< قائمة الدروس

الأستاذ السید منیر الخباز

بحث الفقه

45/07/30

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: /تعریف الإجارة /

 

المحتمل الثالث: ويتضمن أموراً:

١- أن الفارق بين حيازة المنفعة وحيازة الانتفاع أن حيازة المنفعة من باب الملك، وحيازة الانتفاع من باب الحق.

٢- أن الملك والحق من سنخ علقة واحدة - وهي عبارة عن الواجدية والسلطنة أي كون زمام الشيء بيده - قائمة بين الإنسان وبين طرف خارجي، سواء كان ذاك الطرف عيناً من الأعيان أو عملا من الأعمال أو عقداً من العقود، وإنما الفرق بينهما - لدى المرتكز العقلائي في المعتبر، حيث إن الملك هو اعتبار الإحاطة والاستيلاء، بينما الحق هو اعتبار الاختصاص والأولوية، خلافاً للمحقق النائيني قدس سره[1] الذي ذهب إلى أن الملك والحق حقيقة واحدة، بمعنى أن الحق هو مرتبة ضعيفة من الملك، حيث إن الملك مراتب ودرجات، والحق درجة من درجات الملك لذلك لا تترتب عليه سائر آثار الملك، وبنى على ذلك أيضاً السيد اليزدي قدس سره[2] ، بينما ذكر سيد المستمسك قدس سره [3] أن الفرق بين الملك والحق لا بكون الحق مرتبة من الملك، فإن الملك نحو واحد لدى العقلاء ليست له مراتب، ولا لأن الحق يسقط بالإسقاط دون الملك، فإن بعض الأملاك تسقط بالإسقاط كما في الديون الثابتة في الذمة، بل اختلاف الحق والملك راجع للاختلاف في الموارد لمجرد الاصطلاح.

إلا أن المطابق للمرتكزات العرفية أن الحق مختلف عن الملك حقيقة لا مجرد اصطلاح في بعض الموارد، فالحق اختصاص وأولوية، والملك إحاطة واستيلاء، ولذلك قد يثبت الحق في موارد ليس فيها ملك كحق التحجير مثلاً، فمن قام بتحجير الأرض الموات مع أن الأرض الموات لا تملك إلا بالإحياء، يثبت له فيها حق الإحياء دون غيره، كما أن من سبق إلى مكان في الأوقاف العامة - التي ليست ملكاً لأحد - كما لو سبق إلى مكان في المسجد أو مكان في المقبرة فإنه يترتب على السبق حق الأولوية أو حق الاختصاص بالمكان بحيث لا يجوز تكليفاً مزاحمته ما دام شاغلاً للمكان وإن لم يكن الموقع قابلاً للملك.

فدعوى - كما في كلمات بعض الأعلام الذين مر ذكرهم - أن من سبق لمكان في المسجد أو مكان في المقبرة فقد حصل له نوع من الملك للمكان غيرُ مطابقة للمرتكزات العرفية، إذ ليس في مثل هذه الموارد إلا مجرد أولوية واختصاص بحيث لا يجوز مزاحمته ما دام شاغلاً للمكان، لا أنه يترتب على ذلك نوع من الملك.

فالمغايرة بين الملك والحق : بحسب المرتكزات العقلائية واضحة، سواء كان الحق في العين كحق الرهانة وحق التحجير، أو كان الحق في العمل كحق مطالبة الضامن بأداء الدين عند تخلف المدين في الوقت المحدد، أو كان الحق متعلقاً بالعقد كحق الخيار في العقد أو حق الشفعة للشريك وأمثال ذلك من الحقوق.

ومما يؤكد تغاير الملك والحق لدى المرتكزات أن الحق قد يختلف عن الملك في بعض الآثار الواضحة، فمثلا الملك يورث على كل حال، بينما الحق المتقوم بخصوصية في شخص ذي الحق لا يقبل الإرث لمن هو فاقد للخصوصية كحق القسم للضرة، كما أن الملك لا يقبل الإسقاط بحيث تزول العلقة بالإسقاط، وإن كان يقبل الإعراض لكن لا تزول الملكية بمجرد الإعراض، بينما بعض الحقوق تقبل الإسقاط كحق الشفعة وحق الخيار ونحوه، وبعضها المتقوم بمصلحة من شرع الحق لمصلحته لا تقبل الإسقاط ولا النقل، كحق الأب والحاكم الشرعي في الولاية على مال القاصر، أو حق الميت في الدفن، كما أن الملك يقبل النقل بالهبة، وبعض الحقوق لا تقبل النقل حتى بالهبة، فإن ما لا يقبل الإسقاط منها لا يقبل النقل لنفس النكتة، وكل ذلك كاشف عن اختلاف حقيقي بين الملك والحق.

إلا أنه لا فرق بين ملك المنفعة وحق الانتفاع في باب الاجارة من حيث الآثار، فكما أن ملك المنفعة مسوغ للنقل للغير بصلح أو إيجار ما لم يقيد الملك بشخص المستأجر، فكذلك حق الانتفاع مسوغ للنقل للغير ما لم يقيد بشخص المنتفع، وكما أن من غصب العين أو حبسها على المستأجر ضمن قيمة ما فوت على المستأجر من منافع، كذلك لو مؤدى الإجارة حق الانتفاع فإن الحقوق أموال، وأثر ذلك أن الغاصب أو من حبس العين على المستأجر فمنعه من حق الانتفاع ثبت له الضمان، لأن الحق مال يضمن كما تضمن المنفعة، كما أن ملك المنفعة مما يورث كذلك حق الانتفاع - بناءً على كونه مؤدى الإجارة -، فإن الحقوق المالية مما يورث.

والخلاصة: أنه لا فرق بين الحق والملك في باب الإجارة من حيث الآثار، إلا أن يقال إن المترتب على الإجارة لو كان حقاً لكان قابلاً للإسقاط دون ما لو كان من باب ملكية المنفعة.

وإنما البحث في تحديد ما هو المترتب على الإجارة: هل هو ملك المنفعة؟ أو المترتب على الإجارة حق الانتفاع؟ وماهي الشواهد العرفية على تعيين أحدهما؟

ويحسن في المقام ذكر شاهدين:

الشاهد الأول: قد وقع البحث - كما سيأتي في بعض فروع الإجارة - أنه لو وقعت المعاملة على الثمرة أو على لبن الشاة بأجرة، فهل هذه المعاملة بيع أو إجارة؟

ووجه الإشكال: أن الإجارة - سواء قلنا بتعلقها بالمنفعة أو بالانتفاع - لا تتعلق بالأعيان، ولأن هذه المعاملة تعلقت بعين الثمرة فليست إجارة بل بيعاً، ومن جهة أخرى أن الإجارة إنما تتعلق بالمنفعة أو الانتفاع مع بقاء العين للمؤجر، بينما في المقام متعلق المعاملة هو الثمرة التي تستهلك وتفنى مع عدم بقاء عين في ملك المؤجر، بحيث يكون دور المستأجر مجرد الاستهلاك والاستيفاء لمنفعتها.

ولكن فصل جملة من الفقهاء - ومنهم بعض الأعلام رحمه الله[4] [في كتاب الإجارة ص33 - 34] - بأنه قد يقال إن المنفعة كالثمرة واللبن إذا لوحظت وجوداً مستقلاً عن العين كان تمليكها بيعاً، لأن التمليك تعلق بالثمرة مستقلاً أو باللبن مستقلاً، سواء كانت الثمرة فعلية أو مستقبلية، وأما إذا لوحظت كاستعداد أو شأن للشجرة، بحيث يكون متعلق التمليك الحيثية القائمة بالشجرة وتملك الثمرة تبعاً لها، فإن ذلك يعد إيجاراً لا بيعاً، لأن مصب التمليك الحيثية القائمة بالعين لا مطلقا.

فقد أفاد رحمه الله - بتصرف -: (ومن هنا لا بد من التفصيل على ما سوف يأتي، ففيما هو موجود بالفعل وقبل العقد من المنافع العينية) كما إذا كانت الثمار موجودة بل قد يكون بعضها منفصلاً عن العين ففي هذا الفرض (لا معنى لإيجارها بل يكون نقلها بيعاً) بخلاف ما إذا كانت مستقبلية، فيمكن أن يقال حينئذ إذا كان مصب المعاملة ما سيكون : إن المعاملة إيجار (فيما إذا قصد المالك تمليك حيثية الاستعداد في العين وصلاحيتها للإنتاج) وأما إذا تعلق التمليك بنفس المنتوجات من لبن أو ثمر فهو هو بيع.

)و الحاصل: متعلق التمليك ليس شيئاً واحداً في الحالتين، بل المتعلق في حالة الإيجار الاستعداد والصلاحية في العين، والمتعلق في حالة البيع نفس المنتوج سواء كان حالياً أو مستقبلياً).

ولكن قد يقال إن الموافق للمرتكزات في المقام أن متعلق الإجارة الواقعة على البستان بلحاظ ثمره أو الشاة بلحاظ لبنها هو حق الانتفاع المتعلق بالشجرة أو بالشاة، لا بنفس الثمار والمنتوجات التي هي من قبيل الأعيان كي يكون بيعاً، ولا الحيثية القائمة بالشجرة وهي استعدادها للإنماء، فإن الاستعداد لا معنى لنقله إلى الغير فهو أمر ثابت تكويناً، فإن ما يثبت للمستأجر ما يستوفى بنحو تدريجي وهو حق الانتفاع بالشجر المساوق لتملك الثمار أو اللبن وما أشبه ذلك، ولولا تحديد المعاملة بالمدة لقلنا إنه بيع لتعلق البيع بالحقوق كما هو المسلك الصحيح.

ونظير هذا المورد ما تقوم به شركات الإنترنت من توفير الطاقة في البيوت أو الأجهزة المحمولة المقدرة بمدة معينة هل هو من باب البيع أو من باب الإجارة? وإذا كان إجارةً فهل متعلق المعاملة فيها المنفعة أو حق الانتفاع؟ و الظاهر - في المعاملة على توفير التليفون أو الإنترنت للبيوت أو الأجهزة - بملاحظة المرتكزات العرفية أن المعاملة فيها من باب الإجارة لا من باب البيع، والشاهد عليه جعل المناط في تحديد الأجر هو المدة المحددة، لا مقدار ما يستهلك من الطاقة، فإن جعل الضابطة متقومة بالمدة المعينة شاهد على أنه ليس بيعاً - لعدم كون المعيار هو الحجم أو الوزن - بل إجارة.

وإذا كان من باب الإجارة فإن المعاملة فيها لم تتضمن تمليك منفعة عين، إذ لا توجد عين ثابتة للمؤجر يتصدى لتمليك منفعتها، بحيث تستوفى المنفعة مع بقاء العين للمؤجر، وإنما المرتكز فيها أن المجعول للمستأجر حق الانتفاع بالطاقة والإنترنت وما أشبه ذلك بالمقدار الذي يريد، دون تقدير بأحجام معينة أو مقادير محددة سلفاً، وإنما المدار على المدة المعينة بأجرة معلومة.

ونظير المعاملة على التليفون والإنترنت المعاملة على توفير الكهرباء والغاز في بعض الدول - بجعل المعيار بالمدة لا بالحجم - مما يكشف إناً عن أن الإجارة في تمام أنحائها يكون الملحوظ هو حق الانتفاع لا المنفعة، إذ من البعيد جداً كون الإجارة في بعض الموارد نحو إجارة البيت بمعنى تمليك المنفعة، وفي بعضها الآخر كالإجارة على توفير الإنترنت للمنتفع بنحو حق الانتفاع.

 


[4] کتاب الإجارة، الحلي، حسین، ص33-34.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo