« قائمة الدروس

الأستاذ السید منیر الخباز

بحث الفقه

45/08/06

بسم الله الرحمن الرحيم

/تعریف العقد و أرکانه /

 

الموضوع: /تعریف العقد و أرکانه /

 

الوجه الرابع - لاعتبار الموالاة بين الإيجاب والقبول في العقود -: ما ذكره المحقق النائيني قدس سره، ولكلامه تقريران بأحدهما يكون الوجه في الاعتبار وجهاً عقلياً، وبثانيهما يكون الوجه في الاعتبار وجهاً عرفياً.

أما الوجه الأول: فهو ما في كتاب منية الطالب للشيخ موسى النجفي[1] ، قال: إن لازم الفصل بين الإيجاب بالفصل الطويل هو بقاء العلقة بلا طرف، وبيان ذلك أن الموجب - وهو البائع - حين يقوم بخلع الملكية عن نفسه ويلبسها للمشتري، والمفروض أن إلباس الملكية للمشتري متوقف على قبوله، فلو لم يقبل المشتري بعد الإيجاب من قبل البائع فوراً لزم بقاء الملكية بلا طرف - في فترة عدم القبول -، لأن الملكية - أي ملكية المبيع - خرجت عن ملك البائع بالخلع ولم يقبلها المشتري، فأصبحت ملكية بلا طرف، وبقاء الملكية بلا طرف محال، باعتبار أن الملكية معنى حرفي ولا يعقل وجود المعنى الحرفي بلا طرف مقوم له، أو من باب استنكار المرتكز العقلائي باعتبار أن المبيع إذا خرج عن ملك البائع ولم يدخل في ملك المشتري أصبح المال بلا مالك وهذا مستنكر لدى العقلاء، فإن كون المال بلا مالك إنما يكون مقبولاً إذا كان من الأصل بلا مالك كالأراضي الموات مثلاً، وأما بعد كونه ملكاً لأحد فخروجه عن ملكه وبقاؤه بلا مالك فهو أمر مستنكر لدى المرتكز العقلائي.

والنتيجة هي اعتبار الموالاة بين القبول والإيجاب، إذ لو لم تحصل الموالاة وحصل الفصل الطويل بينهما لكان لازم الفصل الطويل بقاء الملكية بلا طرف أو بقاء المال بلا مالك.

ويلاحظ على ما أفيد أن في حقيقة المعاوضة - كما مر سابقاً – مسلكين، وعلى كليهما لا صحة للوجه المذكور :

المسلك الأول: أن المعاوضة متقومة بالإيجاب، وليس دور المشتري إلا الإمضاء والإنفاذ، بمعنى أن الذي يقوم بإنشاء المعاوضة وتحقيقها في وعاء الاعتبار بكلا طرفيها هو البائع، إذ أن قول البائع: (بعتك البضاعة بكذا) مؤداه تمليك المبيع للمشتري بإزاء تملك الثمن منه، فهو يقوم بالخلع واللبس في آن واحد، وليس دور المشتري إلا إمضاء وإنفاذ ما قام به البائع من خلع الملكية وإلباسها للمشتري بإزاء تملك الثمن.

فبناءً على هذا المسلك لا تفكيك بين الخلع واللبس، إذ من الواضح أنه لم يحصل فصل بين الخلع واللبس، لأن الموجب قام بكليهما، أي خلع الملكية عن نفسه وألبسها للمشتري وتلبس بملك الثمن بإيجابه، فلم يحصل فصل أصلاً بين الخلع واللبس كي يترتب على ذلك بقاء الملكية بلا طرف.

المسلك الثاني: أن المعاوضة مبادلة متقومة بالطرفين، ودور كل طرف هو التسبب لتلك المبادلة المتقومة بالطرفين من جهته، وإلا لا تتحقق المعاوضة بفعل أحدهما دون الآخر.

وهنا أفاد المحقق النائيني قدس سره: بما أن المعاوضة مبادلة متقومة بالطرفين فإذا قام الطرف الأول - وهو البائع - بخلع الملكية عن نفسه إلا أن المشتري لم يقبل الا بعد فاصل طويل لزم من ذلك بقاء الملكية بلا طرف.

والجواب عن ذلك نقضاً وحلاً:

أما النقض أولاً: فبما أفاده بعض الأكابر قدس سره [2] وهو أن لازم ما ذكر بطلان جميع العقود سواء حصل فصل بين الإيجاب والقبول أم لم يحصل، لأن المفروض أن القبول أمر تدريجي لا يحصل دفعة واحدة، وبالتالي فقد حصل فصل زمني بين انتهاء الإيجاب الى حين تمامية القبول، فإذا خلع البائع الملكية عن نفسه بالإيجاب فقد بقيت الملكية بلا طرف إلى أن يتم المشتري قبوله لكونه تدريجي الوجود، فالمحذور المحال وارد حتى في العقود التي يقترن فيها القبول بالإيجاب فوراً.

وثانياً: بأن لازم كلام المحقق النائيني قدس سره أن لا فرق بين الفصل الطويل والفصل القصير، لأن بقاء الملكية بلا طرف إذا كان أمراً محالاً عقلاً فلا فرق في المحال العقلي بين كون الفاصل قصيراً أو طويلاً.

فتفصيل المحقق النائيني قدس سره بين كون الفصل بين الإيجاب والقبول طويلاً فيلزم المحذور وهو بقاء الملكية بلا طرف وكون الفصل قصيراً فليس بضائر مما لا معنى، له إذ المحال العقلي وارد على كل حال وهو بقاء الملكية بلا طرف. وهو كلام متين.

وأما الحل فالمفروض - على مبنى المحقق النائيني قدس سره - أن في كل معاملة ملكية إنشائية وملكية فعلية، فالملكية الإنشائية ما تتحقق بقرار الطرفين، وأما الملكية الفعلية فهي منوطة بإمضاء المقنن العقلائي والشرعي.

وبالتالي فما هو منظور المحقق النائيني قدس سره في مدعاه: بأن (لازم الفصل بين القبول والإيجاب بقاء الملكية بلا طرف)؟ هل المنظور هو الملكية الإنشائية? أم المنظور الملكية الفعلية؟

فإن كان منظور المحقق النائيني قدس سره أن لازم الفصل بين الإيجاب والقبول بقاء الملكية الإنشائية بلا طرف فهو غير متصور، إذ ما قام البائع ليس فعلين وهما الخلع واللبس، بل ما قام به فعل واحد – وهو اعتبار ملكية المبيع للمشتري بإزاء الثمن - الذي يمكن تحليله عقلاً لخلع ولبس والا فهو اعتبار واحد، فلا يتصور فصل بين خلع الملكية ولبسها.

وإن كان المنظور في كلامه قدس سره الملكية الفعلية، فالمفروض أن الملكية الفعلية لا تتحقق من قبل المقنن العقلائي والشرعي إلا بعد القبول، فلا يتصور فصل بين الإيجاب والقبول، لأن الملكية الفعلية لم يتحقق خلعها بالإيجاب، وإنما يتحقق خلعها عن البائع بالفعل إذا حصل القبول، فكما أن المشتري لا يلبسها بالفعل إلا بالقبول واجتماع شرائط النفوذ فكذلك لا تنخلع عن ملك البائع إلا بعد القبول.

والنتيجة: عدم تصور فصل بين الخلع واللبس، سواء كان المنظور هو الملكية الإنشائية لحصول الخلع واللبس بفعل واحد، أو كان المنظور هو الملكية الفعلية فإنها لا تنخلع عن ملك البائع إلا بعد حصول قبول المشتري.

هذا هو التقرير الأول.

التقرير الثاني: ما في كتاب المكاسب والبيع تقرير الشيخ الآملي[3] من أن المقصود بالخلع واللبس ليس خلع الملكية من قبل البائع وإلباسها للمشتري، وإنما المقصود خلع الملكية من قبل البائع ولبسه للثمن بلحاظ حلول الثمن محل المثمن.

والوجه حينئذ في اعتبار الموالاة وجه عرفي، وحاصله أن الخلع واللبس - أي الإيجاب والقبول - جزآن من عمل واحد وهو العقد، حيث إن العقد بالنظر الارتكازي العرفي عمل واحد مركب من جزئين: إيجاب وقبول، فلو حصل فصل بأن قام البائع بخلع الملكية عن نفسه ولكن يلبس الثمن بإزائه إلا بعد قبول المشتري، فلازم ذلك التفكيك بين جزئي العمل الواحد وهو العقد، والفصل الطويل بين الجزئين - الأول : وهو الخلع من قبل البائع، والثاني وهو لبس البائع الثمن المتحقق بقبول المشتري - ولازم الفصل بينهما عدم صدق عنوان العقد، حيث إن صدقه عرفاً منوط بالموالاة بين جزئيه نظير الصلاة والوضوء، فإن الفصل الطويل بين أجزاء الصلاة أو أجزاء الوضوء مانع من صدق عنوان الصلاة أو صدق عنوان الوضوء، فكذلك العقد.

ويلاحظ عليه:

أولاً: إن مجرد وحدة المركب لا تعني اعتبار الموالاة، إذ ليس كل مركب مما يعتبر الموالاة بين أطرافه في صدق عنوانه، فالغسل لا يعتبر الموالاة بين أجزاءه، والحج لا يعتبر الموالاة بين مناسكه، وإعطاء ستين مسكيناً في الكفارة مما لا يعتبر الاتصال بين واجباته، حيث لا ملازمة بين كون المركب واحداً واعتبار الموالاة بين أطرافه لا عقلاً ولا عرفاً، مما يعني أن اعتبار الموالاة بين أجزاء المركب الواحد مما يحتاج إلى دليل خاص، وإلا فمقتضى القاعدة أن لا ملازمة بين الوحدة واعتبار الموالاة، ولذلك كانت الموالاة في باب الوضوء بحد معين والموالاة في باب الصلاة بحد آخر والموالاة في الطواف بنسق ثالث، مما يدل على رجوع الموالاة فيها للدليل، وإلا فمجرد الوحدة لا تقتضي الموالاة.

وثانياً: أن الخلع المنشأ من قبل الموجب ليس الخلع المطلق بل الخلع بقبول المشتري، فبما أن الخلع منوط بالقبول فلا وجود له قبل حصول القبول، وإذا حصل القبول حصل الخلع لملكية المبيع واللبس للثمن في آن واحد، فلا يرد المحذور.

 


[2] . کتاب البیع، الخمیني، السید روح الله، ج1، ص342.
logo