< قائمة الدروس

الأستاذ السید منیر الخباز

بحث الفقه

45/04/01

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع:
فروع العلم الإجمالي/المسألة الثانية و العشرون/

 

المسألة الثانية والعشرون:
قال سيد العروة قدس سره: (لا إشكال في بطلان الفريضة إذا علم المكلف إجمالاً أنه إما زاد فيها ركناً أو نقص ركناً، وأما في النافلة فلا تكون باطلة لأن زيادة الركن فيها مغتفرة، والنقصان مشكوك فيجري فيه الأصل المؤمن. نعم، لو علم أنه إما نقص في النافلة ركوعاً أو نقص سجدتين بطلت، ولو علم إجمالاً إما نقص في النافلة ركوعاً أو سجدة واحدة أو نقص ركوعاً أو تشهداً ونحو ذلك مما ليس بركن لم يحكم بإعادتها، لأن نقصان ما عدا الركن فيها لا أثر له من بطلان أو قضاء أو سجدة سهو، فيكون احتمال نقص الركن كالشك البدوي مجرى للأصل المؤمن)

 

وقد تضمنت هذه المسألة ثلاث صور، وفي كل صورة فروض ثلاثة:

الصورة الأولى:
ما إذا علم المكلف إما أنه زاد ركوعاً في الركعة السابقة أو أنه نقص سجدتين من الركعة التي ما زال فيها، فإن كان ذلك في الفريضة كما إذا كان في صلاة الفجر مثلاً فهنا فروض ثلاثة:

الفرض الأول:
أن يكون في المحل الشكي بمعنى أنه علم إجمالاً إما زاد ركوعاً في الركعة السابقة أو نقص سجدتين من الركعة التي هو فيها وهو ما زال في محل السجدتين، فيجري استصحاب عدم الزيادة في الركوع المحتمل زيادته في الركعة الأولى، وبالنسبة للسجدتين لكونه في المحل لا تجري قاعدة التجاوز، فيجري استصحاب عدم الإتيان بالسجدتين ومقتضى ذلك الإتيان بهما.

الفرض الثاني:
أن يعلم إجمالاً وهو في المحل الذكري - لا في المحل الشكي - بمعنى أنه دخل في واجب غير ركن، كما لو علم وهو في التشهد أنه إما زاد ركوعاً في الركعة السابقة أو نقص سجدتين من هذه الركعة وهو الآن في المحل الذكري أي بإمكانه الرجوع والتدارك لأنه دخل في واجب غير ركن وهو التشهد.

فيقال حينئذ: بناءً على تقديم الأصل المصحح على الأصل المتمم بالنكتة التي طرحها سيدنا الخوئي قدس سره الشريف يجري استصحاب عدم الزيادة في الركوع دون قاعدة التجاوز في السجدتين، وبيان ذلك: أن النكتة في تقدم الأصل المصحح هي أن جريان الأصل المتمم في عرض الأصل المصحح لغو، وجريان الأصل المتمم في طول الأصل المصحح ترخيص في المخالفة القطعية.

والمقام من هذا القبيل، فإنه حيث علم إجمالاً إما بزيادة ركوع في الركعة الأولى أو نقص سجدتين في الركعة الثانية، فالجاري من الأصول العملية في زيادة الركوع هو استصحاب عدم الزيادة، والجاري في نقص السجدتين هو قاعدة التجاوز. واستصحاب عدم الزيادة أصل مصحح، لأن زيادة الركن مبطلة للصلاة فاستصحاب عدم الزيادة يعتبر اصلاً مصححاً للصلاة، بينما جريان قاعدة التجاوز في السجدتين مع إمكان تداركهما - لأنه ما زال في التشهد ولو رجع وأتى بالسجدتين ثم أعاد التشهد لم يلزم خلل في الصلاة - أصل متمم وليس مصححاً، فلأجل ذلك يكون جريان قاعدة التجاوز في عرض جريان استصحاب عدم الزيادة لغو، لأن قاعدة التجاوز تجري في صلاة أحرز صحتها من تمام الجهات ولم يبق شك إلا هذه الجهة فيمكن التأمين منها بقاعدة التجاوز، وأما الصلاة التي لم يحرز صحتها من جهة أخرى لاحتمال زيادة ركوع فيها فجريان قاعدة التجاوز فيها لغو، لأنه لا يحرز صحتها من بقية الجهات، فلا تجري قاعدة التجاوز في عرض جريان استصحاب عدم الزيادة.

وأما جريان قاعدة التجاوز في طول استصحاب عدم الزيادة بأن يقال: إن احتمال زيادة ركوع في الركعة الأولى منفي باستصحاب عدم الزيادة، وبعد المفروغية عن نفي احتمال زيادة الركوع تجري قاعدة التجاوز في السجدتين، فلازم ذلك أن لا شيء عليه من جهة زيادة الركوع ولا يجب عليه تدارك السجدتين، وهذا هو الترخيص في المخالفة القطعية، لأنه يعلم أنه إما زاد ركوعاً أو نقص سجدتين، فلو صحح صلاته من كليهما لزم الترخيص في المخالفة القطعية للمعلوم بالإجمال.

فنتيجة ذلك جريان الأصل المصحح وهو استصحاب عدم زيادة الركوع بلا معارض.

وأما احتمال نقيصة السجدتين فلا يجري فيه أصل مؤمن، ومقتضى استصحاب عدم الإتيان بالسجدتين الرجوع إليهما وتداركهما وإعادة التشهد وتكون صلاته صلاة تامة ويسجد سجدتي السهو للتشهد الزائد - على القول به -.

الفرض الثالث: أن يدخل في المحل السهوي، بمعنى أن صلاته ثلاثية مثلاً وبعد أن ركع الركوع الثالث علم بأنه إما زاد ركوعاً في الركعة الأولى أو نقص سجدتين من الركعة الثانية ولا يمكنه التدارك لأنه دخل في الركن اللاحق لهما فقطعاً صلاته تكون باطلة، إما لزيادة ركن أو لنقص ركن.

هذا كله في الفريضة، وإنما البحث في النافلة، فلو علم وهو في النافلة إما زاد ركوعاً أو نقص سجدتين فما هي وظيفته في الفروض الثلاثة؟

الفرض الأول:
أن يعلم بذلك وهو في المحل الشكي بمعنى أنه رأى نفسه جالساً فعلم إجمالاً بأنه إما زاد ركوعاً في الركعة الأولى أو نقص سجدتين من هذه الركعة التي ما زال في محل السجدتين منها، فمن الواضح حينئذ حكم النافلة كحكم الفريضة حيث يجري استصحاب عدم زيادة الركوع في الركعة الأولى ويجري في السجدتين استصحاب عدم الإتيان بهما - لأنه لم يتجاوز محلهما - فيأتي بهما ويتم نافلته.

الفرض الثاني: أن يعلم بذلك وهو في المحل الذكري بمعنى أنه دخل في التشهد، وعلم إجمالاً إما زاد ركوعاً في الأولى أو نقص سجدتين في الركعة الثانية، أو قام من الركعة الأولى إلى الركعة الثانية فحصل له العلم الإجمالي بعد القيام أن الركعة الأولى فيها خلل، لأنه إما زاد ركوعاً فيها أو نقص سجدتين منها، فقد يقال: إن المقام على نسق ما ذكر في الفريضة من تقديم الأصل المصحح على الأصل المتمم فيجري استصحاب عدم زيادة الركوع للتأمين من زيادته، وأما في السجدتين فلا يجري أي أصل متمم لأن الاصل المتمم لا يجري مع المصحح، فالجاري في السجدتين استصحاب عدم الإتيان بهما، ومقتضى ذلك أن يرجع ويأتي بالسجدتين ويعيد التشهد أو يقوم من جديد ولا شيء عليه وسيأتي وجه التأمل فيه.

الفرض الثالث:
وهو حصول العلم الإجمالي له بعد الدخول في الركن، كما لو ركع الركوع الثاني في النافلة وعلم بعد أن ركع الركوع الثاني في النافلة أن الركعة الأولى ذات خلل فإنه إما زاد فيها ركوعاً أو نقص منها سجدتين. وقد بنى سيد العروة قدس سره في الفرضين الثاني والثالث على عدم الأثر للعلم الإجمالي، إذ على فرض أنه زاد ركوعاً فإن زيادة الركن في النافلة غير مبطل، فالمكلف لو علم تفصيلاً بأنه زاد ركوعاً سهواً فإن نافلته صحيحة، فكيف بما إذا علم به إجمالا فهذا لا يضر بصحة النافلة حتى يحتاج للتأمين عنه بالأصول و على أثره تتعارض الأصول ويكون العلم الإجمالي منجزاً،.

ولذلك لابد من تنقيح هذه النقطة: وهي هل أن زيادة الركن في النافلة مبطل أم لا؟

فقد يقال: مقتضى إطلاق معتبرة أبي بصير: (من زاد في صلاته فعليه الإعادة) أن لا فرق بين النافلة والفريضة في أن زيادة الركن مبطل، ويظهر من بعض التعليقات على العروة أن بعض الأعلام لا يفتي بعدم مبطلية زيادة الركن في النافلة.

ولكن ادعي في المقابل أن هناك نصوصاً ظاهرها عدم مبطلية زيادة الركن في النافلة، وهي على نحوين:

النحو الأول: ما ورد فيه تقييد مانعية الزيادة بكون الصلاة مكتوبة، كما في صحيح زرارة: (إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتد بها واستقبل صلاته استقبالاً)، وظاهر التقييد بالمكتوبة الاحترازية لظهور السياق في كونه سياق تحديد، وأثره أن الزيادة في غير المكتوبة كما في النافلة مما لا ضائرية فيه، ونحوها في موثقة القاسم بن عروة: (لا تقرأ في المكتوبة بشيء من العزائم فإن السجود زيادة في المكتوبة)، وظاهره أيضاً الاحترازية وأن الزيادة في غير المكتوبة لا ضائرية فيها.

النحو الثاني:
ما دل على أن السهو في النافلة غير ضائر، منها معتبرة الحلبي: (سألته عن الرجل سها في الركعتين من النافلة فلم يجلس بينهما حتى قام فركع في الثالثة، قال: عليه السلام يدع ركعة - يعني لا يتم الركعة التي دخل فيها - ويجلس ويتشهد ويسلم ثم يستأنف الصلاة بعد)، بتقريب أن ظاهر قوله: (يدع ركعة ويجلس ويتشهد ويسلم) أن النافلة صحيحة، وإلا لو كانت باطلة فلا معنى لأمره بالجلوس والتشهد والتسليم، فهذه أمارة على صحة النافلة وأن زيادة الركوع فيها غير ضائر.

ومنها ما ورد في قوله عليه السلام: (سألته عن السهو في النافلة، قال: ليس عليك شيء) فيقال مقتضى هذين النحوين من الروايات رفع اليد عن إطلاق قوله في معتبرة أبي بصير: (من زاد في صلاته فعليه الإعادة) لما يشمل النافلة، أو فقل إن معتبرة أبي بصير منصرفة أساسا عن النافلة، فإن ظاهر قوله: (فعليه) هو الإلزام، ولا يتصور الإلزام في النافلة، فالنافلة خارجة تخصصاً عن مفاد معتبرة أبي بصير، وبالتالي تختص مانعية زيادة الركن بما إذا كانت في الفريضة.

ولكن للنقاش في كل ما مضى مجال:

أولاً: بأن يقال: إنه بين قوله في معتبرة أبي بصير: (من زاد في صلاته فعليه الإعادة) وقوله في صحيحة زرارة: (من استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتد بها) مورد لصناعة الإطلاق والتقييد لأن كليهما مثبت، والمطلق والمقيد المثبتان - كما إذا قال: (أكرم العالم) وقال: (أكرم العالم العادل) - لا يحمل المطلق على المقيد فيهما، بل يمكن حمل الأمر في المقيد على الأمر الندبي، لأنه لا تنافي بين المطلق والمقيد ما داما مثبتين، إلا أن يُحرز من الخارج وحدة المجعول، فإذا أحرز من الخارج وحدة المجعول حمل المطلق على المقيد وإن كانا مثبتين، لأن المجعول الواحد لا يعقل أن يكون واسعاً وضيقاً، فلا محالة لا بد من حمل المطلق على المقيد في فرضه.

وأما إذالم يحرز من الخارج وحدة المجعول بل يحتمل تعدد الجعل وأن هنا أمراً بإكرام العالم وأمراً بإكرام خصوص العادل، فحينئذ لا موجب لحمل المطلق على المقيد ما داما مثبتين، والمقام من هذا القبيل فـ(من زاد في صلاته فعليه الإعادة) مع (من زاد في صلاته المكتوبة فعليه الإعادة) مثبتان فلا موجب لحمل المطلق على المقيد فيهما، بل يقال بأن مانعية الزيادة مانعية استغراقية تنبسط على النافلة والفريضة وقد ذكر في الأولى مانعية الزيادة مطلقا وخصص البيان في الثانية بمانعية زيادة الركعة، وإنما ذكر المكتوبة في صحيحة زرارة وقال: (من زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها واستقبل صلاته استقبالاً) لأنه في مقام بيان - مضافاً إلى الحكم الوضعي وهو فساد الصلاة - الحكم التكليفي وهو وجوب الإعادة، فالنافلة وإن بطلت بزيادة الركن لكن لا يجب إعادتها تكليفاً، بينما الفريضة مضافاً للحكم الوضعي وهو البطلان يجب الإعادة تكليفاً بمعنى بقاء أصل الأمر بالصلاة الواجبة، فلأنه عليه السلام في مقام بيان وجوب الإعادة تكليفاً لبقاء الأمر اللزومي - مضافاً للحكم الوضعي وهو الفساد - ذكر المكتوبة فقال: (من استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة).

هذا بالنسبة إلى الصنف الأول وهو ما دل على مبطلية زيادة الركن في المكتوبة.

وأما النحو الثاني:
وهو ما دل على عدم ضائرية السهو في النافلة فإن قوله عليه السلام في معتبرة الحلبي: (سألته عن الرجل سها في الركعتين من النافلة فلم يجلس بينهما، قال: يدع ركعة ويجلس ويتشهد ويسلم ثم يستأنف الصلاة) فإنه قد يستشكل فيه:

أولاً: بأنه لا ينسجم مع مذهب الإمامية من كون النافلة ركعتين فيطرح العمل به. ولكن يجاب عن ذلك بأن ظاهر سياقه أن المكلف غفل عن كونه أتم الركعة الثانية وظن أنه قائم للركعة الثانية فركع فلما التفت الى أنه لم يجلس للتشهد والتسليم أمره الإمام عليه السلام بالرجوع وإلقاء الركوع الثالث.

وثانياً:
لا دلالة فيه على صحة النافلة، إذ لعله يستحب عدم قطع النافلة، أي لأنها نافلة فإذا علم بأنه لم يجلس بين الركعتين حتى ركع فيستحب له عدم القطع، وإن كانت صلاته فاسدة بزيادة الركوع، لا أن قوله: (يجلس ويتشهد) دليل على صحتها، بل لعله في مقام بيان استحباب عدم قطعها، فكما أن الفريضة لا قطع فيها وإن كانت فاسدة على بعض المباني فكذا يستحب في النافلة عدم قطعها، بل إن قوله في الذيل: (ويستأنف الصلاة) ظاهر في البطلان، إذ لا يعبر عرفاً بالاستئناف ويراد به الدخول في صلاة أخرى أو الاستمرار في أصل الصلاة لافي الصلاة التي فرغ منها، بل ظاهر التعبير (ويستأنف الصلاة) أن الصلاة باطلة، كما في قوله في معتبرة محمد بن مسلم: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل شك في الركعة الأولى قال: يستأنف) بمعنى أن صلاته باطلة.

وأما قوله: (سألته عن السهو في النافلة قال: ليس عليك شيء) فإنه يحتمل نفي التبعة أي أنه لا يجب عليك تكليفاً أن تأتي بشيء، لكن هذا لا يعني أن النافلة صحيحة فربما تكون فاسدة لكن لا تبعة من جهتها.

فلأجل ذلك قد يقال: إن ما ذكره جملة من الأعلام من عدم مانعية زيادة الركن في النافلة محل تأمل بمقتضى مراجعة الأدلة.

الصورة الثانية:
إذا علم إجمالاً في النافلة إما بنقص الركوع في الركعة التي هو فيها أو نقص سجدتين من الركعة السابقة، فهو يعلم بنقص ركن على كل حال، فإن كان في المحل الشكي أي ما زال جالساً ولا يدري نقص الركوع أم لم ينقص وهو لم يدخل في السجود بعد، فمقتضى قاعدة التجاوز في سجدتي الركعة السابقة أنه أتى بهما، ومقتضى استصحاب عدم الإتيان بركوع هذه الركعة التي هو فيها أن يرجع ويأتي بالركوع. وإن كان في المحل الذكري بمعنى أنه دخل في واجب غير ركني، كما إذا دخل في السجدة الأولى وبعد أن دخل في السجدة الأولى علم بأنه إما نقص سجدتين من الركعة السابقة أو نقص ركوعاً من هذه الركعة، فقد يقال بأن مقتضى نكتة تقديم الأصل المصحح على الأصل المتمم في المقام هو ذلك، فتجري قاعدة التجاوز في سجدتي الركعة السابقة لأنه أصل مصحح، ولا يجري في ركوع الركعة التي هو فيها قاعدة التجاوز لأنه أصل متمم، لأن المكلف يمكنه أن يتداركه، فيجري في حقه استصحاب عدم الإتيان بالركوع فيرجع ويتدارك الركوع ويتم نافلته ولا شيء عليه.

الفرض الثالث:
أن يدخل في المحل السهوي أي يدخل في الركن اللاحق، كما إذا أتم السجدتين ثم علم إجمالاً بأنه نقص سجدتين من الركعة السابقة أو نقص ركوعاً من هذه الركعة، فحينئذ يعلم ببطلان نافلته لنقص ركن منها، ونقص الركن مفسد في الفريضة أو في النافلة، فهو يعلم ببطلان نافلته لنقص ركوع منها فالأمر بها مازال باقياً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo