< قائمة الدروس

الأستاذ السید منیر الخباز

بحث الفقه

45/07/11

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: /تعریف الإجارة /

 

الثمرة الثانية: وهي كما ذكره بعض الأعلام [1] :

أنه بناءً على كون الحق الناشئ (عن الإجارة حقاً) شخصياً (كما يراه القانون الوضعي) لا عينياً، لو فرض أنَّ المُؤجِر أو غيره منع العين عن المُستأجِر مدةً من الزمن لم يضمن له قيمة منفعة العين في تلك المدة؛ لأنَّ المنفعة ليست مِلكا للمُستأجِر، فإما أن يقال ببطلان الاجارة مثلاً؛ (لأن متعلقها التمكين ولم يتحقق أو يقال بثبوت الخيار للمُستأجِر فيفسخ الإجارة، من دون وجه عقلائي لضمان قيمة المنافع الممنوعة للمستأجر؛ لعدم كونها راجعة إليه، ولا لضمان الحق الذي للمُستأجِر على المُؤجِر؛ لأن المفروض أن هذا الحق ليس مالاً حتى يضمن وإنما الضمان للمال، وثبوت حق للمُستأجِر على المُؤجِر وهو حق التمكين لا يعني أنه مالٌ كي يكون مضموناً).

وهذا بخلافه على القول بأن الحق الناشئ بعقد الإيجار (حق) عيني وهو ملك المنفعة (كما يقول به التعريف الفقهي) فإن المُؤجِر ضامن لقيمة المنفعة، حيث أتلف على المالك ماله، لمنعه من الانتفاع بالعين، وبما أنه أتلف عليه ماله فيضمن قيمته السوقية، (غاية ما في الباب أن المضمون قيمة يوم الإتلاف أو قيمة يوم الأداء أو أعلى القيم من يوم الإتلاف ويوم الأداء)، على الخلاف المذكور في بحث ضمان القيميات، والمتحصل أنه على القول بأن الإجارة موضوعٌ لحق شخصي - كما يراه القانون الوضعي - لا ضمان لشيء، وعلى القول بكون الإجارة موضوعاً لحق عيني - كما في الفقه - فعلى المُؤجِر الضمان) وحيث ثبت أن الارتكاز العقلائي حاكم بالضمان كان ذلك منبها آخر على عدم صحة التعريف الوضعي لعقد الإيجار.

وقال رحمه الله: أو كون ذلك على الأقل تحليلًا عقلائياً متأخراً لم يكن ثابتاً وواضحاً سابقًا (أي كون المترتب على عقد الإجارة حقا شخصيا وهو حق التمكين، لا حقاً عينياً هو تحليل متأخر لم يأتِ إلا في هذه الأزمنة)، مع أنّ الإجارة من العقود الواضحة الراسخة في التاريخ البشري وقبل التطورات القانونية، (فلو كان مفاد الإجارة الحق الشخصي لبان واتضح، فهذا شاهدٌ على أن ما ذكره القانون الوضعي في تعريف الإجارة من أنها موضوعٌ للحق الشخصي مصادمٌ للمرتكزات).

ويمكن التأمل بملاحظتين:

الملاحظة الأولى: ذكر السنهوري [2] : أن الحق الشخصي الحاصل للمُستأجِر يمكن - للمُستأجِر - نقله لغيره ببيعٍ أو هبة أو إيجار. وهو ظاهرٌ في كون الحق الشخصي مورداً للمعاوضة، وإلا لم يكن معنى لبيعه، وما هو مورد المعاوضة بحسب المرتكزات العقلائية فهو مورد للتغريم، كما ذكر السنهوري نصاً قانونياً أكثر صراحة في المقام [3] : أن المؤجر إذا امتنع عن تسليم العين المستأجرة تسليماً صحيحاً، كما إذا لم يسلمها أو سلم بعضها أو سلمها بحالة لا تصلح للانتفاع بها، فالمستأجر له الخيار بين الفسخ أو إنقاص الأجرة بمقدار ما نقص من الانتفاع، مضافاً لمطالبته بالتعويض عما لحقه من ضرر نتيجة عدم تمكنه من الانتفاع. بل قد يقال: إن الحق الشخصي مال؛ فإن المالية عنوانٌ ينتزع من تعلق الرغبة العقلائية بالشيء، بحيث يتنافس عليه ويبذل بإزائه المال، وبما أن الحق الشخصي للمُستأجِر على المُؤجِر مما تتعلق به الرغبة العقلائية ولأجل ذلك يشترى أو يستأجر فهو بالنتيجة مال، وإذا كان مالاً فهو مضمونٌ.

مثلاً: في زماننا اليوم ما يعرف في أسواق البورصة بأسواق الفوركس في المنصة المالية العالمية الافتراضية، وهو سوق التعامل بالعملات والأوراق المالية - بغض النظر عن استجماعه لشرائط صحة المعاملة شرعاً -، فإن من المعاملات الجارية في هامش السوق ما يعبر عنه بالمشتقات المالية ومنها شراء العقود. والمقصود بشراء العقود هو شراء حق البيع أو حق الشراء أو أن يكون بموجب العقد بين المشتري وكاتب الخيارات - خيار الشراء أو خيار البي، فمثلاً من يتوقع الارتفاع في قيمة الأسهم يشتري حق الشراء، ومن يتوقع الانخفاض في قيمة الأسهم يشتري حق البيع، ومن صدق توقعه استفاد الربح من الآخر، مما يعني أن حق الشراء وحق البيع مالٌ بنظر سوق المال؛ للتنافس عليه وبذل المال بإزائه، ولا يرى ذلك سفهاً أو تبذيراً، مع أنه من مصاديق الحق الشخصي لا العيني.

الملاحظة الثانية: نعم إن الإجارة قديمة بقدم البشرية كالبيع، ولكن لا يتعين بذلك أن يكون الناشئ عن الإجارة حقاً عينياً لاحقاً شخصياً، فإن قدم الإجارة لايعني أكثر من وضوح كون المترتب عليها حقا يقابل بالمال، وأماكونه حقاً عينياً لا شخصياً فليس أمراً محسوماً.

فمثلاً: لا إشكال في أن ثبوت الحق بإحياء الأرض قديم بقدم البشرية، فإن البشرية منذ القدم جرت على أن للإنسان يحيي الأرض الميتة، وبإحيائه الأرض الميتة يثبت له حقٌ فيها، وأما أن ذلك الحق ملك رقبة الأرض أو أن الحق سلطنة على الأرض ما دامت محياة فإذا زال إحياؤها بموتها أو بالإعراض فليس له شيء؟ فهو محل خلافٍ حتى بين الفقهاء، فمجرد أن المعاملة قديمة بقدم البشرية وتثبت حقاً لمن يقوم بها شيء، وتعين أن ذلك الحق من سنخ الِملك أو من سنخ السلطنة فهذا شيء ما زال محلاً للتأمل.

الثمرة الثالثة: إذا فرض للمنفعة المستقبلية وجود عيني، كما في إجارة الشجر لثمرته أو الشاة للبنها، فبناءً على كون الحق الناشئ بالإجارة حقاً شخصياً لا عينياً فلو منع مالك الشجرة المُستأجِر من الانتفاع بالشجرة ولم يمكنه من ذلك كان للمُستأجِر فسخ الإجارة أو ضمان قيمة الحق الشخصي، وهذا بخلافه على القول الآخر - وهو أن من استأجر الشجر ثبت له حق عيني وهو ملك ثمرتها، ومن استأجر الشاة ملك لبنها - فإنه بناءً عليه يكون المؤجر ضامناً لقيمة الثمر واللبن المتجدد في فترة الإجارة، وهذا هو الموافق للمرتكز العقلائي.

وفيه ما مضى: من أن الثابت أن نتيجة الإجارة على عين الشجرة أو الشاة أن للمُستأجِر حقاً، ولكن هل الحق مِلك الثمار بحيث له أن يبيعها لأنها مِلكه؟ أو أن الحق مجرد سلطنة على الانتفاع والاستيفاء؟ ويمكن له هبة الحق أو بيعه لا بيع نفس الثمار، وفي فرض منعه فإن الذي يضمن له على القول بالحق العيني قيمة نفس الثمار، وعلى القول بالحق الشخصي قيمة الحق وهو حق الانتفاع والاستيفاء، وربما تختلف القيمتان، فدعوى أن هذا هو المطابق للمرتكز العقلائي دون هذا مما يحتاج إلى شواهد واضحة.

الثمرة الرابعة: وهذه الثمرة تعتمد على مقدمة، وهي ماذكره بعض الأعلام رحمه الله [4] :من أن الفارق بين الحق الشخصي والحق العيني: أن الحق العيني متعلق بالأعيان والأموال كالرهن، الذي مثل به أرباب القانون للحق العيني باعتبار تعلقه بالعين.

وأما الحق الشخصي فإنه يتعلق بالأعمال والأفعال، كما في عقد الضمان بمعنى أن للدائن حقاً على الضامن أن يسدد الدين في فرض تخلف المدين عن أداء الدين في ظرفه، فالحق الشخصي الذي ثبت للدائن على الضامن حق في الفعل، وهو تسديد الدين عند تخلف المدين عن أدائه، وليس حقاً في عين أو مال.

وبناءً على ذلك يشترط في الحقوق الشخصية - لكونها متعلقة بالفعل - القدرة على الأداء، كما يشترط في الحقوق العينية - لأنها متعلقة بالأموال والأعيان - أن تكون الأموال والأعيان موجودة بالفعل حتى يثبت الحق العيني فيها.

وبوضوح هذه المقدمة نقول: إذا فرض أن الإجارة من عقود الإدارة كما صرح السنهوري[5] : بأن الإجارة من عقود الإدارة - لا من عقود التصرف كالبيع - التي لا ينشأ منها إلا الحق الشخصي بتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين، أمكن للمُؤجِر - أن يؤجر العين ثانية لغير المُستأجِر الأول في مدة الإجارة، فيما إذا كان قادراً على فسخ الإجارة الأولى، أو كان قادراً على إرضاء المُستأجِر الأول بتمكينه من العين لكي يعطيها للمُستأجِر الثاني مدة معينة، مع أن الارتكاز العرفي والعقلائي يرى بطلان الإجارة الثانية إذا صحت الأولى؛ إذ لا موضوع للثانية مع الأولى، وليس هذا إلا لأن متعلق الإجارة نقل المِلكية، لا الحق الشخصي، وتمليك المنفعة المملوكة للمُستأجِر معاملة فضولية.

 


[1] كتاب الإجارة، الحلي، حسین، ج1، ص25.
[2] الوسيط في شرح قانون المدني، السنهوري، عبدالرزاق، ج6، ص49.
[3] الوسيط في شرح القانون المدني، النسهوري، عبدالرزاق، ج6، ص242.
[4] کتاب الإجارة، الحلي، حسین، ج1، ص26.
[5] الوسیط في شرح قانون المدني، السنهوري، عبدالرزاق، ج6، ص5.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo