< قائمة الدروس

الأستاذ السید منیر الخباز

بحث الفقه

45/07/18

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: /تعریف الإجارة /

 

والحاصل: أن ما ذكره سيدنا الخوئي قدس سره الشريف من إمكان أن يستأجر وليّ الواقف عيناً فيمتلك منفعتها لا بشخصه بل بما هو ولي، مورد لملاحظتين:

الملاحظة الأولى: من مصباح المنهاج [1] ، وحاصلها: أن الولاية من قبيل النيابة، حيث إن النيابة على قسمين: جعلية من قبل العاقل الملتفت كما في الوكالة والوصاية، وشرعية كما في ولاية الحاكم الشرعي أو الأب والجد على أموال القاصرين؛ فإن نيابتهما عن المولّى عليه في التصرف في أمواله بجعل من المشرع لا بتعيين من المولّى عليه، ومقتضى كون الولاية من قبيل النيابة أن يكون طرف المعاملة الصادرة من الولي هو المولّى عليه لا الولي، فإن كون طرف المعاملة هو الولي دون المولّى عليه خلف كون الولاية من قبيل النيابة وقيام الولي مقام المولّى عليه.

الملاحظة الثانية: ما ذكره بعض الأعلام رحمه الله[2] ومحصله: أن الولاية ليست إلا ملك التصرف القانوني في مال المولّى عليه، وأثر ملك التصرف نفوذه في مال المولّى عليه إذا اقتضته المصلحة.

ومن الواضح أن الولاية بهذا المعنى - أي نفوذ التصرف في مال المولى عليه إذا اقتضه المصلحة - لا يقتضي انتقال المال إلى ملك الولي لا بشخصه ولا بما هو ولي؛ لأن حقيقة الولاية لا تقتضي انتقال ما يعود للمولى عليه إلى ملك الولي.

بل لو حصلت إضافة الملكية للولي للزم أن يخرج عن كونه وقفاً أو زكاة، فمثلاً لو فرض أن الولي باع إبل الزكاة أو باع نماء الوقف الذي هو مصرف لاقتضاء المصلحة لذلك التصرف، ومقتضى تمامية البيع الذي يقتضي انتقال الإبل الزكوية لملك المشتري هوانتقال بدل المبيع للولي، حيث لايمكن تملك الزكاة والوقف للثمن لعدم مالكيتهما، وحينئذ هل يكون البدل زكاةً ووقفاً كالأصل أم لا؟ فإنه لو كان بدل المبيع مما ينتقل إلى نفس الوقف والزكاة صار وقفاً وزكاةً ولكن إن قبل - بحسب مبنى سيدنا الخوئي قدس سره - بأن البدل ينتقل لملك الولي، فلازم انتقاله إلى ملك الولي خروجه عن كونه زكاةً ووقفاً، وهذا مما لا يمكن الالتزام به من قبل أحد.

وببيان أوضح: إن المفروض أن المبيع كان إبل الزكاة - أي كان زكاة - أو نماء الوقف الذي هو على نحو المصرفية، فإذا كان المبدل زكاةً ووقفاً إلا أن البدل حيث إنه وارد على نحو التمليك، والزكاة والوقف لا يقبل التمليك، فمن أجل التخلص من محذور عدم قابلية الزكاة والوقف للتمليك سوف ينتقل بدل المبيع لملك الولي، فإذا دخل في ملك الولي - ولو بما هو ولي - خرج عن كونه زكاةً ووقفاً، بل للولي أن يصرفه في مصالحه بما هو ولي، فإن الولي كما له مصالح بما هو شخص فله مصالح بما هو ولي، كأن تقتضي ولايته أن تكون له سيارة أو يكون له بيت، حيث يسوغ له في ما يدخل في ملكه بما هو ولي أن يصرفه في مصالح الولاية لا في مصالح المولّى عليه وهوالزكاة والوقف، بل يصح إعطاؤه للهاشمي لعدم كونه زكاة وهذا مما لا يمكن الالتزام به.

فهذا منبه في نفسه على أن الطريقة التي اتخذها سيدنا الخوئي قدس سره - من أن طرف المعاملات الجارية من قبل الولي على الزكاة والوقف هو الولي لا المولّى عليه - غير تامة، إذ يترتب عليها لوازم فقهية لا يلتزم بها أحد.

هذا تمام الكلام في الملاحظتين اللتين أوردا على مدعى سيدنا الخوئي قدس سره الشريف.

