< قائمة الدروس

الأستاذ السید منیر الخباز

بحث الفقه

45/03/24

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: فروع العلم الإجمالي

 

التفسير الثاني:
وهو ما نقل عن المحقق النائيني قدس سره، وبيانه أن النسبة بين منطوق معتبرة عبد الرحمن وبين مفهوم معتبرة إسماعيل بن جابر التي قال فيها عليه السلام: (إن شك في الركوع بعدما سجد، فليمض) حيث اكتفت معتبرة عبد الرحمن بالهوي، بينما نصت معتبرة إسماعيل بن جابر على السجود (وقد سجد فليمض)، هي العموم والخصوص المطلق، فيقيد إطلاق منطوق معتبرة عبد الرحمن بمفهوم معتبرة إسماعيل بن جابر.

وبيان ذلك: أن ما ذكر في معتبرة عبد الرحمن عنوان الهوي (وقد أهوى إلى السجود)، والهوي له درجات ومراتب، وأقصاها المرتبة المتصلة بالسجود نفسه بحيث يقال: أهوى للسجود فسجد. وبناءً على ذلك يصار إلى تقييد إطلاق الهوي لسائر المراتب بأن المراد الجدي منه خصوص المرتبة الأعلى وهي المرتبة المساوقة للسجود، وذلك بقرينة القيد في مفهوم معتبرة إسماعيل بن جابر التي قال فيها: (وإن شك في الركوع بعدما سجد، فليمض)، وتقريب دعوى التقييد: أن الوجه ليس هو الاستناد إلى مفهوم الشرط في قوله: (وإن شك في الركوع بعدما سجد)، لأن الشرط هنا مسوق لتحقيق الموضوع، والشرط المسوق لتحقيق الموضوع لا مفهوم له، لأن قوله عليه السلام: (وإن شك في الركوع بعدما سجد) مفهومه (وإن لم يشك)، ومن الطبيعي إنه إذا لم يشك فلا معنى لقاعدة التجاوز في حقه، فالشرط هو كلمة (إن شك في الركوع) وحيث إنه شرط محقق للموضوع، والشرط المحقق للموضوع لا مفهوم له.

فليست النكتة في التقييد مستندة إلى مفهوم الشرط، وإنما النكتة في التقييد مستندة إلى أحد وجهين:

الأول:
قاعدة احترازية القيد وهو قوله: (بعدما سجد)، فإن ظاهر قوله: (إن شك في الركوع بعد ما سجد) المفروغية عن وجود الشك، آذ لا يريد بيان اعتبار الشك: (إن شك) بل الشك مفروغ عن وجوده، وإنما ظاهر سياق هذه الفقرة بيان ما هو الموضع المعتبر من الشك بعد المفروغية عن وجوده، وهو أن يكون الشك بعدما سجد، فلو كان الشك قبله لم يكن له أثر. وهذا يعني أن قوله: (بعدما سجد) قيد مسوق لتحديد الموضع المعتبر شرعاً من الشك، والقيد المسوق للتحديد له مفهوم، فمقتضى مفهوم احترازية القيد في معتبرة إسماعيل جابر الخروج عن إطلاق المنطوق في معتبرة عبد الرحمن التي قال فيها: (وقد أهوى إلى السجود) فتحمل على الهوي المساوق للسجود.

الثاني:
إذا وجد مطلق ومقيد مثبتان واحتمل تعدد المجعول فلا موجب لحمل المطلق على المقيد، كما لو قال: (أكرم العالم) وقال: (أكرم العالم العادل) واحتمل أن هناك أمرين: أمراً بإكرام طبيعي العالم وأمراً بإكرام العالم العادل، فهنا لا موجب لحمل المطلق على المقيد، ولكن إذا أحرز وحدة المجعول وأن المجعول حكم واحد ذو موضوع واحد، وحيث لا يعقل أن يكون الموضوع الواحد واسعاً ضيقاً، فمقتضى ذلك ضرورة حمل المطلق على المقيد، كما لو قال: (أعتق رقبة) وقال: (أعتق رقبة مؤمنة) ونحن نحرز أن ليس هناك أمران بل هناك أمر واحد، وحيث لا يعقل أن يكون موضوعه الرقبة لا بشرط والرقبة بشرط الإيمان فيتعين حمل المطلق على المقيد.

والمقام من هذا القبيل، فإن المجعول في المقام قاعدة ظاهرية واحدة وهي قاعدة التجاوز ولها موضوع واحد، وذلك الموضوع الواحد إما مطلق الهوي أو خصوص الهوي المساوق للسجود، فحيث إن المجعول واحد ولا يعقل في موضوعه أن يكون واسعاً وضيقاً تعين حمل المطلق على المقيد..

 

ولكن قد يلاحظ على ذلك:

أولاً:
إنما يحمل المطلق على المقيد بنكتة أن المجعول الواحد لا يعقل في موضوعه السعة والضيق إذا كان القيد راجعاً للمجعول نفسه، وأما إذا كان القيد خصوصية في مقام التطبيق فلا معنى للتوسل في حمل المطلق على المقيد على نكتة وحدة المجعول واحد، لأن الرواية واردة في مقام التطبيق لا في بيان ما هو المجعول، مثلاً إذا قال المولى: (أعتق رقبة) وهذا هو المجعول، ولكن وردت روايتان في مقام التطبيق بأن قالت رواية: (إذا أردت عتق الرقبة فاعتقه في المسجد) وقالت رواية: (أعتقه أمام الشهود)، فهنا لا معنى لحمل المطلق على المقيد بذريعة أن المجعول واحد ويشك في أن موضوعه واسع أم ضيق? لأن الروايتين وهي قوله: (إن أردت عتق الرقبة فليكن في المسجد) أو قوله: (... فليكن أمام شهود) ناظرتان لمقام التطبيق لا لبيان ما هو المجعول. ومن الواضح أن المجعول وإن كان واحداً إلا أنه متعدد في مقام التطبيق، فلا وجه لإقحام هذا الميزان وهو كون موضوع المجعول الواحد واحداً، فإن الروايات التي تعرضت لأصل جعل قاعدة التجاوز واضحة، وأما الروايات الواردة في تطبيق القاعدة بعد المفروغية عن جعلها واعتبارها فقد اختلفت بعض التطبيقات فقالت: رواية (يكفي الهوي) ورواية: (لا بد من السجود)، وهو اختلاف فيه تطبيق جريان قاعدة التجاوز لمن شك في الركوع، والاختلاف في مقام التطبيق يعني التعارض بين الروايتين، لا أنه يجري فيه قانون حمل المطلق على المقيد بنكتة أن المجعول واحد مع أن التطبيقات متعددة.

الملاحظة الثانية:
أن حمل المطلق على المقيد فرع كون القيد وارداً في مقام التحديد، وكذلك نكتة احترازية القيد فرع كون القيد وارداً في مقام التحديد، ولا يظهر من سياق معتبرة إسماعيل بن جابر التي قالت: (إن شك افي الركوع بعدما سجد) أن السجود وارد في مقام التحديد كي يتمسك بمفهومه أو يتمسك بقانون حمل المطلق على المقيد، بل ظاهره التمثيل بالفرد الأجلى لجريان قاعدة التجاوز حيث قال: (إن شك في الركوع بعدما سجد، وإن شك في السجود بعدما قام فليمض، وكل شيء شك فيه...)، فلا ظهور في السياق أنه في مقام التحديد كي يتم بناءً عليه تقييد في إطلاق منطوق معتبرة عبد الرحمن بمفهوم القيد في معتبرة إسماعيل بن جابر.

الملاحظة الثالثة:
أن النسبة بين مفهوم القيد - لو سلمنا بوروده في مقام التحديد - في معتبرة إسماعيل والمنطوق في معتبرة عبد الرحمن عموم من وجه وليس عموماً وخصوصاً مطلقاً. وبيان ذلك: أن منطوق معتبرة عبد الرحمن كفاية الهوي في جريان القاعدة سجد أو لم يسجد، فهو من هذه الجهة أعم من المفهوم في معتبرة إسماعيل لأنه يشمل حال السجود، ومفهوم معتبرة إسماعيل بن جابر: إن لم يسجد فلا تجري القاعدة هوى أم لم يهوِ. فكل منهما أعم من الآخر من جهة ويجتمعان في الهوي قبل السجود ويتعارضان فيه، فلا موجب لتقديم أحدهما على الآخر.

الملاحظة الرابعة:
قد يشكل على المحقق النائيني بأن قانون حمل المطلق على المقيد إنما هو ما لم يلزم من هذا الحمل إلغاء الخصوصية في الدليل المطلق، وهنا إذا حملنا الهوي في معتبرة عبد الرحمن على خصوص السجود جمعاً بينها وبين معتبرة إسماعيل بن جابر التي ذكرت قيد السجود فلازم ذلك إلغاء خصوصية الهوي، إذ لا يبقى للهوي معنى ما دام المراد الجدي منه هو حالة السجود، فلزم من حمل المطلق على المقيد إلغاء الخصوصية الواردة في المطلق وهي خصوصية الهوي، إذ أن الهوي ليس مراداً بل المراد الذي يلزم منه إلغاء الخصوصية.

إلا أن يقال: بما أن هذه الخصوصية واردة في كلام السائل - وهو عبد الرحمن - لا في كلام الإمام عليه السلام فلا يضر أن يكون مقتضى قانون حمل المطلق على المقيد لغوية خصوصية العنوان.

وأما ما نسب للسيد البروجردي قدس سره من أن المشهور أعرض عن العمل بمعتبرة عبد الرحمن بن أبي عبد الله في الشك في الركوع فلا معنى للبحث فيها بعد إعراض المشهور عن العمل بها الموجب لوهن حجيتها فمحل تأمل، باعتبار أنه لم يحرز إعراض مشهور القدماء عنها، وقد ذكر صاحب المدارك أن الصحيح هو العمل بها، ولم يعلق عليه لا في الجواهر ولا في الحدائق بأن ما ذكره خلاف المشهور مع أنهما الخبيران بطريقة المشهور كي يقال: إن إعراض المشهور عن العمل بهذه المعتبرة موهن لحجيتها بناءً على كبرى كون إعراض المشهور موهناً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo