< قائمة الدروس

الأستاذ السید منیر الخباز

بحث الفقه

45/03/28

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: فروع العلم الإجمالي

 

الوجه الأخير:
في بيان أن مفاد معتبرة عبد الرحمن بن أبي عبد الله على وفق القاعدة ما أشار إليه صاحب الوافي رحمه الله [ج8 ص951] وبنى عليه بعض الأجلة رحمه الله [في كتابه قاعدة الفراغ والتجاوز ص158].

وتقريب ذلك بذكر أمور:

الأمر الأول:
أن هناك فرقاً بين مفاد معتبرة عبد الرحمن الأولى التي ذكرت أن من شك في السجود وقد نهض للقيام لم تجر في حقه القاعدة، وبين مفاد معتبرته الثانية التي ذكرت أن من شك في الركوع وقد أهوى إلى السجود فإنه تجري في حقه القاعدة، والوجه في ذلك أنه في الفرض الأول - وهو من شك في السجود وقد نهض للقيام - لم يحرز المكلف التجاوز، حيث لم يحرز الدخول في ذات الغير المترتب، فإن شكه في السجود مساوق لشكه في كون النهوض نهوضا للقيام المترتب، وحيث لم يحرز الدخول في الغير لم تجر القاعدة، بينما في معتبرته الأخرى - وهي من شك في الركوع وقد أهوى إلى السجود - فإن الهوي إلى السجود مسبوق عادة بالقيام بعنوان القيام بعد الركوع، إذ لا يهوي المكلف إلى السجود عادة إلا بعد قيام بقصد القيام بعد الركوع، فلأجل ذلك كان الهوي إلى السجود أمارة وجدانية على مسبوقيته بقيام بقصد كونه قياماً بعد الركوع، ومن الواضح أن القيام بعد الركوع جزء مترتب شرعاً على الركوع، ولذلك من رأى نفسه قائماً عن انحناء ولا يدري أنه ركع أم لا فإن قاعدة التجاوز تجري في حقه، لكونه تجاوز الركوع بالدخول في الغير المترتب شرعاً على الركوع ألا وهو القيام بعد الركوع.

فكما تجري القاعدة في من رأى نفسه قائماً عن انحناء فشك في وقوع الركوع كذلك تجري عند من شك في الركوع وهو يهوي إلى السجود، فإن الهوي أمارة وجدانية على أنه قام قبل الهوي بالقيام بقصد القيام بعد الركوع، فجريان القاعدة حينئذ - كما هو مفاد معتبرة عبد الرحمن بن أبي عبد الله - لتحقق تجاوز المحل الشرعي للركوع بالدخول في الجزء المترتب عليه شرعاً وهو القيام بقصد كونه قياماً بعد الركوع.

فهذا هو الفارق بين الفرضين، وهما: من نهض للقيام وشك أنه سجد أم لم يسجد، و من شك في الركوع وقد أهوى إلى السجود.

الأمر الثاني:
أن الميزان في جريان قاعدة التجاوز هو تجاوز المحل الشرعي، وتجاوز المحل الشرعي منوط بقيدين:

القيد الأول:
ما كان على نحو القضية الشرطية، وهي إحراز أنه دخل في الجزء المترتب إن كان المشكوك قد وقع قبله، فمثلاً من شك في القراءة وهو في الركوع فهو يحرز أنه دخل في الغير المترتب على القراءة إن كانت القراءة قد وقعت في محلها، وإلا لو كان الميزان أن يدخل في الجزء المترتب بالفعل فلازم ذلك أن لا تجري القاعدة في شيء من الموارد، لأنه متى شك في أن الجزء السابق وقع أم لا فقد شك في أن ما دخل فيه جزء مترتب أم لا.

فليس الميزان أن يحرز أنه دخل في الجزء المترتب على كل حال، بل الميزان أن يحرز أنه دخل في الجزء المترتب لو كان الجزء المشكوك قد وقع في محله، بمعنى أن يدخل في ذات الجزء المترتب لا ما يحرز أنه مترتب.

القيد الثاني:
أن يدخل في ذات الجزء المترتب بقصد أنه الجزء المترتب ولو كان القصد ارتكازياًَ لا تفصيلياً، وإلا ففي مورد الدخول في الجزء المسانخ للجزء السابق على الجزء المشكوك لا يحرز التجاوز عن محل الجزء المشكوك مالم يكن بقصد الجزء المترتب.

وهذان القيدان منطبقان على القيام، فمن قام بعد انحناء وشك أنه ركع فالقيد الأول - وهو أنه دخل في ذات الجزء المترتب على الركوع لو كان الركوع قد وقع قبله - صادق عليه، والقيد الثاني - وهو أنه دخل في القيام بقصد أنه قيام بعد الركوع ولو كان قصداً إجمالياً ارتكازياً - صادق أيضاً، وحيث صدق القيدان على القيام فالشك في الركوع ملغاً بجريان قاعدة التجاوز، فإذا جرى ذلك في القيام جرى ذلك عندما يشك في الركوع وهو يهوي إلى السجود.

الأمر الثالث:
بناءً على الميزان الذي ذكر لا فرق بين أن يدخل في الجزء المباين أو الجزء المسانخ للجزء السابق أو للجزء على الجزء المشكوك، مثلاً من رأى نفسه أنه يسجد بقصد السجدة الثانية وشك أنه سجد الأولى أم لم يسجد جرت في حقه قاعدة التجاوز، لانطباق ميزان قاعدة التجاوز عليه، وهو أنه دخل في الجزء المترتب بقصد كونه الجزء المترتب وإن كان بين السجودين تسانخ لا تباين، وكذلك إذا شك اثناء القيام الذي قصد به القيام بعد الركوع حدوثا هل أنه ركع قبله أم لا جرت القاعدة وإن كان القيام مسانخاً للقيام السابق على الركوع، فإن المسانخة لا تضر ما دام قد دخل فيه بقصد كونه الجزء المترتب.

 

ويلاحظ على ذلك:

أولاً:
بأن دعوى أن من هوى للسجود فالهوي أمارة وجدانية على مسبوقيته بالقيام بقصد القيام بعد الركوع ممنوعة، إذ لا ملازمة عادة بين الهوي إلى السجود وبين مسبوقيته بقيام بقصد كونه قياماً بعد الركوع، إذ قد يغفل المكلف كثيراً بأن يهوي من القيام الذي قبل الركوع فيهوي إلى السجود، فلا ملازمة عادة بين الهوي إلى السجود وبين القيام بقصد كونه قياماً بعد الركوع.

وثانياً:
قد ينقض على بعض المباني بجريان القاعدة في مورد الجلسة المأتي بها بقصد جلسة الاستراحة، فمثلاً من رأى نفسه جالساً بقصد جلسة الاستراحة فشك أنه سجد السجدة الثانية قبل ذلك أو أنها الجلسة بين السجدتين، فمقتضى المبنى المذكور جريان قاعدة التجاوز، لأنه دخل في جزء بقصد كونه الجزء المترتب، مع أنه لم يقل أحد بجريان القاعدة في هذا المورد ممن يرى جزئية جلسة الاستراحة - ولعل بعض الأجلة ممن لا يرى ذلك -، ولعل الوجه في ذلك أنه لو جرت القاعدة في هذا المورد لجرت في ما إذا نهض للقيام وشك أنه سجد أم لم يسجد بلحاظ أمارية النهوض للقيام على الجلوس قبله بعنوان جلسة الاستراحة، والمفروض دلالة معتبرة عبد الرحمن بن أي عبد الله البصري على عدم الجريان. فتأمل.

وثالثاً:
أن جريان القاعدة في الجزء المسانخ على إطلاقه ممنوع على ضوء عمدة المباني في ميزان القاعدة وهي:

المبنى الأول:
أن المناط في جريان قاعدة التجاوز هو تجاوز المحل الشرعي لا الدخول في الغير، وهو مبنى سيدنا الخوئي وشيخنا الأستاذ قدس سرهما، حيث لا ملازمة بين تجاوز المحل الشرعي والدخول في الغير، مثلاً من شك في التسليم بعد فوت الموالاة أو شك في التسليم بعد الحدث فإن القاعدة تجري فيه، لأنه تجاوز المحل الشرعي للتسليم وإن لم يدخل في الغير، لكون التسليم مشروطا بعدم المانع السهوي، أو حصل منه حدث أو استدبار، مما يعني أن المناط تجاوز المحل الشرعي للمشكوك وإن لم يدخل في الغير. نعم، إذا كان الشك في جزء من أجزاء الصلاة أثناء الصلاة، فحينئذ توجد ملازمة عقلية بين تجاوز المحل الشرعي للجزء المشكوك والدخول في الغير المترتب، إذ لا يتصور أثناء الصلاة أن يتجاوز المحل الشرعي للجزء إلا بالدخول في الجزء المترتب شرعاً عليه.

ولكن على هذا المبنى يعتبر في جريان القاعدة أن يحرز تجاوز المحل الشرعي، وإحراز تجاوز المحل الشرعي بإحراز أنه دخل في ذات الغير المترتب، بحيث لا شك عنده في ذلك إلا الشك في وجود الجزء السابق، وهذا مما لا ينطبق على القيام بعد الركوع.

 

والسر في ذلك أن هنا فرقاً بين صورتين:

الصورة الأولى:
أن يقوم عن انحناء بقصد القيام بعد الركوع، فيكون قيامه عن انحناء أمارة على أن هذا القيام ليس هو القيام السابق على الركوع، لأن القيام السابق على الركوع ليس عن انحناء، لذلك فهو يحرز أنه دخل في ذات الجزء المترتب على الركوع، وأن شكه متمحض في أن الركوع حصل أم لم يحصل، وهو مجرى القاعدة.

الصورة الثانية:
أن لا يحرز أن قيامه عن انحناء وإنما رأى نفسه قائماً بقصد أنه قيام بعد الركوع حدوثاً، ثم شك في أن القيام بعد انحناء أم لا، ففي هذا الفرض لم يحرز من الأساس أنه دخل في ذات الجزء المترتب، إذ لعل هذا القيام هو القيام السابق على الركوع، فحيث لم يحرز أنه دخل في ذات الجزء المترتب لم يحرز تجاوز المحل الشرعي للركوع، فلا مجرى للقاعدة، حيث يعتبر في جريانها إحراز الدخول في ذات الجزء المترتب إما لكونه مبايناً صورة على الجزء المشكوك، أو انضمام أمارة على كونه غيره نظير كونه عن انحناء وإن كان مسانخاً له صورةً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo