< قائمة الدروس

الأستاذ السید منیر الخباز

بحث الفقه

45/07/16

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع:تعریف الإجارة

الاتجاه الفقهي في تعريف الإجارة: وفيه أربعة تعريفات:

التعريف الأول: ما ذكره سيد العروة قدس سره[1] من أن الإجارة تمليك عمل أو منفعة بعوض، وهو التعريف المشهور.

التعريف الثاني: ما اختاره صاحب الكفاية [2] من أن الإجارة التسليط على عين للانتفاع بها بعوض.

التعريف الثالث: ما ذكره السيد الحكيم قدس سره[3] من أن الإجارة المعاوضة على المنفعة عملاً كانت أو غيره.

التعريف الرابع: أن الإجارة هي المبادلة بين الانتفاع والعوض.

والكلام فعلاً في التعريف الأول: وهو أن الإجارة تمليك عمل أو منفعة بعوض.

وهنا ثلاثة إيرادات على هذا التعريف - إيراد عقلي - في أصل معقولية تمليك المنفعة، وإيراد عقلائي في قابلية انفكاك المنفعة عن العين من حيث الملكية، وإيراد نقضي بعدم اطراد التعريف لسائر موارد الإجارة لو صح في نفسه:

الإيراد الأول: أن المنفعة إما صفة للمنتفع أو صفة للولي على العين، أو صفة في العين، مثلاً منفعة الدار المراد تمليكها إما صفة للمنتفع أو صفة للولي على الدار أو صفة للدار، فإن كانت المنفعة صفة للمنتفع وعرضاً من أعراضه - كأن يقال إن المنفعة هي سكن المنتفع بالدار - فمن الواضح - أن المالك للعين لا يملك صفة المنتفع كي يملّكه إياها، فإن سكنى المنتفع بالدار صفة للساكن وليست صفة للدار، ومالك الدار لا يملك هذه الصفة التي للساكن كي يقوم بتمليكها له، وإن كانت صفة للولي - كأن يقال إن المنفعة هي تمكين الولي المُستأجِر من الانتفاع بالدار، فالمراد به إما التمكين الخارجي أو الاعتباري، فإن كان المنظور هو الأول فهو واجب شرعي متفرع على صحة الإجارة، فإن الإجارة إذا تمت وجب على الولي تسليم العين وتمكين المُستأجِر منها، وكذلك الأمر في الإجارة على الأعمال، فإن الأجير إذا تمت الإجارة وجب عليه تسليم العمل، وإن كان المنظور هو الثاني فالتمكين الاعتباري هو عبارة عن تسليط المُستأجِر على العين سلطنة اعتبارية، وهو متفرع أيضاً - بناءً على التعريف المشهور - على تمليك المنفعة لا أنه نفسه، وإن كان متعلق التمليك هو الصفة للدار بمعنى أن للدار صفة يقوم مالك الدار بتمليكها للمُستأجِر، ويعبر عن تلك الصفات بالمنفعة، فما هو متعلق التمليك؟ هل هو المنفعة الآنية - أي الموجودة بالفعل حين عقد الإجارة -؟ أم متعلق التمليك المنفعة المستقبلية ولو في طول تمامية عقد الإجارة؟ فإن كان متعلق التمليك المنفعة الآنية فهي غير قابلة للاستيفاء؛ لأن المنفعة الآنية متجددة تزول آناً فآناً، فما كان حين العقد فإنه لا يقبل الاستيفاء، بعد تمامية العقد، وإن كان متعلق التمليك المنفعة المستقبلية - ولو بعد آن عقد الإجارة - فهي معدومة حين العقد، والمعدوم لا يملك كي يملك، والنتيجة أن تمليك المنفعة غير معقول ثبوتاً، ولذلك نسب للمحقق الشيخ هادي الطهراني قدس سره تخلصاً من الإيراد بأن الإجارة هي: تمليك العين في جهة من جهاتها بعوض.

والجواب عن ذلك بأحد وجوه:

1- ما ذكره المحقق الإصفهاني قدس سره[4] من أنه يمكن اختيار أن متعلق التمليك هو السكنى المضاف للمُستأجِر، حيث إن السكنى - من الكون الأيني - وهو من الأعراض النسبية ذات الطرفين - لكونه نسبة بين الساكن والدار - فطرفٌ قائم بالساكن، وطرفٌ قائم بالدار - وبما أن الطرف القائم بالدار زمامه بيد مالك الدار فله تمليك السكنى للمُستأجِر، بلحاظ أن زمامه بيده.

ولكن يلاحظ عليه: أن سكنى الدار الذي هو عرض من أعراض المُستأجِر إنما يكون زمامه بيد المالك من حيث إنه تصرف في ملكه، فيتوقف جوازه تكليفاً ووضعاً على إذن المالك أو تمليكه، لكنه بنظر المرتكز العقلائي استيفاء للملك فهو في طوله لا أنه عين متعلق التمليك.

2- ما ذكره سيدنا الخوئي قدس سره [5] (من أن سكنى الدار تتقوم بحيثيتين المسكونية والساكنية، والإجارة إنما تتعلق بالأولى التي هي من أعراض العين المُستأجَرة.

وبعبارة أخرى: ينقله المالك للمُستأجِر ما كان يملكه فيما لو باع العين مسلوبة المنفعة، وهو قابليتها للسكنى)، وتبعه بعض الأعلام رحمه الله[6] بقوله: إن متعلق التمليك هو صلاحية الدار للسكنى، ومرجع كلاميهما لما أفاده المحقق الإصفهاني قدس سره [7] : (من أن سكنى الدار كما هو مبدأ لعنوان الساكنية المنتزع من ذات الساكن كذلك هو مبدأ لعنوان المسكونية المنتزع من الدار، كما في كل متضايفين، غاية الأمر أن حيثية المسكونية وجودها بوجود الدار على حد وجود المقبول بوجود القابل، وفعليتها بفعلية مضايفها القائم بالمُستأجِر في مقام الاستيفاء)، وظاهر عبارته الأخيرة أن متعلق التمليك قابلية الدار للسكنى.

ويلاحظ على ذلك: أن قابلية العين وصلاحيتها للانتفاع أمرٌ تكويني قائم بالعين وهي كون بناءها أو نسقها نحواً يجعلها قابلة للسكنى، أو أمر اعتباري وهو عبارة عن خلو العين من الموانع العامة أو الخاصة التي تمنع من السكنى فيها، وكلاهما بنظر المرتكز العقلائي مصحح لتمليك منفعة الدار ومسوغ له لا أنه نفس متعلق التمليك، فإن القابلية والصلاحية لا معنى لنقلها للمُستأجِر مع ثباتها بثبات العين؛ ولذلك لو أصاب القابلية خلل أو عيب أو حصل مانعٌ لزم على المالك إصلاحه أو رفعه لتوقف استيفاء المستأجر للمنفعة المملوكة له عليه، مما يكشف عن تغايرهما.

3- إن المنفعة المتعلقة للتمليك صفة ثابتة للعين، وهذه الصفة الثابتة للعين ليست هي كون الدار مسكونة فعلاً، فإن كون الدار مسكونة مما يتوقف على السكن، والحال بأن عقد الإجارة في رتبة سابقة على ذلك، ولا كون المُستأجِر ساكناً فإنه استيفاء للملك بعد ثبوته، ولا صلاحية الدار للسكنى، لما مضى من عدم شأنيتها للنقل والانتقال.

وإنما المنفعة المتعلقة للتمليك هي عنوان ينتزع من حيثية متجددة آناً فآناً وهي مما ينعدم بمرور الوقت أو بالاستيفاء، كما يقال: إن في الثوب حيثية تستوفى باللبس مثلاً، وفي السيارة بركوبها، وفي الكتاب بقراءته، وما أشبه ذلك، فتلك الحيثية التي تزول بالاستيفاء والانتفاع في كل عين هي متعلق التمليك من قبل مالك العين للمُستأجِر، لا أنها صفة للمُستأجِر ولا مضايفها من صفة للدار. ولعل هذا هو مقصود المحقق الإصفهاني قدس سره ومن تبعه من كون المنفعة هي قابلية العين للانتفاع.

فإن قلتَ: إن هذه الحيثية معدومة حين عقد الإجارة فكيف يتعلق التمليك بها؟

قلتُ: إن الملكية ليست من المقولات التكوينية كي يشترط في تحققها وجود المعروض خارجاً، وإنما هي اعتبار عقلائي ولذا يصح تعلقه بما سيوجد إذا تعلق الغرض العقلائي به، وتوقف تحصيله خارجاً على تمليكه في زمان سابق.

4- على فرض أن المنفعة مما ليس لها وجودٌ خارجي فإنه يكفي في تعلق التمليك بها الوجود الاعتباري العقلائي لها، نظير تمليك صاع لا بعينه من الصبرة - مثلاً إذا قال المالك: (بعتك صاعاً لا بعينه من هذه الصبرة)، فما هو الصاع المملك؟ هل هو الأول أو الثاني أو الوسط أو الأخير أو الممتزج بينهما؟

والصحيح: أن صاعاً لا بعينه من هذه الصبرة مما جرى العرف على تمليكه، وإن كان لا يوجد في الخارج صاع لا بعينه؛ لأن الموجود في الخارج صاع بعينه لا صاع لا بعينه، إلا أن وجوده الاعتباري هو المصحح لتمليكه، وكذلك تملك الدائن لمال في ذمة المدين فإنه وجود المال في الذمة أمر اعتباري محض لا خارجي، كما أن تمليك سهم من الزكاة لكلي الفقير أو سهم من الخمس لكلي السيد الفقير صحيح، وإن لم يوجد مصداق له خارجاً.

لذلك لو فرض أن منفعة الدار أو منفعة السيارة أو منفعة القلم مما ليس لها وجودٌ خارجي فيكفي الوجود العقلائي لهذه المنفعة في صحة تمليكها ونقلها من مالك العين إلى المُستأجِر، وبذلك يتضح أنه لا حاجة لتعريف المحقق الطهراني قدس سره للإجارة من أنها (تمليك العين في جهة من الجهات)، مضافاً لسقم التعريف كما أفاد المحقق الإصفهاني قدس سره، بلحاظ أن لازمه اجتماع ملكيتين على العين للمالك والمستأجر، وهو باطل بنظر العقلاء وإن كانت إحداهما مطلقة والأخرى مقيدة.

الإيراد الثاني: على فرض أن المنفعة مما لها وجودٌ خارجي أو اعتباري، ولكن المرتكز العقلائي يأبى تمليك المنفعة مستقلاً عن تمليك العين، بأن يتصدى المالك للتفكيك بين ملكيته للعين وملكية المنفعة، فينقل للمُستأجِر خصوص ملكية المنفعة مع بقاء ملكية العين له.

ولذلك عدة شواهد عقلائية:

الشاهد الأول: أن مالك العين لا يعد بنظر المرتكز العقلائي ممن له مالان: العين والمنفعة، بحيث لو أريد في مقام التقويم حساب ثروته فإنه لا تقوم العين بقيمة وتقوم المنفعة بقيمة على حدة، فيعتبر غنياً لكونه يملك مالين، كما يتعلق به الخمس مرتين مرة في العين ومرة في المنفعة بلحاظ أن العين والمنفعة مالان أو ملكان، فإن ما يراه المرتكز العقلائي أن هناك مالاً وملكاً واحداً وهو العين.

الشاهد الثاني: أن من يقوم ببيع العين لغيره لا يتضمن بيعه للعين تمليكين عند العقلاء - تمليكاً للعين وتمليكاً للمنفعة، وإلا لكان البيع بيعاً وإجارة، فهو بلحاظ العين بيع، و بلحاظ المنفعة إجارة، بل لا يرى بحسب المرتكز العقلائي إلا تمليك واحد للعين، لا تمليكان.

الشاهد الثالث: أن ملكية المنافع والسلطنة عليها من آثار ملكية العين بالتبع، أي أن المرتكز العقلائي قائمٌ على أن من ملك العين بسبب عقدي أو غيره - كالإرث مثلاً - ملك كل شئون العين تبعاً، لا أنه حدثت له ملكيات بعدد ما في العين من منافع وآثار.

وهذه كلها شواهد على أن المنفعة ليست لها ملكية بإزائها مع ملكية العين بحيث تقبل النقل دون ملكية العين إلى المستأجر.

ولعل هذا الإيراد هو الذي دعا الآخوند الخراساني[8] إلى القول بأن الإجارة ليست تمليكاً بل هي تسليط، أي تسليط للغير على الانتفاع بالعين بعوض، فإن من ملك العين ملك سلطنة عليها، وبالإجارة ينقل سلطنته على الانتفاع بالعين إلى غيره بعوض معين.

ولكن هذا الإيراد الثاني غير واردٍ أيضاً على التعريف وذلك لوجهين:

الوجه الأول: إن ما يأباه المرتكز العقلائي هو عرضية ملك المنفعة لملكية العين لا التفكيك بينهما، أي أن اعتبار ملكية المنفعة في عرض ملكية العين بحيث - ينحل الملك لملكين ومالين في عرض واحد - هو ما يأباه المرتكز العقلائي، وأما ملكية المنفعة بتبع ملكية العين وفي طولها، بنحو يمكن التفكيك بين الملكيتين في بعض الحالات فهو مما لا يأباه المرتكز العقلائي، والسر في ذلك أن المنفعة لما كانت شأناً من شؤون العين وهي الغرض من التنافس العقلائي على تملكها كانت مالية العين متقومة بها، حيث إن العين التي لا منفعة لها لا مالية لها، وبما أن المنفعة صفة للعين مقومة لماليتها كان ذلك مانعاً من اعتبار مالين وملكين في عرض واحد.

أو فقل: لما كانت المنفعة صفة من صفات العين فمن اللغو جعل ملكية لها في عرض ملكية العين، وإنما يثبت لمن ملك العين ملكية منبسطة على سائر منافعها وآثارها، وأثر ذلك أن لا عرضية لملكيتها لا أنه لا ملكية لها ولو بالتبع، وبالتالي لا مانع لدى البناء العقلائي من التفكيك بين العين وبعض شؤونها من حيث الملك، فيقوم مالك العين بتمليك بعض شؤونها لغيره فإن ذلك من آثار انبساط ملكيته على العين بتمام شؤونها، وبنفس معرضية المنفعة للتمليك أو للعدوان تكتسب المنفعة صفة المالية، وإن لم تكن في رتبة سابقة على معرضيتها للتمليك - بالصلح أو الإجارة أو الشرط - متصفة بالمالية.

ولذلك لا إشكال فقهياً في منح حق السكنى بالوصية، كأن يوصي الميت بحق السكنى لزوجته في ثلثه من الدار، أو عقد التحبيس - بناءً على أنه تمليك - حيث إن مرجعه إلى تحبيس العين وتسبيل المنفعة، فإنه لولا أن لمالك العين ملكية منبسطة على تمام منافعها لما أمكن التصرف من قبله بنقل حق أو ملك منه لغيره مع بقاء العين على ملكه أو ملك شخص آخر، ولكن في تقرير بحث سيدنا الخوئي قدس سره ما يوهم عرضية الملكيتين [9] حيث قال: (أن من ملك عيناً فله ملكيتان مستقلتان عرضيتان، وإن كانت إحداهما مسببة عن الأخرى وتابعة لها، إذ لا كلام في ضمان المنافع المستوفاة لو غصب العين غاصب، حيث يجب عليه رد العين وضمان قيمة المنافع، وهو يكشف عن ملكية أخرى غير ملكية العين وهي ملكية المنفعة)، وهو بظاهره مشكل إذ ليس للمنفعة ملكية مستقلة في عرض ملكية العين، بل هي تابعة لها مندكة فيها، وضمان المنافع عند غصب العين غاية ما يثبت أصل الملكية لا العرضية بين الملكيتين.

الوجه الثاني: على فرض أن لا ملكية للمنفعة ولو بتبع ملكية العين فإن الغرض العقلائي من جعل الملكية للعين لما كان هو السلطنة المطلقة على الانتفاع بها إما انتفاعاً حسياً أو انتفاعاً اعتبارياً، فإن مقتضى هذه السلطنة المطلقة أن لمالك العين التصرف في العين ببيعها بما لها من المنافع، أو بالتفكيك بين العين والمنفعة في الملكية بأن يبيع العين مسلوبة المنفعة لفترة مؤقتة، أو يملك المنفعة لغيره كما في الإجارة أو يمنح حق الانتفاع لأحد كما في حق السكنى بالوصية.


[6] الإجارة، الحلي، حسین، ج1، ص18.
[9] الإجارة، الحلي، حسین، ج1، ص6.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo