الأستاذ السید منیر الخباز
بحث الفقه
45/03/22
بسم الله الرحمن الرحيم
كذلك الأمر في المقام حيث يعلم المكلف بأنه إما يجب عليه تدارك التشهد في الركعة التي قام عنها وهذا تكليف فعلي، أو يجب عليه قضاء السجدة بعد الصلاة لتركها في موضعها وهذا تكليف استقبالي، فلأجل عدم منجزية العلم الإجمالي تجري البراءة عن وجوب العود للتشهد ووظيفته المضي في صلاته، فإذا أتم الصلاة قضى كلا الجزئين - أي قضى التشهد و السجدة بمقتضى استصحاب عدم الإتيان بهما لأنه يعلم بترك أحدهما - ويسجد سجدتي السهو لنسيان السجدة (وأتى بقضاء كل منهما مع سجدتي السهو والأحوط إعادة الصلاة أيضاً) وظاهر العبارة أنه لم يفت بصحة الصلاة بل احتاط لزوماً بإعادتها.
١- أن الصلاة الفعلية مما لا دليل على وجوب قضاء ما علم بتركه منها، فإن وجوب قضاء الجزء فرع نسيانه إلى أن ركع، حيث إن الدليل الدال على وجوب قضاء السجدة بعد الصلاة أو التشهد بعد الصلاة موضوعه الجزء المنسي، وهذا الموضوع مما يعلم عدم انطباقه على التشهد، لأن المكلف لو كان تركه في موضعه فلم يتركه نسيانا حتى ركع لأجل التفاته له قبل الركوع، وأما بالنسبة للسجدة فإن استصحاب عدم الإتيان بالسجدة لا يثبت نسيانها إلا بالأصل المثبت، فلم يحرز وجوب قضاء ما علم بتركه في هذه الصلاة.
٢- أن لدى المكلف علماً إجمالياً بعد الصلاة إما بوجوب القضاء إن كانت وظيفته كذلك واقعاً، أو وجوب الإعادة حيث إن صلاته خالية قطعاً إما من التشهد أو من السجدة في موضعهما.
ثم قال: (ويحتمل وجوب العود لتدارك التشهد والإتمام) أي يحتمل أن وظيفته عدم المضي في الصلاة بل يرجع ويتدارك التشهد، لعدم جريان قاعدة التجاوز فيه إما للتعارض أو للعلم التفصيلي بلغوية القيام لترك أحد الجزئين قبله - وحيث إنه لم يدخل في ركن لاحق، فمقتضى الأصل الموضوعي وهو استصحاب عدم الإتيان به الرجوع وتداركه ثم يتم صلاته - وإن لم نقل بمنجزية العلم الإجمالي بالتدارك أو القضاء (وقضاء السجدة فقط) إما تطبيقاً للعلم الإجمالي الذي حدث عند القيام من الركعة الثانية وهو أنه إما يجب عليه تدارك التشهد أو قضاء السجدة، أو لاستصحاب الأمر الضمني بالسجدة (مع سجود السهو) لنسيان السجدة، أو لزيادة القيام، إذ المفروض أنه هدم القيام وتدارك التشهد فيجب عليه سجود السهو لزيادة القيام لا لنسيان السجدة حيث لا يحرز نسيان السجدة باستصحاب عدمها (وعليه أيضاً الأحوط الإعادة أيضاً.) وتقريب عدم الفتوى بصحة الصلاة والاحتياط اللزومي بالإعادة: أن من رجع وتدارك التشهد كان تدارك التشهد معرضاً لزيادة قادحة، لأنه إذا عاد فتدارك التشهد سيتداركه بقصد الجزئية، فإذا تداركه بقصد الجزئية كان التشهد معرضاً للزيادة القادحة، لأنه من المحتمل أن يكون زيادة ملتفتاً إليها، والزيادة الملتفت إليها مما لا يشملها حديث لا تعاد، وحيث لم يشملها حديث لا تعاد، واستصحاب عدم الزيادة أو البراءة عن مانعية تدارك التشهد لا يثبت امتثال الأمر الضمني به، فمقتضى قاعدة الاشتغال إعادة الصلاة.
وقد تأمل بعض الأعلام في ذلك بأنه على فرض أن التشهد مكرر فإن الإتيان به كان بمقتضى أصل شرعي وهو استصحاب عدم الإتيان به، وحيث استند لأصل شرعي فقد استند لأمر الشارع، وما استند لأمر الشارع ليس زيادة قادحة، أي أن دليل مانعية الزيادة قاصر عن الشمول له من الأساس، وأن امتثال الأمر بكل جزء مركب من الإتيان به وعدم الزيادة فيه، والأول محرز بالوجدان والثاني باستصحاب عدم الزيادة، كما يمكنه الإتيان بالتشهد بقصد الرجاء وبقصد الذكر المطلق لا بقصد الجزئية كي يكون معرضاً للزيادة القادحة.
هذا تمام الكلام في شرح عبارة سيد العروة قدس سره والتعليق عليها.
وقد نسب لسيد العروة قدس سره عدم منجزية العلم الإجمالي في التدريجيات، وبناءً عليه ليس لدى المكلف علم إجمالي منجز أثناء الصلاة إما بتدارك التشهد أو قضاء السجدة بل يمضي للبراءة عن وجوب التدارك.
وما ذكره متين قدس سره.
وأما الكبرى، أي فلنفترض أن العلم الإجمالي في المقام أحد طرفيه غير فعلي وهو وجوب قضاء السجدة بعد الصلاة، ولكن ما هو الوجه في عدم منجزية العلم الإجمالي في التدريجيات؟
أما تنجزه بالفعل - مع أنه تكليف مستقبلي - فهو لغو لا أثر له، وأما أنه معلق على شرط متأخر، أي أن العلم التفصيلي منجز اليوم إذا تحقق الشرط المتأخر في ظرفه - وهو حصول كسوف الشمس غداً - فالمنجزية تعليقية لا فعلية، فلا يعقل في الأحكام العقلية التعليق، وإنما يعقل التعليق على الشرط المتأخر في الأمور الاعتبارية، كأن يقال: وجوب صوم شهر رمضان أمر اعتباري فهو ثابت من حين بزوغ الهلال معلق على مجيء الفجر من هذه الليلة بالنسبة لهذا المكلف، وأما أحكام العقل فهي دائرة بين الوجود والعدم، فإن العقل إما يحكم بالمنجزية بالفعل أو لا يحكم، لا أن العقل يحكم بالمنجزية إن تحقق التكليف في ظرفه. فمنجزية العلم التفصيلي للتكليف المستقبلي غير معقولة فكيف بالعلم الإجمالي؟! بل عدم منجزية العلم الإجمالي من باب أولى.
ولكن الصحيح - كما اتفق عليه الأعلام من الشيخ الأعظم قدس سره وحتى أساتذتنا قدست أسرارهم - أن العلم الإجمالي والتفصيلي وإن تعلق بتكليف مستقبلي منجز بالفعل.
أما بالنسبة العلم التفصيلي وهو أن يعلم المكلف بأن غداً صوم شهر رمضان لأن الليلة بزوغ هلال شهر رمضان، فالعلم التفصيلي بوجوب الصوم غداً منجز من الآن لا معلقاً ويكون منجزيته لغواً، فإن أثرها أن يجب عليه حفظ القدرة على الصوم إلى أن يأتي ظرفه، فلا يجوز له أن يعجز نفسه بحبة أو إبرة أو ما أشبه ذلك، بل يجب عليه حفظ القدرة إلى أن يأتي ظرف الصوم فيأتي بالصوم فيه. وهذه المنجزية ببناء العقلاء، فإن بناء العقلاء قائم على أن من التفت في هذا اليوم إلى أن السلطان سيأمره غداً بأمر لا مناص منه فإنه يتنجز عليه من اليوم ويجب عليه حفظ القدرة عليه من الآن ولا يعذر في تعجيز نفسه عن امتثال التكليف في ظرفه، فالمقتضي للمنجزية وهو بناء العقلاء موجود، والمانع وهو دعوى اللغوية مفقود.
وأما لو أنه تحول من العلم إلى الشك أو انتفت قدرته فهذا ليس من باب الانقلاب بمعنى أنه كان منجزاً ثم خرج عن المنجزية، بل من باب انكشاف أن العلم التفصيلي لم يكن منجزاً من الأساس، لا أنه من باب الانقلاب كي يقال أن الانقلاب محال.
هذا بالنسبة إلى العلم التفصيلي، وأما بالنسبة إلى العلم الإجمالي فهو منجز تعلق بالفعليات أو بالتدريجيات، سواءً قلنا بالعلية أو قلنا بالاقتضاء.
أما إذا قلنا بمسلك العلية - وهو مسلك العراقي قدس سره - من أن العلم الإجمالي علة تامة للمنجزية فيكفي في عليته صلاحيته لبعث المكلف وتحريكه على كل تقدير، والمفروض أن العلم الإجمالي في التدريجيات صالح لتحريك المكلف على كل تقدير، فلو علم بأنه إما يجب عليه صوم هذا اليوم لأن اليوم شهر رمضان أو يجب عليه صوم غد لأن الغد شهر رمضان كان العلم الإجمالي صالحاً لتحريكه وبعثه نحو الصوم على كل حال فهو منجز.
وأما على مسلك الاقتضاء فإن المناط في منجزية العلم الإجمالي بناءً على الاقتضاء تعارض الأصول في أطرافه، والمناط في تعارض الأصول في أطرافه استلزام جريانها معاً للترخيص في المخالفة القطعية، فمتى استلزم جريان الأصول في أطراف العلم الإجمالي الترخيص في المخالفة القطعية كان منجزاً سواءً كانت أطرافه فعلية أم تدريجية.
وفي المقام كذلك فمن علم إجمالاً وهو في الصلاة بأنه إما يجب عليه تدارك التشهد أو قضاء السجدة بعد الصلاة، فلو أجرى الاصلين في الطرفين - وهما قاعدة التجاوز - ومضى في الصلاة دون أن يأتي بشيء منهما علم بوقوعه في مخالفة التكليف الواقعي قطعاً. فجريان الأصلين معاً ترخيص في المخالفة القطعية، والترخيص في المخالفة القطعية قبيح عقلاً، سواء كانت المخالفة دفعية أو تدريجية، حيث لا فرق في ذلك من حيث القبح عقلاً.