< قائمة الدروس

الأستاذ السید منیر الخباز

بحث الفقه

45/07/09

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: /تعریف الإجارة/

 

المقوم الخامس - من مقومات العقد -: هو كون المنشأ العقدي هو العلقة الوضعية، إما علقة المِلكية أو علقة الزوجية أو علقة الحقية أو علقة السلطنة، وأما إذا كان المُنشأ أثراً قانونياً تكليفياً فليس ذلك عقداً كما في الشروط، فإن أحد المتبايعين مثلاً إذا اشترط على الآخر شرطاً من قبيل شرط الفعل كما إذا قال: (بعتك الكتاب بشرط أن يكون الثمن من العملة الفلانية، أو بشرط أن يكون دفع الثمن فورياً)، فإن الشرط وإن كان ربطاً اعتبارياً بقرار الطرفين - وهما الشارط والمشروط عليه - كما في العقد، إلا أن أثر الربط ليس علقة وضعية؛ وإنما المترتب على الربط الشرطي هو الأثر التكليفي، وهو أنه يجب على المشروطِ عليهِ الوفاءُ بالشرط بمقتضى (المؤمنون عند شروطهم).

نعم، إذا لم يف المشروطُ عليهِ بالشرط فللشارط حق الفسخ في العقود القابلة للفسخ كالبيع لا مطلقاً، إلا أن أثر السلطنة على الفسخ مترتب على عدم الوفاء بالشرط، لا على العلقة الشرطية كي يكون ذلك موجباً للتداخل بين المُنشأ العقدي والمُنشأ الشرطي.

فإن قلت: إن الشرط قد يكون شرط فعل كما مضى مثاله، وقد يكون شرط نتيجة، كما لو قال: (بعتك الدار بكذا على أن أكون وكيلا عنك في إبرام العقود عنك) وقال: (قبلت)، فإن أثر المنشأ الشرطي هنا علقة وضعية وهي الوكالة حاصلة بتباني الطرفين، وهو متحد مع أثر المنشأ العقدي مما يوجب التداخل بين العقد والشرط.

قلت: نعم يكفي في الميز بين العقد والشرط أن العقد عنوان لما يقتضي العلقة الوضعية، بينما الشرط عنوان لما لا يقتضي ذلك، وإن كان يصح أن ينشأ به في بعض الموارد العلقة الوضعية كما في شرط النتيجة.

 


 

(كتاب الإجارة)

وهو في عدة فصول، منها تعريف الإجارة وشروط العقد وشروط المتعاقدين وشروط العوضين وأحكام المعاملة.

تعريف الإجارة: والبحث فيه يعتمد على مقدمات :

الأولى: أن ظاهر القول بأن الإجارة: هي تمليك عمل أو منفعة بعوض - نظره كما ذكر سيدنا الخوئي قدس سره[1] - إلى فعل أحد المتعاملين، وهو الإيجاب، مع أن البحث في المقام ليس في معنى الإيجاب مقابل القبول، حيث إن بعض البحوث اهتمت بتحليل معنى (آجرتُ) أو بتحليل معنى (بعتُ)، والحال بأن (بعتُ) و (آجرتُ) هو إشارة لفعل الموجب مقابل فعل القابل، وليس هذا محل البحث، وإن كان لفظ الإجارة والبيع قد يطلق على خصوص الإيجاب.

وإنما محل البحث فيما هو موضوعٌ للآثار العقلائية والشرعية، وما هو موضوعٌ للآثار العقلائية هو العقد نفسه، المؤلف من الإيجاب والقبول، لا خصوص الإيجاب المستفاد من مدلول (آجرتُ) أو (بعتُ) بحسب الفهم العرفي، والعقد هو المنظور إليه في قوله عز وجل: ﴿أحل الله البيع﴾[2] وقول النبي صلى الله عليه وآله: (النكاح سنتي)، وإلى ذلك نظر تعريف العلامة قدس سره في قواعد الأحكام [3] : الإجارة عقد ثمرته نقل المنافع .

المقدمة الثانية: هل أن البحث في مفهوم عنوان (الإجارة) لغةً؟ أم أن البحث في تحديد الحقيقة العقلائية التي هي سنخ معاملة بين المنفعة أو العمل والعوض؟

لا ريب بأن محل البحث ليس بحثاً لغوياً، وهو البحث عن مدلول كلمة (الإجارة)، وإنما المنظور أن هناك معاملةٌ دارجةٌ لدى العرف العقلائي قائمة بين منفعة عينٍ وعوضٍ، أو بين عملٍ وعوضٍ، والبحث عن حقيقتة تلك المعاملة و حدودها، بغض النظر عن اللفظ المعبر عن تلك المعاملة، سواء كان اللفظ المعبر عنها في العرف العربي هو عنوان الإجارة أم لفظاً آخر.

وبما أن البحث في تحديد المُنشأ المعاملي في باب الإجارة لدى المرتكز العقلائي، بغض النظر عن لفظ الإجارة، فلذلك لا فرق في المقام بين الإجارة اللفظية - المنشأ إيجابها لدى العرب بقول: (آجرتك الدار) مثلاً - والإجارة المعاطاتية؛ فإن الفرق بينهما في مجرد المُبرِز، وإلا فالمُبرَز هو حقيقة اعتبارية عقلائية يتجه تسليط الضوء على حدودها، بغض النظر عن المُبرِز لها.

فإن قلت: إن الطريق لتحديد الحقيقة العرفية هو الاستعانة باللغة لتحديد المفاهيم العرفية لألفاظها كسائر المفاهيم التي تقع موضوعاً للأحكام في لسان الأدلة، سواء كانت من الحقائق التكوينية أم من المفردات الاعتبارية - نحو المال والملك والغناء والصعيد والغش والاحتكار -، حيث إن المرجع فيها لما هو المفهوم من عنوانها لدى العرف ما لم يكن لها حقيقة شرعية أو متشرعية، وبالتالي فالرجوع للمفهوم العرفي من لفظ الإجارة ومشتقاتها لدى الاستعمال العربي هو الطريق لتحديد الحقيقة لما هو الموضوع للأثر في لسان الأدلة، كالرجوع للعرف في تحديد مفهوم العقد لمعرفة ما هو موضوع الإمضاء في قوله تعالى: ﴿أوفوا بالعقود﴾[4] .

قلت: إن الحقائق الاعتبارية العقلائية العامة التي لا تخص مجتمعاً معيناً كالمعاملات الدارجة لدى العقلاء - ومنها البيع والإجارة - لمعرفة حدودها العقلائية عدة طرق، منها استقراء القوانين الدارجة لدى العقلاء من أي ملة المتعلقة بالمعاملة لكشف حدودها الدقيقة، ومنها استقراء الألفاظ المعبر بها عن المعاملة في كل لغة، ومنها الرجوع للاستعمالات العربية للفظ البيع والإجارة ونحوه من أجل استكشاف ما يفهمه العرف العربي منها لا بما هو عربي، بل بما هو مجتمع عقلائي يتعامل بهذه المعاملة أيضاً، وإنما قد يستعمل اللفظ العربي في المعاملة لا على نحو الحقيقة بحيث يكون متطابقاً مع واقعها فيكون كاشفاً عن حدودها بالدقة، بل هو مستعمل فيها مجازاً، فلا يجدي الرجوع لمفهومه اللغوي لمعرفة حدودها.

وبذلك يتبين أن بعض الأبحاث في كلمات بعض الأعلام - حول عنوان الإجارة - إنما هي بحوثٌ لُغوية ليست لصيقة بدرك حدود ما هو محل البحث بالدقة، فإن مادة (آجرتُ) أو (الإجارة) لا تعني التمليك، ولذلك يقال: (آجرَ اللهُ فلان) لا بمعنى التمليك، لوضوح أن الأجر لغةً بمعنى المكافأة في قبال خدمة أو عمل لا بمعنى التمليك، ولذلك فإن المفهوم اللغوي لقول: (آجرتُك الدارَ)، لا يتطابق مع نفس المعاملة الجارية لدى العرف العقلائي؛ لأنه لا يعبر عن حدها الواقعي بالمباشرة، وإنما هو مشير لها بالواسطة، فليس معناه ملكتك منفعة الدار أو سلطتك على الانتفاع بها أو مكنتك من التصرف فيها مما يؤدي معنى المعاملة عرفاً، وإنما يعني جعلت الدار مقابلاً بالأُجرة، أي جعلت الدار موضعاً للمقابلة بالمكافأة والأُجرة، وهذا مجرد مشير بالواسطة لذات المعاملة، لذلك فالدخول لتحديد حقيقة الإجارة بالاستعانة باشتقاقات المادة لغة خارج عن محل البحث.

فمثلاً ما ذكره المحقق الخراساني (قدس سره) [5] حيث قال: بأنه لو كانت الإجارة بمعنى تمليك المنفعة لاقتضى ذلك إضافتها إلى المنفعة بأن يُقال: (آجرتك منفعة الدار) مع أنه لا يقال في العرف: (آجرتك منفعة الدار)، وإنما يقال (آجرتك الدار)، مما يعني أنها سنخ معنى متعلق بالعين، مما يؤكد أن الإجارة تسليطٌ للمُستأجِر على العين من أجل الانتفاع بعوض.

ويلاحظ هنا: أن المحقق الخراساني قدس سره مع أنه قدم تعريفاً للإجارة أولاً من خلال استيحاء المعنى العرفي لها، إلا أنه استخدم استعمالات المادة طريقاً لكشف بعض حدودها، وهذا ليس تاماً؛ إذ البحث ليس في مدلول عنوان الإجارة، وإنما البحث في المعاملة العقلائية الرائجة في مقابل البيع والصلح والمضاربة، بغض النظر عن لفظ الإجارة، كما أن ما تصدى له سيدنا قدس سره [6] للرد على كلمات المحقق الآخوند قدس سره من أن الإجارة ليست هي التمليك المطلق بل هي حصة منه وهي المتعلقة بالمنفعة، فالتقيد بها مأخوذ في مدلول الإجارة ومشروب في مفهومها، ولذلك تعلق الفعل بالعين لا بالمنفعة فيقال: (آجرتك الدار) ولا يقال: (آجرتك منفعة الدار) هو جري على نفس المنهج، مع عدم استناده لمصدر لغوي موثوق.

كما أنه بهذا يتبين وجه النظر فيما ذكره الشيخ الحلي قدس سره [7] حيث قال: آجر بالمد ثلاثية، والأصل أَجر بمعنى أعطاه الأجر، ومنه قوله تعالى: ﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ﴾ [8] ، ولما دخلت عليها همزة التعدية صارت آجر، وجعلت الفاعل مفعولاً أولاً، والمفعول الأول مفعولاً ثانياً، وقُلِبت الهمزة الأصلية ألفاً، ومضارعه يُؤجِر - بضم حرف المضارعة - فيكون معنى: (آجرتُك الدار) جعلتك مُؤجِراً لها، ويكون محصل ذلك: (أعطيتك إياها بأجرٍ)، ويكون حاصل المعاملة هو التسليط على العين بالأجر.

مما يعني أن الشيخ الحلي قدس سره استعان للوصول إلى تحديد الإجارة بأنها التسليط على العين بالأجر من خلال تحليل مادة (آجرَ يُؤجِرُ) على استنادِ جهةٍ من جهاتها، وحينئذ يكون آجرتك من باب الإفعال.. إلى آخر ما ذَكر.

المقدمة الثالثة - وهي مهمة -: قسّم القانون الوضعي الحق إلى حق عيني وحق شخصي. والفرق بين النوعين أن الحق العيني عبارة عن علقة اعتبارية كالملكية والحقية، مثلاً نتيجة البيع حق عيني لأن نتيجة البيع الملكية وهي علقة اعتبارية، ونتيجة الوقف الخيري العام - كما في وقف الدار على الفقراء أو على العلماء - علقة الحقية، بمعنى أن لكل مصداق من الفقراء أو العلماء حق الانتفاع بالدار، فهنا يقال بأن الحق المترتب على البيع أو الوقف العام حق عيني، لأن نتيجته الملكية أو الحقية.

بينما الحق الشخصي هو عبارة عن السلطنة على العمل أو السلطنة على الالتزام، كما في عقد الكفالة والضمان، مثلاً عندما يكفل شخص المدين فيقول: (أنا أكفل للدائن أن المدين يسدد الدين في ظرفه)، فإن عقد الكفالة لا ينتج علقة اعتبارية من قبيل الملكية أو الحقية، وإنما نتيجة عقد الكفالة أن للمكفول له - وهو الدائن - سلطنة على التزام الكفيل، وكذلك عقد الضمان الذي وقع البحث فيه بأنه ضم ذمة إلى ذمة أو هو عبارة عن الالتزام بالأداء عند تخلف المدين في ظرف الأداء؟ فمرجعه على الأول أن الدين له ذمتان، ذمة المدين وذمة الضامن، فكما أن ذمة المدين مشتغلة بالدين فإن ذمة الضامن مشتغلة بالدين على فرض عدم أداء المدين في ظرفه، ومرجعه - على الثاني - إلى ثبوت سلطنة للدائن على عمل، وهو أداء الضامن للدين في ظرف تخلف المدين. وهذا ما يسمى بالحق الشخصي، لأنه لم يدخل في حوزة الدائن لا ملكية ولا حقية، وإنما الذي دخل في حوزته السلطنة على الالتزام أو على العمل.

وبعد المفروغية عن الفارق بين الحق الشخصي والحق العيني وقع البحث: في أن الإجارة من قبيل الحق العيني أو من قبيل الحق الشخصي؟ فمثلاً عندما يقول المؤجر: (أؤجرك الدار بعوض) فهل يترتب على الإجارة حق عيني وهو ملكية المنفعة؟ أو حق الانتفاع بالدار؟ أو لا يترتب إلا حق شخصي محض، وهو أن للمستأجر سلطنة على المؤجر بأن يمكّنه من الانتفاع بالدار؟ فليس في الإجارة أكثر من السلطنة على التمكين.

وهذا هو الفارق بين الإجارة بالمصطلح الفقهي والإجارة في القانون الوضعي، فإن الإجارة بحسب القانون الوضعي تنتج حقاً شخصياً، بينما الإجارة بحسب المصطلح الفقهي تنتج حقاً عينياً.

فهنا اتجاهان:

1- اتجاه للقانون الوضعي، وهو أن الإجارة لا تنتج إلا حقاً شخصياً وهو السلطنة على العمل لا أكثر.

2- اتجاه الاصطلاح الفقهي، وهو أن الإجارة تنتج حقاً عينياً من ملكية منفعة أو حق الانتفاع.

فالاتجاه الأول: ذكر السنهوري [9] أنه: عقد يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يمكّن المستأجر من الانتفاع بشيء - كالدار مثلاً - أو يتعهد بعمل - كما في إجارة الأعمال - مدة معينة بأجر معلوم. وظاهره أن الإجارة من قبيل الحق الشخصي، أي لا يترتب على الإجارة ملك المنفعة أو حق الانتفاع، بل غاية ما يترتب على الإجارة أن يمكن المالك المستأجر من الانتفاع بالعين أو عليه أن يتعهد بالعمل الذي تم بمقتضاه عقد الإجارة.

والاتجاه الثاني: سواء عرفنا الإجارة بأنها تمليك منفعة بعوض، أو عرفنا الإجارة بأنها التسليط على العين بعوض، فإن نتيجتها حق عيني.

والخلاف بين الاتجاهين يرجع إلى الاختلاف في تحليل المرتكز العقلائي، بمعنى أنه لا شك في أن من الآثار المنظورة في الإجارة هو تمكين المؤجر للمستأجر في الانتفاع بالعين، وإلا لكان وجود عقد الإجارة لغواً.

ولكن هل أن التمكين ملحوظ على نحو الموضوعية، بمعنى أن المنشأ العقدي هو التمكين؟ وهو ما يقوله الاتجاه الوضعي، أم أن التمكين ملحوظ على نحو الطريقية لعلقة وضعية وهي علقة الملكية أو الحقية؟ أي أنه طريق لوجود علقة وضعية بين المستأجر والمنفعة، سواء كانت هذه العلقة الوضعية على نحو الملك أو على نحو الحق.


[7] کتاب الإجارة، الحلي، حسین، ص26.
[9] الوسیط في شرح قانون المدني، النسهوري، عبدالرزاق، ج6، ص3.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo