« قائمة الدروس
الأستاذ السید منیر الخباز
بحث الفقه

46/04/05

بسم الله الرحمن الرحيم

 شرطية القدرة على التسليم// كتاب الإجارة

الموضوع: كتاب الإجارة // شرطية القدرة على التسليم

 

التعليقة السادسة: في موارد احتمال كون الشرط هو المحصَل:

كما في باب الطهارة والتذكية.

توجد عدة محتملات، واختلاف المحتملات موجب لاختلاف الأثر العملي.

مثلاً: لا ريب في أنّ الصلاة مشروطةٌ بالطهارة، لكن ما هو الشرط في الحقيقة؟

هنا محتملات خمسة في تحديد الشرط:

المحتمل الأول: أنّ الشرط هو نفس فعل الوضوء:

كما هو ظاهر قوله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾[1] ، غاية ما في الباب أنّ موضوع صحة الصلاة مركبٌ من وضوءٍ مع عدم حدثٍ، بلحاظ ما ورد من أنّ الحدث ينقض الوضوء، كما في الاستبصار: ما رواه الحسين بن سعيد، عن أخيه الحسن، عن زرعة، عن سماعة قال: سألته عما ينقض الوضوء قال: (الحدث، تسمع صوته أو تجد ريحه والقرقرة في البطن إلا شيئا تصبر عليه والضحك في الصلاة والقيء)[2] .

حيث قد يقال: إنّ المستفاد من ذلك أنّ الشرط في صحة الصلاة الوضوء مع عدم الحدث.

المحتمل الثاني: أنّ الشرط هو بقاء الوضوء إلى حين تمامية الصلاة:

كما في كلمات سيدنا الخوئي (قدس سره).

والفارق بين هذا المحتمل والمحتمل الأول هو أنّ المأخوذ هنا في الشرط عنوان وجودي، وهو بقاء الوضوء إلى حين تمامية الصلاة؛ باعتبار أنّ عملية الوضوء عملية تكوينية متصرمة، فلا يمكن أنْ يكون الشرط تلك العملية؛وإنّما الشرط في صحة الصلاة حكم الشارع ببقاء ذلك الوضوء إلى حين تمامية الصلاة تعبداً -لا تكويناً-، كما يظهر من الرواية: (سألته عما ينقض الوضوء قال: (الحدث..))، فإنّها ظاهرة في أنّ للوضوء بقاءاً واستمراراً ينتقض بالحدث.

وهو ظاهر صحيحة زرارة: (لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا)[3] ، فإنّ استصحاب الطهارة لا معنى له إلا استصحاب بقاء الوضوء إلى حين تمامية الصلاة.

المحتمل الثالث: أنّ الشرط هو الطهور بما هو عنوان مشير للثلاثة "الوضوء" و "التيمم" و "الغسل".

حيث إنّ الذي أُخذ في لسان الأدلة هو عنوان الطهور، كما في الوسائل: وعن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): (لا صلاة إلا بطهور)[4] .

وكذلك في حديث لا تعاد وهو صحيحة زرارة: كما في الوسائل: وبإسناده عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)، أنه قال: (لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور، والوقت، والقبلة، والركوع، والسجود)[5] .

كما ورد أيضاً أنّ التيمم أحد الطهورين، صحيح زرارة كما في الوسائل: محمد بن الحسن، عن المفيد، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن الصفار وسعد، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد، عن حريز، عن زرارة - في حديث - قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إن أصاب الماء وقد دخل في الصلاة، قال: (فلينصرف فليتوضأ ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمض في صلاته، فإن التيمم أحد الطهورين).[6] .

فإنّ ظاهر هذه الأدلة أنّ الشرط في صحة الصلاة عنوان الطهور، لكن لا لموضوعيةٍ للعنوان؛ بل بما هو عنوانٌ مشيرٌ لعملية الوضوء وعملية التيمم وعملية الغسل.

المحتمل الرابع: أنّ الشرط هو عنوان الطهور، لكن بما له من الموضوعية:

وهذا المحتمل ذكره سيد المنتقى السيد الروحاني (قدس سره)[7] .

فإنّ مقتضى أصالة الموضوعية في العناوين، أنّ لعنوان الطهور في قوله (عليه السلام): (لا صلاة إلا بطهور) موضوعية، لا أنّ عنوان الطهور مجرد مشير إلى الأفعال الثلاثة.

نظير ما إذا قال المولى: (اِحترم الهاشمي) أو (عظم الهاشمي)، فإنّ ظاهره أنّ لعنوان التعظيم وعنوان الاحترام موضوعية، لا أنّه مجرد عنوان مشير.

وهذا هو مقتضى الجمع بين صدر الآية المباركة وذيلها، فإنّ صدر الآية المباركة أخذ الشرط فيه نفس الوضوء حيث قال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾[8] ، ولكن في ذيل الآية المباركة قال تبارك وتعالى: ﴿وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾[9]

ومقتضى الجمع بين كون الشرط هو نفس الوضوء وكون الشرط هو الطهور أنّ ما هو شرط في صحة الصلاة هو الطهور بما له من الموضوعية، وأن الوضوء من مصاديقه.

المحتمل الخامس: أنّ الشرط هو الطهارة المُسببة:

كما ذهب إليه جملة من الأعلام منهم السيد الأستاذ (مدّ ظله الشريف) من أنّ الشرط في صحة الصلاة هو الطهارة المُسببة شرعاً عن الوضوء أو التيمم أو الغسل.

نظير ما ذُكر في التذكية من أنّ الشرط في حلية اللحم هو التذكية، والتذكية هي أمرٌ اعتباري مُسبب عن الذبح الخارجي.

ويمكن استفادة ذلك من بعض الروايات الشريفة، منها:

الرواية الأولى: كما في الوسائل: وفي (عيون الأخبار) وفي (العلل) بالإسناد الآتي، عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) قال: (إنما أمر بالوضوء وبدئ به لأن يكون العبد طاهرا إذا قام بين يدي الجبار عند مناجاته إياه، مطيعا له فيما أمره، نقيا من الأدناس والنجاسة، مع ما فيه من ذهاب الكسل، وطرد النعاس، وتزكية الفؤاد للقيام بين يدي الجبار، قال: وإنما جوزنا الصلاة على الميت بغير وضوء لأنه ليس فيها ركوع، ولا سجود، وإنما يجب الوضوء في الصلاة التي فيها ركوع وسجود)[10] .

الرواية الثانية: وهي صحيحة محمد بن مسلم، كما في التهذيب: وأخبرني الشيخ أيده الله تعالى، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن حماد، عن حريز، عن زرارة ومحمد بن مسلم قال: قلت: في رجل لم يصب الماء وحضرت الصلاة فتيمم وصلى ركعتين ثم أصاب الماء أينقض الركعتين أو يقطعهما ويتوضأ ثم يصلي؟ قال: (لا، ولكنه يمضي في صلاته ولا ينقضها لمكان أنه دخلها وهو على طهور بتيمم). قال زرارة: فقلت له: دخلها وهو متيمم فصلى ركعة وأحدث فأصاب ماءا، قال: (يخرج ويتوضأ ويبني على ما مضى من صلاته التي صلى بالتيمم)[11] .

فإن ظاهرها أنّ الشرط هو الطهر الحاصل من التيمم، أي الطهارة المُسببة عن الفعل الخارجي سواء كان وضوءاً أو تيمماً أو غسلاً.

هذه هيّ المحتملات الخمسة.

والأثر المترتب عليها: أنّه إذا دار أمر السبب بين الأقل والأكثر، كما لو دار أمر الوضوء بين الوضوء لا بشرط أو الوضوء بشرط الترتيب بين القدمين، فهنا يدور السبب وهو الوضوء بين الأقل والأكثر.

فهل يجري الأصل العملي كأصالة البراءة عن اعتبار الترتيب بين القدمين، أو يجري الاستصحاب أي استصحاب عدم اعتبار الترتيب بين القدمين أم لا؟

أما على المحتمل الأول: وهو أنّ الشرط هو نفس الوضوء مع عدم حدثٍ، فتجري البراءة؛ لأنّ مرجع ذلك إلى أنّ الصلاة مشروطةٌ بالوضوء، ويشك في أنّ الصلاة مشروطةٌ بالوضوء مطلقاً أو مشروطةٌ بالوضوء المتقيد بالترتيب؟ فكما تجري البراءة عند الشك في أيّ شرط من شرائط الصلاة تجري البراءة عن اعتبار الترتيب في الوضوء، ومقتضى جريان البراءة الاجتزاء بهذه الصلاة ظاهراً.

وأما على المحتمل الثاني: وهو أنّ الشرط في صحة الصلاة بقاء الوضوء تعبداً إلى حين تمامية الصلاة، فالشرط شيءٌ واحد، لا أنّه مركب من وضوء مع عدم حدث، بل الوضوء هو الشرط لكن بقاءاً.

فإذا شُكّ في أنّ الوضوء الذي اعتبر الشارع بقائه إلى حين تمامية الصلاة هل هو الوضوء بشرط الترتيب أو هو الوضوء لا بشرط؟

فالجاري ليس البراءة؛ لأنّ جريان البراءة عن اعتبار شرطية الترتيب لا يثبت بقاء الوضوء إلى حين تمامية الصلاة، بل يكون من الأصل المثبت، بل الجاري هو قاعدة الاشتغال أو استصحاب عدم انطباق بقاء الوضوء إلى حين تمامية الصلاة على الوضوء الفاقد للشرط المشكوك.

وأما على المحتمل الثالث: وهو أنّ الشرط في صحة الصلاة هو عنوان الطهور، لكن لا بما له من موضوعية؛ وإنما هو مجرد مرآة مشيرة لنفس الأفعال الثلاثة وهيّ الوضوء والتيمم والغسل.

فحكمه حكم المحتمل الأول؛ لأنّ مرجع الشرطية في الحقيقة للمعنون والمسمى وهو نفس الوضوء والغسل والتيمم، فتجري البراءة.

وأما على المحتمل الرابع: وهو أنّ الشرط هو عنوان الطهور بما له من الموضوعية، كما هو ظاهر الأدلة في قوله (عليه السلام): (لا صلاة إلا بطهور)، وقوله (عليه السلام): (لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور، والوقت، والقبلة، والركوع، والسجود).

فإذا شُكّ في أنّ الوضوء بشرط الترتيب أم لا، فقد شُكّ في أنّ الوضوء بدون الترتيب هل هو منطبق لعنوان الطهور أم لا؟

والجاري استصحاب عدم انطباق عنوان الطهور على الوضوء الفاقد للشرط، أو قاعدة الاشتغال.

وإذا شُكّ في أنّ العنوان أُخذ على نحو الموضوعية أو على نحو المشيرية؟

فإنْ أخذ على نحو الطريقية والمشيرية فتجري البراءة، وإنْ أخذه على نحو الموضوعية جرت قاعدة الاشتغال.

وحيث إنّ في الموضوعية كلفة زائدة، وهيّ لزوم أنْ نحرز توفر الوضوء على الشرط المشكوك، بخلاف المشيرية فمع الشك في الموضوعية فهو شك في تحمل كلفة زائدة، ومقتضى البراءة نفي تنجزها.

وأما على المحتمل الخامس: وهو أنّ الشرط هو الطهارة المُسببة عن الوضوء.

فإذا حصل الشك في أنّ الوضوء الفاقد للترتيب هل هو محقق للطهارة؟

فالمقام من موارد الشك في المحصَل.

وقد ذكرنا سابقاً: أنّ المختار هو جريان البراءة، فإنْ لم تجرِ جرى استصحاب عدم تقيد الوضوء بالترتيب، وباستصحاب عدم التقييد يثبت الإطلاق بناءاً على أنّ التقابل بينهما تقابل السلب والإيجاب، وإذا ثبت إطلاق السبب ترتب المسبب؛ لأنّ موضوع المُسبب السببُ لا بشرط.

وعلى فرض الشك في أنّ الشرط نفس الوضوء أو أنّ الشرط هو الطهارة المُسببة عن الوضوء.

أي هل الشرط هو السبب أم المُسبب؟

فإنْ كان هو السبب جرت البراءة عند الشك في اعتبار الأكثر، وإنْ كان هو المُسبب جرت قاعدة الاشتغال على رأي المشهور.

فبما أنّ كون الشرط هو المُسبب يتضمن كلفةً زائدة، وهي عدم الاجتزاء بالصلاة إلا إذا كان الشرط واجداً للترتيب كي يحرز المُسبب، جرت البراءة عن اعتبار المُسبب لنفي الكلفة الزائدة المترتبة على ذلك.

ولذلك: سبق الإشكال في كلمات سيدنا الخوئي (قدس سره) في أنّه إذا شُكّ في أنّ الإجارة مشروطةٌ بالقدرة على التسليم أو أنّ العجز عن التسليم مانعٌ، ودار الأمر بين اعتبار الشرطية أو اعتبار المانعية.

حيث أفاد في نظائر المقام بأنّ البراءتين تتعارضان أو الاستصحابين يتعارضان، أي استصحاب عدم جعل الشرطية مع استصحاب عدم جعل المانعية.

وقلنا: بأنّه لا تعارض بينهما؛ لأنّ الشرطية تتضمن كلفة زائدة، بخلاف المانعية فإنّه إذا شُكّ في وجود المانع جرى استصحاب عدم وجوده.

فبما أنّ الشرطية تتضمن كلفة زائدة دون المانعية جرت البراءة عن الشرطية بلا معارضٍ.

لكن الذي ذكرناه من الإشكال على سيدنا الخوئي (قدس سره) إنّما يتم بناءاً على جريان البراءة في باب المعاملات أو جريان استصحاب عدم الجعل في باب المعاملات.

إلا أنّ جريانهما مورد لإشكالين وهما:

الأول: أنّ استصحاب عدم جعل التقييد هل يثبت الإطلاق أم لا؟

وقلنا: إنّما يثبت به بناءاً على أنّ التقابل بينهما تقابل السلب والإيجاب، ولكن بناءاً على مبنى سيدنا الخوئي (قدس سره) من تقابل الضدين أو بناءاً على مبنى السيد الأستاذ (مدّ ظله الشريف) من تقابل العدم والمَلكة فهو أصل مثبت.

الثاني: على فرض أنّ استصحاب عدم جعل التقييد يثبت الإطلاق في نفسه، إلا أنّ موضوع النفوذ انحلالي، وهو كل عقدٍ عقدٍ، لا أنّ موضوع النفوذ هو الطبيعي.

فبما أنّ موضوع النفوذ انحلالي فاستصحاب عدم جعل التقييد في الطبيعي لا يثبت نفوذ الفرد الخارجي من العقد.


[1] المائدة، 6.
[2] الاستبصار، الشيخ الطوسي، ج1، كتاب الطهارة، أبواب ما ينقض الوضوء وما لا ينقضه، الباب51 باب الضحك والقهقهة، ح3.
[3] تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج1، الباب22 باب تطهير البدن والثياب من النجاسات، ح8.
[4] وسائل الشيعة، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، ج1، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب2 باب تحريم الدخول في الصلاة بغير طهارة ولو في التقية وبطلانها مع عدمها، ح3.
[5] وسائل الشيعة، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، ج1، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب3 باب وجوب إعادة الصلاة على من ترك الوضوء أو بعضه، ولو ناسيا، حتى صلى ووجوب القضاء بعد خروج الوقت، ح8.
[6] وسائل الشيعة، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، ج3، كتاب الطهارة، أبواب التيمم، الباب21 باب أن من دخل في صلاة بتيمم ثم وجد الماء وجب عليه الانصراف والطهارة والاستئناف ما لم يركع، ح9.
[7] كتاب المنتقى، ج2، ص265.
[8] المائدة، 6.
[9] المائدة، 6.
[10] وسائل الشيعة، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، ج1، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب1 باب وجوبه للصلاة ونحوها، ح9.
[11] تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج1، الباب8 باب التيمم وأحكامه، ح69.
logo