ولكن ينبغي الإشارة إلى أمرين:

الأمر الأول: أن كلتا الملاحظتين لم يجيبا عن النقض بالإقراض، حيث يقال: إن الوقف على تعزية سيد الشهداء عليه السلام وقفٌ لا على سبيل الملك بل على سبيل المصرفية، لكنه على نسق الوقف على سبيل الملك من حيث الأحكام، وبالتالي فلولي الوقف أن يقترض للوقف لو اقتضت مصلحة الوقف ذلك كما في الوقف على نحو الملك، والفقهاء وإن اختلفوا في حقيقة الإجارة والبيع فقال البعض منهم: إن البيع والإجارة ليس تمليكاً للعين ولا للمنفعة بل هو تبديل لهما في جهة الإضافة، بمعنى أن العين أو المنفعة انتقلت بالبيع والإجارة من جهة الملك إلى جهة الحق أو الاختصاص على سبيل المصرفية لكن لا خلاف عندهم في حقيقة الإقراض، وهي أن الإقراض تمليك شخص المال بالضمان، فلو أراد ولي الوقف أن يقترض للوقف والإقراض تمليك بالضمان، فما هو الطرف المقترض على نحو التملك؟ إذ لا يمكن أن يكون نفس الوقف هو لعدم قابليته للملك، فيتعين لا محالة أن يكون طرف الاقتراض هو الولي.

مما يعني أن النقض بالقرض ما زال النقض باقياً، إلا أن يلتزم بأن جهة المصرفية مالكة، إذ لا معنى للملك إلا نحو اختصاص مسوغ لسائر التصرفات من الاستيفاء والنقل، وهو متحقق بمقولة المصرفية، أو يلتزم بأنه في الوقف والزكاة التي لا تقبل التمليك ليس للولي صلاحية الاقتراض للوقف والزكاة، باعتبار توقف الاقتراض على التمليك ولا مالك، وأما مع الالتزام - كما هو المعروف فقهياً - بأن للولي أن يستأجر أو يبيع أو يشتري أو يقترض إذا اقتضته مصلحة الوقف أو الزكاة فإن محذور النقض بالاقتراض محذور وارد لا مناص منه.

الأمر الثاني: للسيد الخوئي قدس سره الشريف أن يواجه كلتا الملاحظتين بالمصادرة، حيث إن حاصل الملاحظة الأولى أن الولاية تقتضي أن يكون طرف المعاملة هو المولّى عليه لا الولي لكون الولاية من قبيل النيابة، وحاصل الملاحظة الثانية أن الولاية ما هي إلا نفوذ التصرف في مال المولى عليه في إطار المصلحة، فلا اقتضاء فيها لكون الولي مالكاً، لا بشخصه ولا بما هو ولي.

وبإمكان سيدنا الخوئي قدس سره الشريف المصادرة على كلتا الملاحظتين بأن يقول: إن مقتضى القواعد صحة إجراء المعاملة من قبل الولي عن نفسه، فإن مقتضى كونه ولياً أن يجعل نفسه طرف المعاملة إذا اقتضت المصلحة ذلك، إذ بعد فرض كونه ولياً على الوقف أو الزكاة وأن ولايته تدور مدار المصلحة لهما فلو توقفت المصلحة على ذلك فمقتضى ولايته أن يجعل نفسه طرف المعاملة، فيدخل المال في ملكه لا بما هو شخص بل بما هو ولي، كما أنه إذا اقتضت مصلحة المولّى عليه أن يتملك الولي المال على جهة الولاية ثم يصيّره مصرفاً لجهة المولى عليه فله ذلك.

فإن قلتَ: إن لازم ذلك خروج ما يدخل في ملكه ولو بما هو ولي عن كونه زكاةً أو وقفاً، كمافي النقض الذي أورده بعض الأعلام عليه.

قلتُ: حيث إن مقتضى مصلحة المولّى عليه عود البدل لمصرف الزكاة والوقف فله أن يتوصل لذلك ضمن المعاملة بنحو شرط النتيجة، مثلاً أن يتفق الولي مع البائع الذي يريد أن يبيعه العين لأجل الزكاة أو الوقف - على أن يقول له: (بعتك هذه العين أو آجرتك هذه العين بشرط أن تكون مصرفاً للزكاة أو الوقف على نحو شرط النتيجة) -، وبتمامية المعاملة مباشرة يكون ما دخل في ملكه بما هو ولي مصرفاً للزكاة والوقف بمقتضى نفوذ شرط النتيجة، لإطلاق (المؤمنون عند شروطهم) ولايكون في الشرط مخالفة لمقتضى العقد، حيث إن نتيجة العقد ملك الولي بماهو ولي، وصيرورة ملكه مصرفاً في المولّى عليه من آثار الولاية لا مناقض لها.

كما أن لسيدنا الخوئي قدس سره الشريف أن يلتزم أنه لو استأجر عيناً لجهتين مختلفتين من حيث الملك وعدمه، كما لو استأجر سيارة لنقل مال اليتيم ومال الوقف المصرفي بالتبعيض في جهة المنفعة فجزء منها بالنسبة لمال اليتيم ملك له بالإجارة، وجزء منها بالنسبة لمال الوقف ملك للولي بما هو ولي، نظير أن يستأجر مالكين سيارة واحدة لنقل متاعيهما فإن التبعيض في ملك المنفعة بالنسبة لهما حاصل لا محالة فكذلك في مورد النقض.

لكن الإنصاف عدم تمامية ما أفاده قدس سره الشريف حيث لم يقم دليل على ثبوت الولاية بهذا النحو، كما أشار لذلك بعض الأعلام رحمه الله، فإن مدرك الولاية إما الأمور الحسبية - أي أن ثبوت الولاية على الوقف أو الزكاة لاقتضاء الحسبة لذلك - أو أنه دليل لفظي، وعلى كلا المدركين لا يوجد دليل على صلاحية الولاية بهذا النحو من السعة، بأن يجري المعاملات لنفسه بما هو ولي بنحو تكون نتيجة المعاملة أن يصبح المال مصرفاً للزكاة أو للوقف على سبيل المصرفية. ولازم ذلك ورود الإشكال في صلاحية الولاية للإقتراض لجهة الوقف على سبيل المصرفية.

فما ذكره سيد المستمسك قدس سره الشريف من الإشكال على تعريف الإجارة - بأنها تمليك عمل أو منفعة بعوض - إشكال مستحكم.

التعريف الثاني للإجارة: ما أشار إليه سيد العروة بقوله: (الإجارة هي تمليك عمل أو منفعة بعوض، ويمكن أن يقال إن حقيقتها التسليط على عين للانتفاع بها بعوض)، أي أن مؤدى عقد الإجارة منح المُؤجِر المُستأجِر سلطنةً على الانتفاع بالعين بعوضٍ.

وهنا ثلاثة إيرادات على التعريف المذكور:

الإيراد الأول: ما ذكره المحقق الأصفهاني قدس سره[3] وهو أن السلطنة ذات محتملات ثلاثة:

1- أن يراد بها السلطنة التكوينية.

2- أن يراد بالسلطنة جواز التصرف تكليفاً ووضعاً.

3- أن يراد بالسلطنة السلطنة الاعتبارية.

وجميع المحتملات مما لا يتصور الوصول إليه بعقد الإجارة.

أما المحتمل الأول - وهو السلطنة التكوينية -: فواضح، إذ لا معنى لتحقيق السلطنة الخارجية التكوينية بعقد الإجارة، الأمور التكوينية لا يعقل التسبب لها بالأمور الإعتبارية.

وأما المحتمل الثاني - وهو جواز التصرف في منافع العين تكليفاً ووضعاً، بإجارة أو صلح أو ما أشبه ذلك -: فإنه مترتبٌ على صحة الإجارة، أي بعد فرض صحة الإجارة ونفوذها فالأثر المترتب على صحتها هو أن للمُستأجِر جواز التصرف في منافع العين تكليفاً ووضعاً، لا أنه المنشأ المعاملي بعقد الإجارة.

وأما المحتمل الثالث - وهو السلطنة الاعتبارية - فيلاحظ عليه: أنه هل المراد بهذه السلطنة الإحاطة بالعين بتمام منافعها؟ أم القدرة على التصرف في المنافع بنحو من الأنحاء؟ فإن أريد بها الإحاطة بالعين بتمام منافعها فهذا عين الملكية، إذ ليست الملكية في وعاء الاعتبار العقلائي إلا الإحاطة بالعين بتمام منافعها.

وإن أريد بالسلطنة الممنوحة القدرة على التصرف في منافع العين بنحو من أنحاء التصرف، فليس لمالك العين نفسه هذه السلطنة وراء ملكيته للعين وجواز التصرف فيها تكليفاً ووضعاً، إذ أن من ملك العين ملك جواز التصرف فيها تكليفاً ووضعاً، ولا معنى مع ذلك لثبوت نحو آخر من السلطنة له كي يتصدى لمنحه للمستأجر.

فما يتوهم من سلطنة أخرى غير جواز التصرف تكليفاً ووضعاً لم يثبت لمالك العين كي يقوم بتمليكه أو منحه للمستأجر.

فالنتيجة: أن جميع المحتملات للسلطنة في المقام مما لا يمكن أن يقال بأنها هي المنشأ المعاملي لعقد الإجارة.

وتبعه في هذا الإشكال سيدنا الخوئي قدس سره الشريف[4] وبعض الأعلام رحمه الله[5] .


[1] مصباح المنهاج، الطباطبائي الحکیم، السید محمد سعید، ص141.
[2] الإجارة، الحلي، حسین، ج1، ص16.
[5] الإجارة، الحلي، حسین، ج1، ص20.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo