< قائمة الدروس

الأستاذ السید منیر الخباز

بحث الفقه

45/07/19

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: /تعریف الإجارة /

 

وحاصل الإيراد: أنه بما أن السلطنة المترتبة على الملك هي السلطنة المنتزعة من جواز التصرف تكليفاً ووضعاً، فإن كان المنقول من قبل المالك للمُستأجِر، هذه السلطنة فهي من آثار صحة الإجارة، وإن كانت سلطنة اعتبارية أخرى فليس لدى المالك وراء جواز التصرف تكليفاً ووضعاً سلطنة ينقلها المالك إلى المُستأجِر كي يقال: بأن الإجارة هي التسليط على عين للانتفاع بها بعوضٍ.

والجواب عن ذلك يبتني على مقدمتين:

المقدمة الأولى: أن السلطنة ثابتة في موارد أربعة: الملك والولاية والوكالة والوصاية.

والفرق أن السلطنة في الثلاثة الأخيرة - وهي الولاية والوكالة والوصاية - مما لا تنتقل لغير من جعلت له إلا مع التفويض في الوكالة، بينما السلطنة في الملك قابلة للنقل لغير المالك كما سيأتي بيانه.

المقدمة الثانية: أن السلطنة وإن كانت عنواناً منتزعاً من جواز التصرفات الحسية ونفوذ التصرفات الاعتبارية، وهو منصرف الرواية المنقولة: (الناس مسلطون على أموالهم)[1] ، إلا أنه من التصرفات النافذة للمالك لو قام بها هو جعل الأهلية والصلاحية لغيره، نحو جعل الولاية على الوقف كما لو وقف المالك داراً وجعل عليها ولياً، أو أوصى لشخص أن يتصرف في ثلث تركته، أو أعطى وكالةً لشخصٍ في المعاملات على أمواله وأملاكه، فإن ما يرى بالنظر العقلائي فيها أن المنشأ المعاملي في هذه الموارد - أمر سابق رتبة على جواز التصرف - أي أنه موضوع يترتب عليه نفوذ تصرفات الوكيل، فإذا وكل شخصاً في بيعٍ أو شراءٍ أو نحو ذلك من المعاملات فالمرتكز العقلائي يرى أن هناك منشأ معاملياً أنشئ بهذه الوكالة، وترتب على ذلك المنشأ المعاملي أن الوكيل لو تصرف لكان تصرفه نافذاً، لا أن المنشأ المعاملي نفس نفوذ تصرفات الوكيل، فإن نفوذ تصرفات الوكيل حكم عقلائي شرعي يترتب على المنشأ المعاملي في عقد الوكالة، لا أن ما ينشئه الموكل نفوذ تصرفات الوكيل إن صدرت منه وإلا لم يبق فرق بين الوكيل والفضولي، فكما أن الوكيل إذا صدر منه تصرف نفذ بإذن الموكل فإن الفضولي إذا صدر منه تصرف نفذ بالإجازة اللاحقة، ولا فرق بينهما إلا من حيث سبق الإذن أو لحوق الإجازة.

بينما من الواضح أن ما ينشأ بعقد الوكالة أوالوصاية هو سلطنة يترتب عليها نفوذ التصرفات، وتلك السلطنة عبارة عن الأهلية والصلاحية لتصرف الشخص في أموال الموكل أو ثلث الموصي.

ولذلك فدعوى أن المرتكز العقلائي لا يرى للمالك سلطنة قابلة للنقل بعقد الإجارة وراء نفوذ تصرفاته، مما يكشف عن كون المنقول إلى المُستأجِر ملكية المنفعة وليس شيئاً آخراً محل تأمل، إذ كما أنه في عقد الوكالة وعقد الوصاية هناك شيء ينقله الموصي والموكل للوكيل والوصي أثره نفوذ التصرفات، المعبر عنه بالأهلية والصلاحية، فمن الممكن كون المنشأ في عقد الإجارة سلطنة يترتب عليها نفوذ تصرفات المُستأجِر.

ويؤكد هذا المطلب موردان:

المورد الأول: ما ذكره جملة من الفقهاء في تخريج حق السرقفليّة بأن للمُؤجِر - وهو المالك - أن يجري عقداً مع المُستأجِر أثناء الإجارة أو بعد انتهاء مدة الإجارة مؤداه أن للمُستأجِر حقاً في أن يؤجر العين لنفسه أو لغيره بنفس الأجرة أو بأكثر منها، وهذا هو معنى حق السرقفليّة، فلا حصر في ما ينقله المالك لغيره في التمليك؛ بل قد ينقل المالك لغيره نوعاً من السلطنة وحق التصرف.

المورد الثاني: ما ذكره سيدنا الخوئي قدس سره الشريف [2] في تخريجه حق السرقفليّة، بتشبيهه بعقد السكنى، قال قدس سره: (السكنى في مكان من دار أو دكّان ونحوهما قد تكون: عن إباحة من المالك وترخيص في هذا التصرّف، فهي عارية لا محالة، وللمالك الرجوع عن إجازته متى شاء.

واُخرى: تكون عن ملك لهذه المنفعة ليس لأحد حتى المالك مزاحمته فيها، وله التصرّف كيفما شاء، وهذا هو باب الإجارة)، ولأنه يرى الإجارة من باب تمليك المنفعة جعل هذا القسم من باب الإجارة.

(وثالثةً: عن حقّ متخلّل بين الأمرين وحدّ متوسّط بين المرحلتين، فلا هو مجرّد الإذن ليكون للآذن الرجوع عن إذنه متى شاء، ولا هو ملك للمنفعة ليكون له التصرّف كيفما شاء تصرّف الملاّك في أموالهم، وإنّما هو حقّ محض متعلّق بالسكنى في هذا المحل) أي أن المالك ينقل لغيره حقاً اسمهُ حق السكنى، وهو نوع من السلطنة لمن أعطي له الحق.

(وهذا الحقّ كما هو قابل لتعلّق الجعل به ابتداءً وفي عقد مستقلّ) يعني غير عقد الإجارة (كما في باب السكنى، فيقول: أسكنتك هذه الدار مدّة كذا أو ما دمت حيّاً، فتكون له السكونة لكن لا على نحو يكون مالكاً للمنفعة، ولذا لا يسوغ له نقلها إلى الغير بإجارة ونحوها، ولا تنتقل إلى ورثته بعد موته لو كان الحقّ له خاصّة أو لعنوان عامّ كالطلبة، ولا على نحو يتمكّن المالك من الرجوع، لفرض لزوم العـقد، كما في الوقف.

فكذلك يمكن جعله واشتراطه بشرط صريح أو ضمني ارتكازي في ضمن عقد من العقود، كما لو باع داره واشترط على المشتري أن تكون له) للبائع (السكنى في هذه الدار شهراً إمّا بعوض أو مجّاناً، لا أن يبيعها مسلوبة المنفعة في هذه المدة، بل قد باعها بتمام منافعها، ولذا لا يجوز له إجارتها خلال شهر، لعدم كون المنفعة ملكاً له بل للمشتري، إلّا أنّه يجعل لنفسه حقّ السكنى، ولا ريب في نفوذ هذا الشرط عملاً بإطلاق دليله، فليس للمالك منعه عن السكنى ولا الإيجار في هذه المدّة من شخص آخر.

وربما يشترط هذا الحقّ في ضمن عقد الإيجار، فيستأجر الدكّان - مثلاً - ويجعل لنفسه) أي المُستأجِر لا المُؤجِر (حق السكنى، وهذا يكون على وجوه:

فتارةً: يكون الشرط هو سكنى نفسه فقط، فمتى رفع اليد يرتفع الحقّ، وللمالك إيجاره عندئذٍ من شخص آخر، إذ مورد الحقّ إنما هو سكنى نفسه مباشرةً وقد سقط، ومن ثمّ لم يكن له نقله لغيره، ولا استرجاع المال الذي دفعه للمالك بإزائه - إمّا على سبيل الزيادة على الاُجرة، أو الزيادة في الاُجرة - فإنّه قد ذهب من كيسه ولا عودة فيه.

واُخرى يكون الشرط أوسع من ذلك، فيجعل الحقّ لنفسه ولمن يجعل له هذا الحقّ، وينقله إليه بلا واسطة أو بواسطة أو وسائط).

(ثمّ إنّ هذا الحقّ إذا كان ثابتاً له بالمعنى الجامع الأعمّ من المباشرة - كما هو المفروض - ساغ له نقله إلى الغير) أي من ثبت له حق السكنى فله نقله الى غيره بلا حاجة لإذن المالك مما يعزز صحة نقل المالك سلطنةً منه إلى غيره سواء كانت هذه السلطنة وكالة أو وصاية أو حق السكنى أو حق السرقفليّة، وبالتالي فمن المحتمل أن يكون المُنشأ المعاملي في عقد الإجارة كما ذكر السيد اليزدي قدس سره الشريف: (التسليط على العين للانتفاع بها)، بمعنى أن المالك بعقد الإجارة يمنح المُستأجِر سلطنةً على العين وهي نوع من الأهلية والصلاحية للتصرف في منافع العين، ويترتب على تلك الصلاحية جواز التصرفات الحسية ونفوذ التصرفات الاعتبارية بأن ينقل المنفعة لغيره بصلحٍ أو بإجارة أو ما أشبه ذلك.

نعم نفوذ التصرفات فرع الإجارة، لكن هذا لا يعني أن المُنشأ المعاملي في عقد الإجارة هو تمليك المنفعة؛ بل قد يكون المُنشأ المعاملي في عقد الإجارة نحو من الأهلية والصلاحية يترتب عليه ذلك، نعم كون ذلك هو المطابق للمرتكزات العقلائية مما يحتاج للشواهد.

الإيراد الثاني: ما ذكره سيد المستمسك قدس سره الشريف [3] : من أن تعريف الإجارة بأنها التسليط على العين للانتفاع بها بعوضٍ غير مطرد، فإنه مما ينطبق على العارية بعوضٍ، كما لو أعارَ العينَ لشخصٍ بعوضٍ.

وقد رد هذا النقض سيدنا الخوئي قدس سره الشريف [4] قال: (وأمّا الإيراد بعدم الاطّراد بالنسبة إلى الإذن في التصرّف بشرط العوض مع ضرورة خروجه عن الإجارة.

فغير قابل للإصغاء، لعدم كون الشرط عوضاً واقعاً بإزاء التسليط.

وهذا نظير النقض على تعريف البيع بالهبة المشروطة بعوضٍ. والجواب هو الجواب).

فإن هناك فرقاً بين أن يكون شرط العوض مقابل نفس السلطنة أو يكون شرط العوض مقابل التسليط، لذلك لو قلنا بأن المُنشأ في الإجارة هو السلطنة فإن العوض مقابل نفس السلطنة، أي ثبوت السلطنة للمُستأجِر معوضٌ بعوضٍ، وأما في العارية بشرط العوض، فإن العوض شرطٌ بإزاء نفس الإذن لا بإزاء السلطنة الناشئة عن الإذن، كما في الفرق بين البيع والهبة المشروطة فإن البيع تمليكُ عينٍ بعوضٍ فالعوض فيه مقابل ملكية العين لا مقابل البيع نفسه، بينما الهبة بعوضٍ يكون شرط العوض فيه مقابل الايهاب لا الملكية الحاصلة نتيجة الهبة، وهذا هو الفرق بينهما.

الإيراد الثالث: ما ذكره سيد المستمسك قدس سره الشريف، واستوجهه سيدنا الخوئي قدس سره الشريف[5] [في موسوعته ج30، كتاب الإجارة ص9] قال: (على أنّه يختصّ) أي التعريف الذي ذكره السيد اليزدي (بما إذا توقّف استيفاء المنفعة على الاستيلاء على العين والسلطنة عليها دون ما لم يتوقّف) أي إذا كان الانتفاع بالعين ممايتوقّف على السلطنة فحينئذٍ قد يقال إن الإجارة سلطنة، وأما في بعض الموارد الأخرى فإنه لا يتوقّف الانتفاع فيها على التسليط (كما في الإجارة على الأعمال من الخياطة، أو الصلاة عن الميّت، ونحو ذلك مما كان تسليم العمل بالإتيان به خارجاً من غير تسليط في البين كما هو واضح).

ولكن قد يلاحظ على ذلك: أن دعوى كون المُنشأ بعقد الإجارة في الأعمال هو السلطنة القانونية للمُستأجِر على المُؤجِر التي أثرها إلزامه بالعمل، وأنه لو فات الوقت ولم يأتِ به كان ضامناً له مما لا بعد فيها.

فتلخص بذلك: أن تعريف الإجارة بأنها التسليط على عينٍ للانتفاع بها بعوضٍ خالٍ عن الإشكالات، وأما كونه المطابق للمرتكزات العقلائية فهو منوط بتوفر الشواهد العقلائية عليه.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo