من الكتب المشهورة، والباقي قد روي في الكتب المعتمدة ما يوافقه في المضمون).
ثم يقول: (وبالجملة القرائن على اعتباره كثيرة، وليس فيه ما ينكر ولا ما يخالف الأحاديث المروية في الكتب الأربعة ونحوها، والله أعلم).
وكتب أيضاً: (هذا ما وجدناه من كتاب نوادر أحمد بن محمد بن عيسى (قدس سره) في نسخة معتبرة نفع الله بها، قوبلت بنسختين صحيحتين) أي قام بعملية مقارنة ومقابلة (عليهما خطوط جماعة من الفضلاء).
وظاهره أنّه استعان في تشخيص انتساب النسخة بوجدان خطوط جماعة من الفضلاء فرجحها على غيرها.
ومن الشواهد: قوله (قدس سره)[2] : (ومصنفات الصدوق، وأكثر الكتب التي ذكرناها، ونقلنا منها، معلومة النسبة إلى مؤلفيها، بالتواتر، وهي إلى الآن في غاية الشهرة.
والباقي -منها-: علم بالأخبار المحفوفة بالقرائن. وذكرها علماء الرجال، وغيرهم، في مؤلفاتهم. واعتمد على نقلها علماء الأعلام. ووجدت بخطوط ثقات الأفاضل. ورأينا على نسخها خطوط علمائنا ـ المتأخرين، وجمع من المتقدمين، بحيث لا مجال إلى الشك في صحتها، وثبوتها عن مؤلفيها. وأكثرها لا يقصر في الشهرة والتواتر عن الكتب الأربعة المذكورة أولا، بل التحقيق والتأمل يقتضي تواتر الجميع).
وهنا نجد أنّ صاحب الوسائل (عليه الرحمة) دمج بين أمرين، بين ثبوت أصل نسبة الكتاب لمؤلفه وبين ثبوت النسخة، فإنّه لا إشكال بأنّ الكتب الأربعة معلومة النسبة لمؤلفيها بالتواتر.
وإنّما البحث في النسخة التي بين يدي صاحب الوسائل (رحمه الله) هل هي النسخة المطابقة لما عند المؤلف أم لا؟ وهذا لم يثبت بالتواتر، والإجازة في الرواية التي له في النقل عن هذه الكتب إجازة في العناوين لا في محتوياتها عن قراءة أو تداول.
ووجدان خطوط ثقات الأفاضل وجماعة من العلماء المتقدمين أو المتأخرين طريق لحصول الاطمئنان لديه، ومعنى ذلك أنّ شهادته بانتساب النسخ حدسية لا من باب النقل الحسي.
ولذلك ذكر المحدث النوري (عليه الرحمة)[3] قال: (بل ذكر في أمل الآمل جملة من الكتب لم يعرف مؤلفها، ولذا لم ينقل عنها، ولم يذكر هذا الكتاب مع أنّه) أي صاحب الوسائل (يتشبّث في الاعتماد، أو النسبة) نسبته إلى مؤلفه (بوجوه ضعيفة، وقرائن خفيّة، ولو كان الكتاب عنده مع اعتماد المشايخ وتصريح الأجلّة، حاشاه أن يهمله ويتجافى عنه).
وبعد ملاحظة مثل هذه العبائر وشهادة مثل هذا الناقد الخبير بالأحاديث وهو المحدث النوري (عليه الرحمة) فلا مجال لجريان أصالة الحس في شهادة صاحب الوسائل (رحمه الله) عما بين يديه من الكتب التي يرى أنّها كتاب الكافي أو التهذيب أو نحو ذلك، بل لابُدّ من الرجوع للمصادر نفسها ونسخها الأصلية.
فهذا الوجه الذي طرحه بعض الأجلة (رحمه الله) وهو موافق لكلمات سيدنا الخوئي (قدس سره الشريف) ليس تاماً.
ولذلك بنى جملة من الأساتذة ومنهم السيد السيستاني (مدّ ظله) على الرجوع إلى المصادر لإثبات كون النسخة مطابقة لنسخة المؤلف باستقصاء القرائن.
الوجه الثاني: الذي ذكره بعض الأجلة (رحمه الله) أيضاً[4] ، وبيانه مؤلف من مقدمتين:
المقدمة الأُولى: التي نضيفها على ما ذكره بعض الأجلة (رحمه الله) كي تكون المقدمة الثانية واضحة.
قد أورد صاحب الوسائل (عليه الرحمة) عدة روايات عن صابر مولى بسّام عن طريق رواة آخرين لا يروون عن جابر الجعفي، فمن هذه الروايات الشريفة:
الرواية الأُولى: (وعنه، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن داود بن فرقد، عن صابر مولى بسّام قال: أمّنا أبو عبدالله (عليه السلام) في صلاة المغرب فقرأ المعوذتين ثمّ قال: هما من القرآن)[5] .
ففي هذه الرواية روى داود بن فرقد عن "صابر".
الرواية الثانية: (وبإسناده عن أبي فالب الرازي، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن غالب، عن علي بن الحسن بن فضّال، عن محمّد بن أبي حمزة، عن أبي الصباح صبيح بن عبدالله، عن صابر مولى أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يصوم تسعة وعشرين يوماً ويفطر للرؤية ويصوم للرؤية، أيقضي يوماً؟ فقال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: لا، إلّا أن يجيء شاهدان عدلان فيشهدان أنّهما رأياه قبل ذلك بليلة فيقضي يوماً)[6] .
والراوي في هذه الرواية عن "صابر" هو أبو الصباح صبيح بن عبدالله.
فالمستفاد من هذه المقدمة الأُولى أنّ الرواة عن "صابر" هم: عبد المؤمن، وأبو الصباح، وداوود بن فرقد.
المقدمة الثانية: ما ذكره بعض الأجلة (رحمه الله): (استبعاد أن تكون الرواية في نفسها عن جابر، إذ الأنصاري لا ينقل عن الصادق (عليه السلام) والجعفي لا ينقل عنه أمثال هؤلاء الأجلاء كداود ابن فرقد وأبي الصباح وعبدالمؤمن، وإنّما الذي ينقل عنه) أي عن جابر الجعفي (أمثال عمرو بن شمر والمفضل بن صالح ونحوهم. فالمظنون قوياً ان الرواية لصابر لا لجابر).
لأنّ الراوي في هذه الرواية هو عبدالمؤمن، وعبدالمؤمن إنّما يروي عن "صابر" لا عن "جابر"، باعتبار أنّ "صابر" هو الذي يروي عنه هؤلاء الأجلاء كداوود وأبي الصباح وعبد المؤمن، وأما جابر الجعفي فالراوي عنه عمرو بن شمر ومفضل بن صالح وغيرهم.
فمن خلال رواية عبدالمؤمن عن هذا الراوي، استفيد أنّ هذا الراوي هو "صابر" وليس "جابر".
وما ذكره (رحمه الله) ليس تاماً؛ لوجود روايات لعبد المؤمن عن "جابر" كما في الكافي وعلل الشرائع.
ففي الكافي: (عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن عبد المؤمن بن القاسم الأنصاريّ، عن سعد، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾[7] قال أبو جعفر (عليه السلام): إنّما نحن الذين يعلمون والذين لا يعلمون عدوُّنا، وشيعتنا اُولو الألباب)[8] .
ورواية عبد المؤمن هنا عن "جابر" بالواسطة لا تقدح لاتحادهما في الطبقة بلحاظ معاصرتهما.
وفي علل الشرائع، قال: (حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن الحسن بن علي الكوفي، عن عبدالله بن المغيرة، عن سفيان بن عبدالمؤمن الأنصاري، عن عمرو بن شمر، عن جابر)[9] .
وهنا يوجد خطأ في النسخة، فإنّه لا يوجد من الرواة من اسمه سفيان بن عبدالمؤمن، وإنّما الصحيح عن سفيان عن عبدالمؤمن الأنصاري، وقد كتب حرف الباء بدل حرف العين.
والنتيجة: أنّه توجد روايات لعبدالمؤمن ولو بالواسطة عن "جابر"، فلا يستبعد روايته في المقام عنه، وبالتالي لا يحصل من خلال ما أُفيد كما ذكر (رحمه الله): (أن المظنون قوياً ان الرواية لصابر لا لجابر).
الوجه الثالث: ما ذكره المحقق للكافي[10] : (لكن بعد تظافر النسخ على لفظة "صابر") أي أنّ أكثر نسخ الكافي بلفظ "صابر" (وقلّة المسمّين بهذا العنوان جدّاً) ففي الرواة قليل من اسمه "صابر" (وكثرة المسمّين بـ "جابر"، وما أشرنا إليه غير مرّة من أنّ سير التصحيف) عند النساخ الأوائل للكتب (في كثيرٍ من العناوين هو من الغريب إلى المشهور المعهود) وليس العكس، أي أنّه إذا اشتبه عندهم اسم الراوي يقومون بتصحيفه إلى المشهور لا إلى الغريب، فهذا يوجب الظن قوياً أنّه لما رأو "صابر" وهو قليل الرواية صحفوه إلى "جابر" باعتبار أنّه هو المعروف (الظاهر بعد ذلك ترجيح "صابر" على "جابر").
ولكن هذا المقدار لا يفيد اطمئناناً ولا رجحاناً لكونّ الراوي في المقام هو "صابر" وليس "جابر".
مع أنّ النسخ نفسها مختلفة، وفي بعض النسخ كتب "بدل نسخة"، مما يعني اختلاف المصادر الأولية.
فتلخص من ذلك: أنّه لم يثبت ترجيح "جابر" على "صابر"، ولا ترجيح "صابر" على "جابر"، فلم يحرز الراوي المباشر للإمام (عليه السلام).